أسعار الخضروات اليوم الجمعة 20-9-2024 في قنا    هشام يكن: الزمالك لديه القدرة على تخطي عقبة الشرطة الكيني بسهولة    مصطفى عسل يتأهل لنصف نهائي بطولة باريس المفتوحة للإسكواش 2024    عاجل - تحذيرات مهمة للمواطنين.. تفاصيل حالة الطقس اليوم في مصر    القبض على سائق «توك توك» دهس طالبًا بكورنيش المعصرة    سباق الموت.. مصرع شخص وإصابة آخر في حادث تصادم دراجتين بالفيوم    فلسطين.. ارتفاع عدد الشهداء إلى 7 جراء القصف الإسرائيلي لمنزل وسط مدينة غزة    عاجل| إسرائيل تواصل الضربات لتفكيك البنية التحتية والقدرات العسكرية ل حزب الله    الصومال:ضبط أسلحة وذخائر في عملية أمنية في مقديشو    رسميًا.. فتح تقليل الاغتراب 2024 لطلاب المرحلة الثالثة والدبلومات الفنية (رابط مفعل الآن)    عيار 21 يعود للارتفاعات القياسية.. أسعار الذهب تقفز 280 جنيها اليوم الجمعة بالصاغة    هل يتم تشفير الدوري؟ رد حاسم من رابطة الأندية    خزينة الأهلي تنتعش بأكثر من 3 ملايين دولار (تفاصيل)    كمال درويش: معهد الإحصاء ب «الفيفا» أعطى لقب نادي القرن للزمالك    سعر الدولار أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم الجمعة 20 سبتمبر 2024    رسميًا.. إعادة تشكيل مجلسي إدارة بنكي الأهلي ومصر لمدة 3 سنوات    بايدن: الحل الدبلوماسي للتصعيد بين إسرائيل وحزب الله "ممكن"    مصرع شاب دهسته سيارة مسرعة أمام مرور حلوان    بعد فيديو خالد تاج الدين.. عمرو مصطفى: مسامح الكل وهبدأ صفحة جديدة    عبد الباسط حمودة عن بداياته: «عبد المطلب» اشترالي هدوم.. و«عدوية» جرّأني على الغناء    «ابنك متقبل إنك ترقصي؟» ..دينا ترد بإجابة مفاجئة على معجبيها (فيديو)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 20-9-2024    أخبار × 24 ساعة.. رئيس الوزراء: لن نعود لقطع الكهرباء مرة أخرى    مصدر من كاف يكشف ل في الجول إمكانية تأجيل مجموعات دوري الأبطال والكونفدرالية    فلسطين تعلن قبول اعتذار الكويت ونقل مباراتهما إلى قطر    الإسماعيلي يعلن تشكيل لجنة فنية لاختيار المدرب الجديد    وزير الخارجية يواصل عقد لقاءات مع أعضاء الكونجرس    حسن نصر الله: "تعرضنا لضربة قاسية وغير مسبوقة".. ويهدد إسرائيل ب "حساب عسير" (التفاصيل الكاملة)    التفجير بواسطة رسائل إلكترونية.. تحقيقات أولية: أجهزة الاتصالات فُخخت خارج لبنان    بارنييه ينتهي من تشكيل الحكومة الفرنسية الجديدة    الأمن يوضح حقيقة فيديو سحب شرطي لتراخيص سيارة بدون وجه حق بالقليوبية    النيابة تصرح بدفن جثة ربة منزل سقطت من الطابق السابع في شبرا الخيمة    ضبط 5000 زجاجه عصائر ومياه غازية مقلدة بمصنع غير مرخص وتحرير 57 مخالفة تموين بالإسماعيلية    رئيس الوزراء يصدر قرارًا بإعادة تشكيل مجلس إدارة بنك مصر    