الأوس والخزرج. اسمان لرجلين من الأزد كانا في اليمن. ثم تركاها بأسرهما قبيل انهيار سد مأرب أو بعده علي خلاف بين المؤرخين وشاء الله أن يستقر الاخوان بأسرتيهما في يثرب المدينةالمنورة وقد نزلاها قبل استعمار اليهود لها أو بعدها علي خلاف بين النظار إلا ان الأوس قد استوطنوا في أكثر مناطق المدينة خصبا وهو واقع لم يكن للخزرج مثلهم. كما حكم الواقع بجوار الأوس لطائفتين من اليهود كانا اهتمامهما بالزراعة هما بنو النضير وبنو قريظة. أما الخزرج فقد حكم عليهم أن يجاورا طائفة من اليهود هي طائفة بني قينقاع واشتهار هذه الطائفة بالتجارة وصنع السلاح وقد تنامي السكان من الطرفين الأوس والخزرج وانقسمت كل طائفة منهما إلي خمسة أقسام. أما الأوس فقد انقسموا إلي خمسة أبطن هم: عوف بن مالك وعمرو بن مالك ومرة بن مالك وجشم بن مالك وامرؤ القيس بن مالك وكل بطن من هذه البطون انقسمت إلي أفخاذ أو أسر وما حدث في الأوس حدث في الخزرج فقد انقسموا أيضا إلي خمسة بطون هم: عمرو بن الخزرج وجشم بن الخزرج وكعب بن الخزرج والحارث بن الخزرج وعوف بن الخزرج. شرذمة تتلوها شرذمة تعمل علي تفتيت المجتمع وتنال من وحدته وهذا النوع من التشرذم يمثل تلك العقبة الكأداء في سبيل تحقيق الهدف الأكبر وهو إنشاء النظام الغائب بالشريعة المنزلة عن طريق الدولة المؤدية إلي الأمة ولم يقف إلا عضال عند هذا الحد وإنما قد وقعت خلافات شرسة بين أبناء الأوس والخزرج. أعني أبناء العمومة حيث تناسي الأقارب ما بينهم من أواصر ووشائج وانساقوا وراء الأهواء التي يحركها هذا العامل الأكبر وهو العامل الاقتصادي. واليهود قد مارسوا هوايتهم في التفريق بين أبناء العمومة فدخل يهود بني النضير وبني قريظة في حلف مع الأوس كما دخل يهود بني قينقاع في حلف مع الخزرج لا لشيء إلا لمحاولة ايقاع العداوة بين الطرفين تشغلهم عن التفكير في إجلاء اليهود وتفتح أمامهم الأسواق لبيع الطعام من ثمار وزروع وبيع الاسلحة من سيوف وسهام ودروع. ووقعت الواقعة بل الوقائع بين ابناء العمومة فسالت الدماء علي أرض المدينة من الطرفين وحرارة الدم ولونه هي التي تشكل هذه العناصر التي تكون تربة صالحة لانبات العداوة والبغضاء. لقد نشأت الحروب بين الأوسيين والخزرجيين والتي استغرقت أكثر من مائة سنة قد سهرت علي اذكائها عيون اليهود وكانت تثار لأتفه الاسباب ولهذه الحروب الطويلة معالم وأسماء تميز كل واقعة من وقائعها والزمن الذي استغرقته فكانت وقائع وحروب منها حرب سمير وحرب كعب بن عمرو المازني ويوم السرارة ويوم فارع ويوم الفجار الأول والثاني وحرب الحصين بن الأسلت وحرب حاطب بن قيس ثم حرب بعاث. وما من واقعة من هذه الوقائع وما من حرب من هذه الحروب قد أثيرت بين الطرفين مستندة إلي سبب معقول يمكن أن يفسر هذه الكثرة من القتلي أو يمكن أن يفسر هذا الكم الهائل الذي استقر في القلوب من الإحن والعداوات.