كانت تونس حتي وقت قريب النموذج بين دول الربيع العربي في التحول نحو الديمقراطية لكن هذا النموذج بات مهددا الآن في ظل حالة الضبابية التي تعتري المشهد السياسي عقب مقتل القيادي المعارض شكري بلعيد بالعاصمة التونسية في اول اغتيال سياسي تشهده البلاد. واغتيل بلعيد المعارض المشاكس والقيادي بحزب الوطنيين الديمقراطيين واحد مؤسسي الجبهة الشعبية الاربعاء الماضي برصاصات استقرت في رأسه ورقبته ليبعث الصدمة والحزن في الشارع التونسي حيث خرجت مسيرات غاضبة للتنديد بعملية الاغتيال بينما عمدت حشود الي اقتحام وحرق مقرات لحركة النهضة الاسلامية التي تقود الائتلاف الحاكم. وعلي مدي يومين تجمهر الآلاف من الغاضبين امام مقر وزارة الداخلية بشارع الحبيب بورقيبة وطالبوا باستقالة الحكومة المؤقتة ورددوا شعار الثورة الشهير "ديقاج" "أرحل" متهمين الحكومة بالتراخي في تطبيق القانون وردع المليشيات والتغاضي عن العنف الديني علي الرغم من التحذيرات المتكررة. وفي مسعي لنزع فتيل الازمة التي تسببت في احتجاجات في الشوارع هي الاضخم منذ الثورة عام 2011 اقترح حمادي الجبالي رئيس مجلس الوزراء تشكيل حكومة كفاءات وطنية مصغرة لكن المقترح قوبل بالرفض من جانب الاحزاب الثلاثة المشاركة في الحكومة. صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الامريكية وصفت رد فعل الجبالي علي انه يعتبر تنازلا واضحا للمعارضة والتي طالبت طويلا بتعديل وزاري جديد للحكومة التي يهيمن عليها التيار الاسلامي. واضافت ان قتل شكري بلعيد العلماني والناقد الشرس لحزب النهضة الاسلامي المعتدل الحاكم في تونس يعتبر مؤشرا علي تصعيد العنف السياسي في البلاد ويثير الاتهامات بشأن اهمال الحكومة ان لم يكن هناك تواطؤ بشكل مباشر في عملية الاغتيال. كما انه عزز المخاوف من ان التحول الديمقراطي في تونس سيكون اكثر فوضوية مما كان مأمولا ويشير المحللون الي مستقبل التحول في تونس سيكون مرهونا بشكل كبير علي قدرة رغماء الاحزاب الرئيسية في التوصل الي صيغة توافقية لتشكيل حكومة انتقالية لتسيير أمور البلاد حتي اجراء الانتخابات. والا ستزداد الاضطرابات المدنية لتصل الي مستوي لاتستطيع معه الشرطة السيطرة عليها. وهو ما سيكون له تبعات اقتصادية خطيرة في بلد لم يضع بعد مسودة لدستور ما بعد الثورة ويعتمد بشدة علي السياحة. يذكر أنه خلال الاشهر القليلة الماضية ظهرت جماعات حماية الثورة وهي جماعات تقول انها تحارب الفساد وتسعي وراء فلول نظام بن علي غير ان زعماء المعارضة مثل بعايد قالوا ان تلك الجماعات اصبحت كتائب مسلحة يدعمها حزب النهضة للهجوم علي المعارضة. حيث شهد الاسبوع الماضي سلسلة من الهجمات ضد الاجتماعات والفعاليات التي تنظمها المعارضة بما في ذلك مسيرة نظمتها جبهة بلعايد الشعبية في شمالي تونس. من ابرز تلك الهجمات تعرض نقابيي الاتحاد العام التونسي للشغل في ديسمبر الماضي الي الضرب المبرح بينما كان النقابيون يحيون ذكري النقابي التاريخي ومؤسس المنظمة فرحات حشاد وهو ما تسبب في أزمة خطيرة بين حركة النهضة والاتحاد بعد ان اتهم الاخير الحزب الحاكم بتحريك ملشياته لضرب المؤسسة النقابية. واعلن اضرابا عاما تم التراجع عنه في آخر لحظة بعد مفاوضات مضنية مع الحكومة. وتقع تونس اليوم في مفترق طرق بينما يتعين علي النخبة السياسية الاختيار بين طريقين اما التوافق علي خارطة طريق سياسية للمرحلة المقبلة أو الاستقرار في مفاوضات حزبية غير مضمونة النتائج. وتعليقا علي المشهد التونسي قالت مجلة "ذي ايكونوميست" البريطانية في سياق تقرير لها ان اغتيال بلعيد رفع حرارة البلاد السياسية علي نحو دراماتيكي. وخفض من شعبية حزب النهضة مشيرة الي انه في حالة تمكن الجبالي ورفاقه من البقاء في مناصبهم فإنه يتعين عليهم التعجيل في دحض الشكوك حول تساهلهم مع المتطرفين. والا ستنزلق تونس. التي مثلت بادرة الامل الاولي للدول العربية. الي هوة الاضطراب. واختتمت الصحيفة تعليقها بالقول ان حادث الاغتيال قد تسبب في تأجيج المخاوف من تحول الصحوة العربية التي انطلقت من تونس قبل عامين الي كابوس مفزع.