الأوقاف تعلن خريطة افتتاح المساجد الجديدة اليوم الجمعة    نقيب الأشراف يكرم عددًا من الشخصيات خلال احتفالية المولد النبوي الشريف    رئيس مهرجان الغردقة يكشف تطورات حالة الموسيقار أحمد الجبالى الصحية    يا قمر، عمرو دياب يتألق بحفل الأهرامات وسط حضور كامل العدد (فيديو)    أول تعليق من أمير شاهين على فرح نجل شقيقه المثير للجدل| خاص بالفيديو    حدث بالفن| هشام ماجد يدعم طفلا مصابا بمرض نادر وأحدث ظهور ل محمد منير وشيرين    رمزي لينر ب"كاستنج": الفنان القادر على الارتجال هيعرف يطلع أساسيات الاسكريبت    محافظ القليوبية: لا يوجد طريق واحد يربط المحافظة داخليا    نقيب الأشراف: قراءة سيرة النبي وتطبيقها عمليا أصبح ضرورة في ظل ما نعيشه    حكاية بسكوت الحمص والدوم والأبحاث الجديدة لمواجهة أمراض الأطفال.. فيديو    وكيل صحة قنا يوجه بتوفير كل أوجه الدعم لمرضى الغسيل الكلوي في المستشفى العام    فيلم تسجيلي عن الدور الوطني لنقابة الأشراف خلال احتفالية المولد النبوي    البلشي: إطلاق موقع إلكتروني للمؤتمر العام السادس لنقابة الصحفيين    رئيس جامعة القناة يتفقد تجهيزات الكلية المصرية الصينية للعام الدراسي الجديد (صور)    أمين الفتوى: سرقة الكهرباء حرام شرعا وخيانة للأمانة    التحالف الوطني للعمل الأهلي يوقع مع 3 وزارات لإدارة مراكز تنمية الأسرة والطفولة    مرصد الأزهر يحذر من ظاهرة «التغني بالقرآن»: موجة مسيئة    مدبولي: الدولة شهدت انفراجة ليست بالقليلة في نوعيات كثيرة من الأدوية    كوكتيل مخدرات.. التحقيق مع 7 من أباطرة الكيف في بدر    بينها التمريض.. الحد الأدنى للقبول بالكليات والمعاهد لشهادة معاهد 2024    التغذية السليمة: أساس الصحة والعافية    فحص 794 مريضًا ضمن قافلة "بداية" بحي الكرامة بالعريش    من هن مرضعات النبي صلى الله عليه وسلم وإِخوته في الرَّضاع وحواضنه؟ الأزهر للفتوى يجيب    وزير التعليم العالي: لدينا 100 جامعة في مصر بفضل الدعم غير المحدود من القيادة السياسية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سبعة آلاف شمعة..في عيد ميلاد "أبولمعة" !!
نشر في الجمهورية يوم 23 - 12 - 2012

* كثيراً ما أميل إلي أن الشجرة التي أكل منها آدم عليه السلام وحواء هي شجرة المعرفة.. فقد بدت لهما سوءاتهما. فعرفا أنهما ارتكبا الخطأ. وشقيا بهذه المعرفة لأن المعرفة عذاب وشقاء.. وخصوصاً إذا كانت معرفة العاجز عن الفعل.. يعرف المنكر ويعجز عن تغييره.. يعرف الخطأ ولا يقدر علي تحويله إلي صواب.. يعرف "الفولة" ولا يصل إليها.. يعرف الغولة. ولا يستطيع أن يقول لها "عينك حمراء".. يعرف أنه ثور ولا يملك أن يمنع الناس من حلبه.. يعرف أن المرض ميئوس من شفائه. لكنه يقول للمريض: "أنت زي الحصان.. وحالتك جيدة جداً".. عشت هذا العذاب مرة.. كنت أعلم أنه مصاب بمرض لا شفاء منه.. وأنه علي حافة الموت.. كنت أعرف وهو لا يعرف.. كنت أتمزق وهو يقول لي: سأترقي بعد شهرين.. أريد أن أتزوج.. ابحث لي عن عروس.. ومات بعد شهرين. ولم أبحث له عن عروس.. كنت أعده بالبحث عن عروس.. وأعده بحفل كبير حال حصوله علي الترقية.. وعندما أتركه أظل أبكي وحدي حتي الصباح.. ما أشقَي مَن يعرف.. ما أتعس مَن يعلم. ولكنه لا يقدر.. وليس بيده حيلة.. ما أشد معاناة مَن يدعو قومه إلي النجاة. ويدعونه إلي النار.. ما أقسي وأشد وطأة علي النفس أن يقول المرء: رب لا أملك إلا نفسي.. حتي أخي لا أملكه. ولا أستطيع أن أحول بينه وبين الهاوية.. من يهدي من أضل اللَّه؟!.. الكثرة التي علي الباطل تجعلني أشك أحياناً في أنني علي الحق وعلي الصواب. "معقول.. كل المليونيات دي غلط. وأنا صح"؟!.. وأعود إلي رشدي وأقول: ولمَ لا؟!.. اللَّه عز وجل ذمَّ الكثرة. ومدح القلة غير مرة في القرآن الكريم.. "وإذا أراد أن يهلك قرية كثر مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرها اللَّه تدميرا".. والذين رحمهم اللَّه قلة.. "والسابقون السابقون ثُلة من الأولين. وقليل من الآخرين".. وما آمن مع نوح إلا قليل رغم أنه لبث في قومة ألف سنة إلا خمسين عاماً.. وظل طوال هذه المدة يدعو قومه ليلاً ونهاراً. ويعلن لهم ويسر لهم أسراراً. فلم يزدهم دعاؤه إلا فراراً.. ومكروا مكراً كباراً. وكلما دعاهم نوح ليغفر اللَّه لهم. جعلوا أصابعهم في آذانهم. واستغشوا ثيابهم. وأصروا واستكبروا استكباراً.. وأمثالنا لا يساوون شسع نعل نوح عليه السلام.. أمثالنا لم يعد أمامهم سوي الدعاء: "ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها".. إنه دعاء المستضعفين في الأرض.. "دعوة ولية ساعة مغربية".
كتبت في آخر الزمان.. عندما امتلأت الدنيا بالكُتَّاب. ولم يعد فيها قراء.. فالصحفيون الآن كُتَّاب يكتبون إلي كُتَّاب أمثالهم.. والصحافة في النزع الأخير.. الصحافة تجود بآخر أنفاسها.. والصحفيون تحولوا إلي مشاهدين للتليفزيون مثل كل الناس.. ويتحاورون فيما بينهم حول ما شاهدوه.. الصحفيون أصبحوا تابعين لا متبوعين.. ولم يعد الصحفي قائد رأي كما كان.. وكل المقالات التي تزدحم بها الصحف مجرد كتابات انطباعية وردود أفعال لا أفعال.. الصحفيون تحولوا إلي شعراء مدح. أو شعراء هجاء.. وأسهل كتابة أن تمدح وأن تقدح.. أو أن تكتب ليُقال إنك كاتب. ولديك مقال أسبوعي أو يومي عليه توقيعك وصورتك.. أسوأ ما يعانيه المصريون الآن أن أحداً لا يعرف قدر نفسه.. كل مصري الآن يري أنه مظلوم ولم يحصل علي حقه.. وأن ما يستحقه أكبر مما هو فيه.. مات الذين يعرفون أقدار أنفسهم فلا يبخسونها حقها ولا يعطونها أكثر مما تستحق.. مات الأخفياء الذين إذا حضروا لا تشعر بوجودهم. وإذا غابوا تفتقدهم وتسأل عنهم.
كل الناس في بلدي الآن أنبياء. ولا يوجد أقوام للأنبياء.. كل الناس في بلدي أساتذة. ولا يوجد أحد علي مقاعد التلاميذ.. كل الناس دُعاة. ولا يوجد مدعوون.. كل الناس يتكلمون. ولا يوجد سامعون.. كلنا مطربون. ولا يوجد "سميعة".. كلنا لاعبون وحكام. ولا يوجد في المدرجات جمهور.. والوفرة تؤدي إلي تدني السعر. والندرة ترفع الأسعار.. لذلك رخص الكُتَّاب والمحللون والدعاة والزعماء والحكام والعلماء والمفتون.. رخص الكلام والكتابة.. وفي الزحام تنتشر الرداءة وتعز الجودة.. كل شيء في الزحام يتم علي عجل "كله عايز يلحق".. لا وقت للروية وإعادة النظر.. وفي الزحام تكون الغلبة للأكثر قدرة علي الدعاية لنفسه ولبضاعته. لا للأكثر جودة وإتقاناً.. اللَّه تعالي لا يحبنا ولا يحب عملنا لأنه عز وجل يحب أن نتقن العمل ونحن أبعد ما نكون عن الإتقان.. الإتقان يعني أن أفقد دوري في طابور الكُتَّاب والمحللين. وأنا أريد أن أظهر بأي شكل حتي إذا قلت وكتبت كلاماً فارغاً.
زمان.. قال لي أستاذي في التاريخ وأنا في المرحلة الثانوية: إذا قلت ما يقوله الناس. فلا تقل شيئاً.. وإذا كتبت ما يمكن أن يكتبه أي عابر سبيل في الطريق العام. فمن الأفضل ألا تكتب.. إذا لم تستطع أن تبدع.. فدع.. وقال لي أستاذ اللغة العربية في نفس المرحلة: كُن من القلة دائماً. فإذا كثر المتكلمون. فكن من القلة الصامتة.. وإذا كثر الصامتون. فكن مع القلة المتكلمة.. والعرب تقول: إن لك أذنين ولساناً واحداً لتسمع ضعف ما تتكلم.. والقارئ خير من الكاتب. والسامع خير من القائل.. لأن الكاتب والقائل يبيعان. والسامع والقارئ يشتريان.. والمرء قد يأثم بالصمت مرة. لكنه يأثم بالكلام ألف مرة.. والناس يهوون في النار سبعين خريفاً بحصائد ألسنتهم. لا بحصائد آذانهم.. يهوون في النار بالكلام لا بالصمت.. والمرء يكذب وينافق متكلماً. ولا يكذب وينافق صامتاً.. والصمت يستر العورة العقلية. والكلام يكشفها.. ولو علم الناس خطر الكلام للاذوا جميعاً بالصمت.
****
* والناس لا يملون كثيرا الصمت. ولكنهم يملون الثرثار كثير الكلام.. والناس يخشون وعيد وتهديد الصموت. ولو كان وعيداً بالعين.. لكنهم يستخفون بوعيد وتهديد الثرثار لأنه في رأيهم "كداب زفة".. ومصر صار كذابو الزفة فيها أكثر من الهم علي القلب.. وعندما تكون الحرب كلامية لا فعلية فاعلم أنك في مجتمع كذابي الزفة.. ثورات لسانية.. وإنجازات هتافية.. وجبهات وأحزاب وائتلافات شعارية.. وحشود جرادية وذبابية.. وكل كثير رديء وضار. فالذباب أضعاف النحل.. والجراد والقمل والضفادع بالملايين.. والكلام كبير. والفعل تحت الصفر.. كلام يغلي وأفعال متجمدة ومثلجة.. ألسنة نارية.. وعقول جليدية.. بيانات عسكرية علي كل لسان عن ساعة الصفر والجهاد المقدس والثورة الإسلامية.. ألسنة مستقلة ذات سيادة.. وعقول محتلة.. ألسنة أحرار.. وقلوب وعقول عبيد أذلاء.. عزة كلام. وذُل أفعال.
لا إنجاز في وعد أو وعيد بمصر الآن.. المصري.. أي مصري الآن يمرق من وعده ووعيده كما يمرق السهم من الرمية والكنانة.. أرض الكنانة الفارغة.. إذ لم تعد هناك سهام في الكنانة.. الأفضل للحصيف ألا يصدق أحداً في مصر. وألا يراهن علي أحد.. إنه مجتمع العيال.. لا أحد يخجل من الرجوع في كلامه.. والتنصل من وعده.. والتبريرات دائماً ساذجة وخائبة.. نحن في مجتمع "المبرراتية".. نحن في مجتمع النفي.. نحن ننفي طوال الوقت. ولا نثبت شيئاً.. طوال الوقت نقول إن هذا الكلام عار تماماً من الصحة ولا أساس له.. وشعارات وشائعات مغرضة لإثارة البلبلة.. كل مصر الآن تحكمها "بُلْبُلَة".. والناس في بلدي يعرفون الحقيقة من نفيها لا من إثباتها.. ويرون أن كل ما يتم نفيه فهو حق وصدق.. وأن ما يتم إثباته كذب وكلام فارغ.
الناس في بلدي يسخرون من النفي كما يسخرون من الاستنكار والشجب والإدانة والرفض.. ويقولون إن الذي يرفض ويدين ويشجب خطأ. وهو قادر علي تصويبه كذاب.. ولو كان صادقاً لأزال الخطأ بلا رفض أو استنكار أو إدانة.. والذي يرفض ويستنكر خطأ لا يستطيع إزالته عاجز.. ولا خير في كذاب ولا خير في عاجز.. وعندما يعتدي عليك بلطجي مثلاً وتذهب إلي قسم الشرطة فيقول لك الضابط: إننا نستنكر وندين ونشجب الاعتداء عليك بأقسي العبارات. فاعلم أن الدولة سقطت. وأن الكلمة فيها للبلطجية تحت كل الرايات.. تحت راية الدين وتحت راية الحرية.. وتحت راية الديمقراطية.. وتحت راية الثورة.. وكل الرايات في مصر الآن كلمات وأعلام حق يُراد بها باطل.. فلا دين ولا حرية ولا ديمقراطية ولا ثورة.. وعندما يصدر القضاء أحكاماً وتخرج المظاهرات لرفضها فاعلم أن الدولة سقطت.. وعندما يحاصر البلطجية قسم شرطة أو محكمة دستورية أو حتي محكمة ابتدائية. فاعلم أن الدولة سقطت.. وعندما يتم تصنيف الموتي بالمزاج إلي فريق شهداء وفريق "كلاب وراحت" فاعلم أن الدولة سقطت.. وعندما يتسع الشرخ ويتسع الخرق علي الراتق. فاعلم أن الوطن نفسه سقط.. وسقوط الدولة يهون. وليس شيئاً أمام سقوط الوطن.
يا أصدقائي الكرام: ماجدة. والمهندس إسماعيل العوضي. وحمادة بدران أبودوح. وسعد نبيه صابر.. كل ما يدور حولكم من أحداث منذ ما يسمونها ثورة 25 يناير يؤكد سقوط الوطن.. والفرقاء في الوطن الساقط يتصارعون علي سلطة فوق أنقاض الوطن المنهار.. لا تصدقوا أكاذيب "الشعب العظيم. وأن مصر محروسة. وأن اللَّه يحميها. وأن الغد أفضل. وأن اقتصادنا يتعافي. وأن الاستقرار هو الحل. وأن الدستور هو اللي هيخللي العجلة تدور. وأن ما يحدث أمر طبيعي بعد كل ثورة".. لا تصدقوا أكذوبة أننا شعب اللَّه المختار. وأننا أبناء اللَّه وأحباؤه. ولن تمسنا النار في الدنيا أو الآخرة إلا أياماً معدودات.. فنحن بنو إسرائيل الأصليون. لذلك نردد نفس مقولاتهم النرجسية المقيتة.. ومصر هي الأعظم والأعرق. وشعبها هو الأعظم.. وكل الناس بهائم ومتخلفون "واحنا بس اللي نازلين من السماء".. كل هذه مخدرات نتعاطاها في كل عهد.. لذلك نستبعد الخطر. ولا نصدق أننا علي شفا جُرف هار.. وأننا نفاخر بأوهام اخترعناها وصدقناها.. وأصنام صنعناها وعبدناها.. لذلك يتقدم كل من حولنا ونتراجع.. لذلك بلغ غيرنا القمة ونحن نقبع في القاع.. لذلك يصدُق فينا قول الفرزدق في هجاء جرير:
إنَّا لنضرب رأس كل قبيلة .. وأبوكَ خلف آتانه يتقمل
****
* نحن نهرب من مواجهة أنفسنا.. ولو أفقنا من إسرائيلياتنا لاكتشفنا الفاجعة. وعرفنا أننا تحولنا إلي شعب "أبولمعة". وليسقط من كل عين "تندب فيها رصاصة" ألف دمعة.. إنها ليست سبعة آلاف سنة حضارة.. ولكنها سبعة آلاف شمعة في عيد ميلاد "أبولمعة".. لو واجهنا أنفسنا في لحظة صدق لاكتشفنا أننا تحولنا أو كنا دائماً في مجتمع البلطجية والفهلوية والمنافقين وكذابي الزفة.. مجتمع الْمُنَاكفة والثرثرة.. مجتمع محطة المطار السري.. المطار العسكري سري.. والكمساري في كل مرة ينادي: "حد نازل محطة المطار السري؟!".. وعندما ضربت إسرائيل المطار السري عام ..1967 وأصبح "كوم تراب" وزال من الوجود.. ظل المحصل ينادي نفس النداء سنوات طويلة: "اللي نازل محطة المطار السري يقرَّب علي الباب يا أفندية"!!
لا تصدقوا أن البلد الذي خَبُثَ يخرج نباته طيباً.. ونباتنا الخبيث هم نُخبتنا وقادة الرأي والنشطاء والقوي الثورية والسياسية التي لا تُرَي بالعين المجردة.. كل هؤلاء نبت خبيث لأن التربة خبيثة.. لا خير في متدين ولا علماني ولا ليبرالي.. هناك فقط مناهج مختلفة للسوء وأساليب مختلة للشر.. وعندما نجد السماء عندنا تمطر نشطاءً وثواراً. وساسة وحزبيين وجماعات وأولاد "أبولمعة" نقع في حيرة "عم بركات".. عندما اشتري كيلو من اللحم وطهاه. ومنَّي نفسه بوجبة هنيئة فإذا بقطته تهجم علي اللحم وتأكله كله.. فاغتاظ عم بركات وأمسك بالقطة وأحضر الميزان ووزنها "فطلعت القطة كيلو.. فقال بركات محتاراً: آدي اللحمة.. فين القطة؟!.. وآدي القطة.. فين اللحمة؟!..".. وهذا ما نقوله الآن في مصر.. إذا كانت هذه هي الأحزاب والائتلافات والحركات والجماعات والنشطاء.. "طب فين الشعب؟!..".. وإذا كان كل هؤلاء هم الشعب.. "طب فين النخبة والقادة والساسة؟!..".. وإذا كان كل هؤلاء كُتَّاب فأين القراء؟!.. وإذا كان كل هؤلاء متكلمين ومحللين. فأين السامعون؟!.. زمان كنا نذكر حادثاً سيئاً ونقول: "بعيد عن السامعين".. الآن لا يوجد سامعون.. "كلنا قوالون باللام أو بالدال ما تفرقش"!!!... والناس يزنون بعيونهم ويزنون بألسنتهم.. والألسنة في مصر "عايزة قطعها".. لأنها فَجَّة. ووقحة. ومغرقة في سفالة القول.. نفس منهج بني إسرائيل أجدادنا.. نلوي ألسنتنا بالكتاب ليحسبه الناس من الكتاب. وما هو من الكتاب.. نتفاوض حول البقرة ولونها وما هي حتي نشتريها بوزنها ذهباً.. كل فريق يدور ويلف حول دجال يعتبره نبياً ويقول له: اجعل لنا إلهاً كما للفرق الأخري آلهة.. كل فريق في مصر له السامري الخاص به ولديه العجل الذي يظل عليه عاكفاً انتظاراً لموسي.. وموسي لن يأتي أبداً!!.. والخير لا يلد في مصر.. الخير عقيم.. لكن الشر ولاَّد.. والسامري أنجب الملايين.. وفي كل عهد لنا ألف سامري يخترع لنا عجلاً جسداً له خوار.. وورث أحفاد السامري منه قوله في كل العهود: "لا مساس".. لا مساس بالدعم.. لا مساس بمحدودي الدخل.. لا مساس بأسعار السلع الأساسية.. لا مساس بمجانية التعليم.. لا مساس بمكتسبات العمال.. لا مساس بحقوق الإنسان.. لا مساس بذَّرة رمل واحدة من تراب الوطن.. "وإن قلنا لأ. لأ.. يعني نعمى".. فلا مساس تعني منتهي المساس.. لأن السامري وأحفاده وذريته لهم في الحياة أن يقولوا "لا مساس".. هي أغنية توارثها أحفاد السامري عبر الأجيال.. إنه النشيد الوطني منذ سبعة آلاف سنة.. نشيد لا مساس.. وفي كل شبر من أرضنا سامري يقول "لا مساس".. تتعدد الأسماء والسامري واحد.. والسامري الآن هو "أبولمعة" و"أبورجل مسلوخة".. ومع نهاية العام وبداية عام جديد.. نحضَّر التورتة. ونطفئ سبعة آلاف شمعة في عيد ميلاد "أبولمعة"!!!
نظرة
* الخلل الكبير الذي لا خلل بعده أن يكبر الصغار ويفقدوا طفولتهم. وأن يصغر الكبار. ويفقدوا وقارهم.. وهذا ما يحدث في مصر.. عندنا "يعملوها الكبار. ويُقَع فيها الصغار".. نحن السبب في تصدير القلق والأرق والاكتئاب لأطفالنا.. المشهد الحزين غزا قلوب الأطفال.. لا نستطيع أن نعزلهم ونبعدهم عن نارنا.. أسوأ ما نراه الآن. وما يُدْمِي القلب هو اكتئاب الأطفال.. حفيدتي "لؤلؤة" أصابها ما أصاب أخاها وغيره من الأبرياء.. سمعتها تقول: "أنا عايزة أمشي من البلد دي.. الشوارع اتملت مظاهرات. والبيوت اتملت فيران".. ولا أدري كيف أوتيت هذه الطفلة ذات السابعة القدرة علي الربط العبقري بين مليونيات البشر. ومليونيات الفئران؟!.. أما صديقي فإن ابنه الذي لم يتجاوز السادسة له شأن آخر.. ففي كل يوم يردد هتافه الأثير: "يا شهيد نام وارتاح. واحنا نكمل التفاح".. ومصر صارت مثل سيارة ميكروباص "خربانة". لها ألف سائق.. كل منهم يصارع الآخر لفرض طريقته في القيادة.. والسيارة ترجع للخلف. ويظنونها تسير للأمام.. تذكرت السائق الأرعن الذي كان يقود بنا الميكروباص ويصطدم بالأرصفة. وينحرف يميناً وشمالاً.. وكل دقيقة يخرج رأسه من نافذة السيارة ليسب سائقين آخرين: "يا حمار.. يا تور.. يا جاموسة".. كل الركاب كانوا يعرفون أنه هو الحمار. لكن لا أحد يستطيع الكلام.. وعندما فاض بي الكيل قلت له: "معلش يا أسطي.. استحمل الحمار اللي ورا. اللي قدامك.. والحمار اللي قدام اللي وراك.. فقال: عندك حق واللَّه.. هم الاتنين حمير فعلاً.. ربنا يصبرنا علي الحمير.. "وعدت علي خير"!!!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.