المتأمل في المشهد السياسي في الشارع المصري يدرك أن الحالة التي وصلنا إليها الآن نتيجة طبيعية لاختلاط الأوراق والبحث عن زعامات وهمية وعدم وجود رؤية واضحة أو تشخيص حقيقي لما يدور في الشارع فقد اختلط الثائر الحقيقي الوطني المخلص الذي يريد لثورته أن تحقق أهدافها.. والبلطجي والمجرم الهارب من الأحكام والذي لا يريد أمناً ولا استقراراً ليظل حراً طليقاً يعيث في الأرض فساداً.. والمجرم الذي يبحث عن الزحام ليحرق ويدمر.. والمأجور الذي يزعم أنه ناشط بينما يقبض ثمن التخريب وثمن التصعيد وقطع الطرق وإغلاق المنشآت وتعطيل المواصلات باسم الثورة وباسم الحرية.. اختلطت الأوراق وتأزم المشهد لأن الثورة الحقيقية التي قامت ضد الفساد وأسقطت النظام قفز علي أكتافها كثيرون تحدث باسمها المغرض وصاحب الهوي والباحث عن زعامة وهمية.. والناقم وصاحب المصلحة الشخصية والباحث عن ضوء كاميرا. *** تأزم المشهد السياسي لأن البعض يعارض ويملأ الدنيا صياحاً أمام الكاميرات.. بينما لا يملك البديل عن النظام الذي يريد إسقاطه.. لا يملك رؤية ولا حلاً ولا مخرجاً لأي أزمة يعاني منها الشارع المصري.. وادعو بعض الذين يطلقون علي أنفسهم جبهة الانقاذ.. ماذا قدموا للمواطن البسيط وماذا يملكون لحل المشاكل والأزمات المعضلة التي يعاني منها المجتمع.. أين برنامج عملهم الذي يقنع الشارع بأنهم الأجدر والأحق والأولي بقيادة البلاد.. ولو كانوا حقاً يملكون شيئاً أو لديهم رؤية ومنظومة عمل للمرحلة القادمة فليعلنوا عنها وسوف يجدون الشعب خلفهم في الانتخابات البرلمانية القادمة.. أما دعوات المقاطعة والهروب.. فهي سلاح الضعيف الذي يدرك أنه في واد والشارع في واد آخر وأنه إذا دخل الانتخابات فلا قاعدة ولا رصيد لدي الشارع.. ومن الذكاء أن يقاطع ليظل بطلاً وهمياً قد تلهث خلفه الكاميرات أينما ذهب بطل في جبهة المعارضة وقد تحفظ المقاطعة ماء الوجه. *** قطعاً الشارع يدرك أن شيئاً لم يتحقق من المباديء الأساسية للثورة وفي مقدمتها العدالة الاجتماعية والحرية والمساواة وحقوق الإنسان.. وحتي الآن لم يشعر المواطن البسيط الذي يلهث وراء رغيف خبز آدمي دون جدوي.. أن هناك ثورة.. ولم يشعر العجوز المريض الذي تغلق المستشفيات الحكومية أبوابها في وجهه أن هناك ثورة.. ولم يشعر الشاب الذي أشعل شرارة الثورة والخريج الذي يجلس في بيته ويده علي خده أن هناك بارقة أمل أو فرصة عمل.. بل زاد طابور البطالة.. وأغلقت البلطجة والانفلات عشرات المصانع وعطلت مئات المصالح.. والفرصة الحقيقية للتغيير في برلمان ثوري ينتمي لمصر وشعبها الكادح قبل انتمائه لتيار سياسي أو فصيل ديني.. انها فرصة حقيقية في يد الشعب أن يغير بيديه ويختار من يمثله بحق تحت قبة البرلمان.. لكن الطامة الكبري أن أحداً من ممثلي الشعب الحقيقيين في ظل الانفلات والأزمات والبلطجة ليس جاهزاً لخوض هذه الانتخابات الذي لا أعتقد أنها سوف تختلف كثيراً عن تشكيل البرلمان المنحل الذي لم يقدم شيئاً للمواطن البسيط. قمة المأساة.. أن تتحول الحرية إلي كابوس.. والمعارضة إلي عدو.. والنقد إلي جريمة قمة المأساة.. ان أصحاب الأقنعة والوجوه الملونة هم المستفيدون والمتسلقون من كل العصور. قمة الضعف.. أن تركع لخصومك لاستمالتهم.. سوف تزداد ضعفاً ويزدادون صلابة. * قمة المأساة: أن نفكر في أنفسنا أكثر من تفكيرنا في الوطن.