بدم بارد وقلب متحجر. يجلس الرئيس الأمريكي باراك أوباما علي مكتبه الوثير في البيت الأبيض. ليوقع علي قائمة الاغتيالات الجديدة المقدمة من مدير مخابراته لعناصر يقال إنهم من المقاتلين المتشددين ومن ثم يعطي الضوء الأخضر لتتحرك الطائرات الأمريكية بدون طيار والتي يراها الساسة الأمريكيون علي أنها "هبة إلهية" في حربهم ضد الإرهاب في طريقها إلي الشخص المستهدف في باكستان أو أفغانستان والعراق أو غيرها من الدول التي استباحها الأمريكيون وبعد أن تحدد الطائرة الهدف بنفسها بناء علي معلومات وصور غذيت بها مسبقاً. يتم اتخاذ القرار بالقصف من قبل مراكز التحكم الأرضية عن طريق الأقمار الصناعية في واشنطن حيث تدار عمليات القتل عن بعد وتعرف هذه الطائرات باسم ال "درون" التي تعني "الزنانة" لأنها تصدر أزيزاً خفيفاً لكن الأمريكيين يسمونها ب "بريديتور" أي "الطائرة المفترسة" ويمكنها أن تبقي في الجو لأكثر من 24 ساعة. وتربط ال "بريديتور" بكاميرا استطلاعية. وكاميرا فيديو. تنقل الصورة بعد الهجوم مباشرة إلي البيت الأبيض. أو إلي ال "سي آي إيه" ويخرج بها مسئولو البيت الأبيض أو رجال المخابرات أمام وسائل الإعلام في زهو وغرور للإعلان عن نجاح عملية اغتيال متشددين مسلحين يهددون الأراضي والمصالح الأمريكية. ولكن الحقيقة الصادمة أنها تسببت في ازهاق أرواح الكثير من الأطفال الأبرياء والمدنيين والنساء بلا ذنب ولا جريرة فضلاً الإصابات والأضرار الجسيمة التي تخلفها. وهكذا تحولت علي يد أوباما من أداة لمحاربة الإرهاب كما تتشدق الإدارة الأمريكية إلي وسيلة للإرهاب وبث الرعب بين شعوب استبيحت أوطانها تحت دعاوي سياسية باطلة وتدخلات عسكرية تنشر الإرهاب وهي تزعم محاربته. والمتأمل لأوباما وسياسته سيجد أنه هو نفسه بوش ولكن بقناع الدهاء والمكر الذي خدع به الجميع. فقد استبدل أوباما الحاصل علي جائزة نوبل للسلام معتقل جوانتانامو الذي فتحه سلفه وعمليات التعذيب التي دارت به بالاغتيالات المستهدفة عن طريق الطائرات بدون طيار. فخلال ولايته الأولي أمر أوباما بتنفيذ أكثر من 360 ضربة بطائرات بدون طيار بينما لم يتجاوز عدد الضربات التي نفذت في عهد بوش ال 50 ضربة وذلك منذ بدء استخدام هذا النوع من الطائرات فيما يسمي الحرب علي الارهاب في عام 2004. تسببت في مقتل قرابة 5 آلاف شخص في باكستان واليمن والصومال وليبيا والعراق. وهناك قائمة طويلة من الضحايا في الصومال والعراق وغيرها من دول يصنف الإنسان فيها علي أنه رخيص الثمن وبلا قيمة ويجب التخلص منه حتي لا يجرؤ ولو علي التفكير في تهديد المصالح الأمريكية. وهو ما أكدته دراسة مشتركة بين جامعة ستانفورد وجامعة نيويورك في سبتمبر الماضي والتي أشارت إلي أن هجمات الطائرات استهدفت المدنيين وأنها من الناحية العملية غير فعالة حيث إن نسبة الأشخاص المستهدفين والمتشددين من اجمالي الضحايا الذين قتلوا في الهجمات لم تتجاوز 2%! وهو ما يجعلنا نقول إنه تحول من قتل مستهدف إلي إبادة جماعية. الاغتيالات المستهدفة التي تنفذها الولاياتالمتحدة بواسطة الطائرات بدون طيار تتم في منطقة رمادية حيث لا يوجد قانون أو مساءلة. وكالعادة يكون رد فعل المجتمع الأمريكي هادئاً ومنسجماً مع ما تسوقه إدارته من حجج ومبررات واهية عندما يكون الضحايا من الباكستانيين والأفغان أو العرب والمسلمين عامة.