أجمع الفقهاء علي استحباب إحياء ليلة القدر في الجملة. لفعل النبي صلي الله عليه وسلم فقد أخرج الشيخان عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلي الله عليه وسلم جاور "أي اعتكف" في العشر الأواخر من رمضان.. كما أخرج الشيخان عن عائشة قالت: كان النبي صلي الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر وأخرج البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه". ويكون إحياء ليلة القدر بالصلاة وقراءة القرآن والذكر والدعاء. وغير ذلك من الأعمال الصالحة. وأن يكثر من الدعاء الذي علمه النبي صلي الله عليه وسلم للسيدة عائشة. فيما أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح. عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله: أرأيت إن علمت أي ليلة القدر ما أقول فها؟ فقال صلي الله عليه وسلم وسلم: "قولي: اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني".. قال بعض أهل العلم: هذا الحديث فيه إيماء إلي أن أهم المطالب انفكاك الإنسان من تبعات الذنوب. وطهارته من دنس الشعوب. فإن بالطهارة من ذلك يتأهل للانتظام في سلك حزب الله. وحزب الله هم المفلحون. واختلف الفقهاء في مدي اختصاص أمة محمد صلي الله عليه وسلم بليلة القدر. فذهب الأكثرون إلي أن ليلة القدر خاصة بالأمة المحمدية. ولم تكن في الأمم السابقة. واستدلوا علي ذلك بما أخرجه البيهقي. بسند فيه مقال. أن رجلاً من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله تعالي ألف شهر. فعجب المسلمون من ذلك. فأنزل الله عز وجل : "إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر" القدر: 31 وأخرج الإمام مالك في الموطأ أنه سمع من يثق به من أهل العلم يقول: إن رسول الله صلي الله عليه وسلم أري أعمار الناس قبله. أو ما شاء الله من ذلك. فكأنه تقاصر أعمار أمته ألا يبلغوا من العمل مثل الذي بلغ غيرهم في طول العمر. فأعطاه الله ليلة القدر خير من ألف شهر. وذهب بعض أهل العلم إلي أن ليلة القدر كانت في الأمم السابقة» استدلالاً بما أخرجه النسائي عن أبي ذر. وفيه أنه قال: يا رسول الله أخبرني عن ليلة القدر. أفي كل رمضان هي؟ قال: "نعم".. قلت: أفتكون مع الأنبياء فإذا رُفعوا رُفعت. أو إلي يوم القيامة؟ قال: "بل هي إلي يوم القيامة". واختلف الفقهاء أياً في بقاء ليلة القدر. فذهب الجمهور إلي أنها باقية إلي يوم القيامة» لحديث أبي ذر الذي ذكرناه وللأحاديث الداعية إلي تحريها. مثل ما أخرجه الباري عن أبي هريرة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" وذهب بعض العلماء إلي أن ليلة القدر رفعت أصلاً ورأساً. وهو قول الشيعة وحكاه الفاكهاني في شرح العمدة عند الحنفية. قال ابن حجر: وكأنه خطأ. وقد أخرج عبدالرزاق أنه قيل لأبي هريرة: زعموا أن ليلة القدر رفعت؟ قال: كذب من قال ذلك.. أقول: ومهما اختلفت الأقوال في ذلك فطمعنا في رحمة الله أن لا يحرمنا من فضل ليلة القدر. فقد أخرج الشيخان عن أبي هريرة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالي : "أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني".