مفصول من التيجانية، الأجهزة الأمنية تكشف مفاجآت مثيرة في اتهام سيدة لصلاح التيجاني بالتحرش    قبل بدء الدراسة.. العودة لنظام كراسة الحصة والواجب في نظام التعليم الجديد    بعد القبض عليه.. تفاصيل القصة الكاملة لصلاح التيجاني المتهم بالتحرش    ارتفاع جنوني.. تعرف على سعر طن الأسمدة بالسوق السوداء    لافروف: روسيا قادرة على الدفاع عن مصالحها عسكريا    مصرع وإصابة 3 أشخاص في انقلاب سيارة بسوهاج    مفصول من الطريقة التيجانية.. تفاصيل جديد بشأن القبض على صلاح التيجاني    الداخلية: فيديو حمل مواطنين عصى بقنا قديم    أحمد فتحي: أنا سبب شعبية هشام ماجد (فيديو)    الطريقة العلاوية الشاذلية تحتفل بالمولد النبوي الشريف في شمال سيناء.. فيديو    رانيا فريد شوقي عن بطالة بعض الفنانين وجلوسهم دون عمل: «ربنا العالم بحالهم»    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على صعود    وزير الاقتصاد الألماني يدعو إلى عقد قمة للسيارات    عيار 21 يرتفع الآن لأعلى سعر.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة بعد الزيادة الكبيرة    عاجل - قبل بدء الدراسة بساعات.. أبرز ملامح العام الدراسي الجديد 2025 وقرارات وزارة التعليم    مواعيد قطارات الصعيد 2024.. تفاصيل محدثة لخطوط السكة الحديد "القاهرة - أسوان"    هجمات روسية بالمسيرات تستهدف محطات الطاقة الفرعية بأنحاء متفرقة في أوكرانيا    ترامب: ينبغي أن تهزم كمالا هاريس لأن فوزها سيضر بإسرائيل    حلمي طولان يكشف كواليس فشل تدريب الإسماعيلي    أفضل أدعية الفجر يوم الجمعة.. فضل الدعاء وعبارات مُستجابة    عبد الباسط حمودة: أبويا كان مداح وكنت باخد ربع جنيه في الفرح (فيديو)    صلاح سليمان: المرحلة الحالية مرحلة تكاتف للتركيز على مباراة السوبر الأفريقي    48 ساعة قاسية.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم الجمعة (ذروة ارتفاع درجات الحرارة)    عاجل.. موعد توقيع ميكالي عقود تدريب منتخب مصر للشباب    وزير الأوقاف ينشد في حب الرسول خلال احتفال "الأشراف" بالمولد النبوي    أسعار الخضروات اليوم الجمعة 20-9-2024 في قنا    ليس كأس مصر فقط.. قرار محتمل من الأهلي بالاعتذار عن بطولة أخرى    مصطفى عسل يتأهل لنصف نهائي بطولة باريس المفتوحة للإسكواش 2024    القبض على سائق «توك توك» دهس طالبًا بكورنيش المعصرة    "الآن أدرك سبب معاناة النادي".. حلمي طولان يكشف كواليس مفاوضاته مع الإسماعيلي    ملف مصراوي.. جائزة جديدة لصلاح.. عودة فتوح.. تطورات حالة المولد    توقعات الفلك وحظك اليوم.. برج الحوت الجمعة 20 سبتمبر    تعرف على قرعة سيدات اليد فى بطولة أفريقيا    شهيد ومصابون في قصف إسرائيلي على بيت لاهيا    اليوم.. الأوقاف تفتتح 26 مسجداً بالمحافظات    بايدن: الحل الدبلوماسي للتصعيد بين إسرائيل وحزب الله "ممكن"    عاجل| إسرائيل تواصل الضربات لتفكيك البنية التحتية والقدرات العسكرية ل حزب الله    الصومال:ضبط أسلحة وذخائر في عملية أمنية في مقديشو    بعد فيديو خالد تاج الدين.. عمرو مصطفى: مسامح الكل وهبدأ صفحة جديدة    عبد الباسط حمودة عن بداياته: «عبد المطلب» اشترالي هدوم.. و«عدوية» جرّأني على الغناء    «ابنك متقبل إنك ترقصي؟» ..دينا ترد بإجابة مفاجئة على معجبيها (فيديو)    سعر الدولار أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم الجمعة 20 سبتمبر 2024    رسميًا.. إعادة تشكيل مجلسي إدارة بنكي الأهلي ومصر لمدة 3 سنوات    رسميًا.. فتح تقليل الاغتراب 2024 لطلاب المرحلة الثالثة والدبلومات الفنية (رابط مفعل الآن)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 20-9-2024    رمزي لينر ب"كاستنج": الفنان القادر على الارتجال هيعرف يطلع أساسيات الاسكريبت    بارنييه ينتهي من تشكيل الحكومة الفرنسية الجديدة    محافظ القليوبية: لا يوجد طريق واحد يربط المحافظة داخليا    النيابة تصرح بدفن جثة ربة منزل سقطت من الطابق السابع في شبرا الخيمة    رئيس مهرجان الغردقة يكشف تطورات حالة الموسيقار أحمد الجبالى الصحية    نقيب الأشراف: قراءة سيرة النبي وتطبيقها عمليا أصبح ضرورة في ظل ما نعيشه    حكاية بسكوت الحمص والدوم والأبحاث الجديدة لمواجهة أمراض الأطفال.. فيديو    وكيل صحة قنا يوجه بتوفير كل أوجه الدعم لمرضى الغسيل الكلوي في المستشفى العام    رئيس جامعة القناة يتفقد تجهيزات الكلية المصرية الصينية للعام الدراسي الجديد (صور)    البلشي: إطلاق موقع إلكتروني للمؤتمر العام السادس لنقابة الصحفيين    مدبولي: الدولة شهدت انفراجة ليست بالقليلة في نوعيات كثيرة من الأدوية    التغذية السليمة: أساس الصحة والعافية    فحص 794 مريضًا ضمن قافلة "بداية" بحي الكرامة بالعريش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"رايح أجيب..الديب"!!
نشر في الجمهورية يوم 13 - 12 - 2012

التضخم في الاقتصاد يعني في أبسط تعريف له أن الفلوس كثيرة جداً لكنها لا تستطيع أن تشتري شيئا ذا بال أو ذا قيمة.. يعني المرتب الذي يبلغ ثلاثة آلاف جنيه يساوي "بذلة" واحدة أو ربما "جزمة".. والتضخم بهذا التعريف البسيط ينسحب أيضا علي السياسة وعلي كل مجال.. هناك وفرة فيما لا حاجة له ولا طلب عليه وهناك ندرة وقحط فيما يطلبه الناس ويحتاجون إليه.. وفرة في الكلام وندرة وقحط في الفعل.. وفرة في النظريات وندرة وقحط في التطبيق.. العرض عشرة أضعاف الطلب فيما لا نحتاج إليه.. والطلب مائة ضعف العرض فيما نحتاج إليه.. والفعل هو الغطاء الذهبي للقول.. تماما مثل الغطاء الذهبي للعملة.. ونحن نتكلم كما نطبع البنكنوت بلا غطاء ذهبي.. فكلامنا مثل عملتنا لا يساوي ثمن الورق الذي يكتب عليه.. الورق الذي نكتب عليه أغلي وأعلي قيمة من كلامنا.. نحن نسحب الكلام علي المكشوف بلا غطاء من فعل. والأدهي ان كلامنا الذي بلا غطاء من فعل مزيف مثل العملة.. ومصر مثل عملتها الآن تم تعويمها وتركت في الميادين بلا غطاء.. حسب العرض والطلب.. حسب الحشد والمليونيات "اللي يحشد أكثر تبقي مصر بتاعته".. والحشود والمليونيات مثل العملة مزيفة وغير حقيقية.. وليس لها غطاء من حق أو صدق.. كثيرة ولكنها لا تشتري شيئا مثل فلوسنا.. الفلوس في التضخم الاقتصادي أرخص سلعة.. والكلام في التضخم السياسي أرخص سلعة.
ومن مظاهر الخلل والتضخم في مصر ان كتابها عشرة أضعاف قرائها.. وأن إعلامييها ومحلليها عشرة أضعاف المشاهدين.. وان المتكلمين مائة ضعف السامعين.. وأن الحكام مائة ضعف المحكومين.. وأن الزعماء مائة ضعف الشعب.. وان كل المصريين الآن قضاة يحاكمون بعضهم ولا يوجد في القفص متهمون.. وكل المصريين الآن أساتذة ولا يوجد تلاميذ.. وكل المصريين الآن علماء وفقهاء ولا يوجد متعلمون.. وكل المصريين لديهم اجابات ولا أحد لديه أسئلة..
مصر فيها معلومات ملقاة علي قارعة الطريق ولكن لا توجد فيها حقائق.. مصر فيها مليون جهينة ولا يوجد فيها خبر يقين.. وغياب اليقين هو مشكلتنا الكبري الآن.. كل شيء وكل شخص في مصر مشكوك فيه.. لأن الناس في بلدي يقولون ما لا يفعلون.. يقولون في العلن ويفعلون عكس ما يقولون في السر.. ملائكة ألسنة وشياطين قلوب.. المصريون الآن شلة نصابين في دنيا السياسة والإعلام والقانون والدين.. لكنهم نصابون في غاية "العبط" يسهل علي من عنده ذرة عقل اكتشاف نصبهم.. والمشكلة أن المنصوب عليهم أكثر بلاهة من النصابين لأن رزق "الهبل علي المجانين" في بلدي.
والكثرة في الطعام وفي كل شيء تسد النفس.. عندي مشكلة في الكثرة.. فإذا كنت ميتاً من الجوع ووضعت أمامي أكواما من الطعام وأطباقا ممتلئة فإنني أفقد شهيتي فورا.. وإذا كان الطعام أمامي قليلا ومجرد عينات فإنني أتناوله بشهية.. عندي مشكلة مزمنة مع الكثرة.. الكثير عندي مرتبط بالرداءة وعدم الجودة.. والقليل عندي جيد وذو قيمة.. وعندما تكون الأمور مستقيمة يكون هناك تناسب طردي بين القيمة والثمن.. يزيد الثمن بزيادة القيمة.. لكن الأمور مختلة في مصر لذلك تجد تناسباً عكسياً بين القيمة والثمن فأردأ الأشياء أغلاها ثمنا.. وأكثر الناس نجومية أقلهم قيمة.. وأهل القمة يستحقون القاع .. والعملة الرديئة تطرد الجيدة.. وأكثر الناس قدرة علي النصب والاحتيال هم الفائزون.. والكلام كثير ولكن بلا قيمة.. سواء كان كلاما مكتوبا أو منطوقا.. والمصريون كلهم مثل المعيدي الذي تسمع به خير من أن تراه.
وأسهل الكلام الآن هو الكلام عن المشهد العبثي في مصر.. وعندما تقرأ أطنان المقالات وتتابع أحمال التحليلات فإنك لا تخرج بجديد.. فما أقوله أنا من خلال مقال طويل عريض يقوله سائق التوك توك والزبال ورواد الغرز والمقاهي وأطفال الشوارع والباعة الجائلون والنشالون والبلطجية وخطباء المنابر وفقهاء القانون والدستور والناشط والناشطة "والوش العكر".. وقد تراجعت كرة القدم لصالح السياسة.. والناس يتحدثون في السياسة والدستور كما كانوا يتحدثون في كرة القدم.. هناك من يري أن الدستور هدف صحيح مائة في المائة.. وهناك من يري أن الجمعية التأسيسية سجلت هدف الدستور من تسلل واضح.. لكن الحكم احتسبه وأن المباراة ستنتهي بفوز غير مستحق لفريق ضد فريق آخر.. وكل منا يري الأمر كما يريد هو لا علي أساس الحق.. والمليونيات المزيفة تشبه حشود جماهير كرة القدم أثناء وبعد المباريات.. مليونية ترفض نتيجة المباراة ومليونية أخري ترقص فرحا بالنتيجة.. وكل مليونية تتهم الأخري بإفساد المباراة.. والتحليلات السياسية مثل التحليلات الرياضية تستمر بالساعات بلا جدوي ولا حسم.. إيقاف الصورة.. وبداية الهجمة.. وتتبع موقف اللاعب الذي سجل الهدف.. وبعد كل هذا الصداع لا يصل المحللون إلي نتيجة.. فمنهم من يري أن الدستور تسلل ومنهم من يري انه صحيح مائة في المائة.. والألوان والأهواء والأمزجة هي التي لها الكلمة العليا.. هذا زملكاوي وهذا أهلاوي.. هذا إخواني وهذا سلفي وهذا ليبرالي.. فالكتابات ملونة وملوثة بالغرض.. والأقوال أيضا ملونة وملوثة بالهوي.. والحصيف من تسلح بالشك في كل ما يقرأ وما يسمع.
****
نحن نعرف كثيرا ولكننا لا نعلم شيئا.. والمعرفة ليست علما.. فلا فضل لأحد علي أحد في المعرفة.. المعرفة هي معرفة الأجزاء لكن العلم متعلق بالكليات.. الكتابة مثلا كتابة معرفة وليست كتابة علم.. لذلك تري المقالات كلها وصفية.. مجرد وصف للمشهد يعرفه الجميع.. لكن أحدا لا يكتب عن دلالات المشهد ولا يربط بين أجزائه ووقائعه.. المعرفة كثيرة والعلم قليل.. والمعرفة فطرية حسية تدرك بالحواس الخمس.. لكن العلم مكتسب وعقلي وقلبي.. ولا فرق بين الإنسان والحيوان في المعرفة لكن الفرق بينهما أن الإنسان يكتسب علما والحيوان لا يكتسب علما.. والله تعالي يقول في محكم آياته: "والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا".. ولم يقل: لا تعرفون شيئا لأن الإنسان يولد مزودا بمعارف مثل الرضاعة وغيرها..
ولأن الناس يعرفون ولا يعلمون فإن المسرحية الهزلية المصرية ستستمر بلا نهاية حتي يسقط الوطن كله.. وستتواصل الجعجعة بلا أي طحن.. وستستمر الجنازة حارة من أجل كلب ميت.. والذين يعرفون ولا يعلمون يكثر بينهم الجدل بلا عمل.. وتأخذهم العزة بالإثم.. ويدافعون عن أكاذيبهم وترهاتهم.. ومن المستحيل أن تقنع أحدا بأنه علي خطأ.. وستجد نفسك في مشهد مغرق في العبث.. ويتحول حوار السياسة إلي حوار في كرة القدم لا نهاية له ولا طائل منه.. فالذي خسر يري أن الحكم المتحيز وغير العادل هو السبب وأنه لعب أفضل.. والذي فاز يقول: "المهم النتيجة ومش مهم اللعب".. والفوز في السياسة مثل الفوز في كرة القدم ليس عريضا ولا صريحا "يدوبك هو هدف واحد" لذلك يحتدم الجدال حوله.. ولو كان الفوز عريضا وصريحا بأربعة أهداف نظيفة أو أكثر ما احتاج الأمر إلي الجدال ولأصبح محسوما.. والسياسة عندنا مثل كرة القدم.. فوز علي "الحركرك" لذلك يحتدم الجدال حول التسلل والتزوير والتزييف وتحيز الحكام.
لا يوجد في مصر يقين ولا يوجد فيها أمر محسوم.. حتي الدستور أو مشروع الدستور تجد فيه كثيرا من المواد المفتوحة والمائعة والقابلة للتأويل والتفسير.. وتجد الدستور الذي هو أبو القوانين خاضعا للقانون.. ففي معظم المواد لا تكاد تعرف هل هذا دستور أم هو قانون.. وكل المواد تقريبا في نهايتها عبارة "طبقا لما ينظمه القانون أو في حدود القانون.." فالقانون في الدستور هو السيد وليس الدستور هو سيد القانون.. وهناك مواد كثيرة تستعصي علي الفهم.. ومنها ما يثير السخرية والضحك مثل تفسير معني مبادئ الشريعة.. ومثل النص علي حق الطفل عند ميلاده في اسم جيد.. ولست أدري معني هذا النص.. وما هي الأسماء المخالفة للدستور وما هي العقوبة التي تقع علي الوالدين في حالة اختيار اسم مخالف للدستور لطفلهما؟
ومشروع الدستور في معظمه يكاد يكون غير قابل للتطبيق لأن تطبيق كثير من المواد يحتاج إلي مليارات الجنيهات.. مثل توفير سجون صحية وآدمية.. وحق المصريين في بيئة نظيفة.. تشعر وأنت تقرأ الدستور بأنه منتج للقراءة فقط وليس قابلا للتطبيق علي الأرض.. تشعر بأنه مجرد قصيدة شعر رومانسية في وصف امرأة لا وجود لها علي الأرض.. تشعر بأنه خطبة عصماء أو نشيد وطني لا علاقة له بالواقع.
وعموما.. نحن اعتدنا في مصر علي إصدار قوانين ودساتير لنخالفها ونلتف عليها.. اعتدنا أن نخترع شعارات ولا يعنينا المضمون.. نتعب ونرهق أنفسنا في الديباجة والصياغة والنظرية ولا يعنينا التطبيق.. وقوانيننا في العادة مليئة "بالخروم" والثقوب ومطاطة وقابلة لآلاف التأويلات والتفسيرات.. ولم يحدث التقاء بين القول والعمل في مصر فخطب الحكام والمسئولين ونصوص الدساتير والقوانين ومحاضر الاجتماعات والمجالس تتحدث عن فضائل وقيم ومثاليات لا وجود لها في الواقع.. وهناك عشرات بل مئات اللجان والجمعيات التأسيسية والمجالس التي تشعر بأنها "حتجيب الديب من ديله.. وفي الآخر ترجع وتقول ما لقيتلوش ديل".. ويكون العيب في الذئب قليل الذيل أو عديم الذيل.. المصريون الآن "كدابين زفة".. لا فرق بين حكومة ومعارضة.. وبين ليبرالي وإسلامي.. المصريون الليبراليون يعلنون النضال والمصريون الإسلاميون يعلنون الجهاد المقدس.. وهم يناضلون ويجاهدون ضد بعضهم.. المصريون الآن كلهم "رايحين يجيبوا الديب من ديله.. ثم يقولون: ليس للذئب ذيل".. المصريون يتعاركون علي عظمة نخرة.. وعلي لقمة ملوثة.. المصريون يحطمون أثاث البيت كله من أجل قتل فأر.. "وفي الآخر".. يهرب الفأر وينجو ولا يبقي سوي خراب البيت.
****
ومن أراد النجاة فليخالف الكثرة في مصر.. إذا شرَّق الناس فغرَّب.. وإذا تيمنوا فأشمل.. وإذا وافقوا فارفض وإذا رفضوا فوافق.. وإذا كثر مؤيدوك فاعلم أنك علي الباطل وإذا قلوا فاعلم أنك علي الحق.. وإذا أركبك المصريون فانزل وإذا أنزلوك فاركب.. وإذا أقبلوا فأدبر وإذا أدبروا فأقبل "شوف الناس رايحين فين وامشي عكسهم".. لاتزال تطلع علي خائنة منهم إلا قليل منهم.. البركة في القليل وغثاء السيل في الكثير.. لا تعجبكم كثرتكم فإنها لن تغني عنكم من الله شيئا.. فالناس في بلدي إمعات مع كل ناعق وناهق أو مع كل دافع.. "غُم عليهم".. الرؤية في بلدي ضبابية وغائمة والسحابة السوداء تغطي كل سماء.. سماء السياسة.. وسماء المعارضة وسماء الحكومة.. لا يوجد يقين ولا توجد حقائق.. لا تعويل ولا ثقة بالميدان ولا بالقصر ولا بالمحكمة.. واليقين الوحيد عندنا في القبر.. هناك عشوائية في كل شيء.. في القوانين والسياسة والبناء والقرارات.. نرفع الضرائب والأسعار بالنهار ونلغي القرار بالليل.. العشوائية تحكم كل شيء في بلدي.. أو في ذلك الذي كان وطني.. مصر علي رمال متحركة أو كما قال كعب بن زهير:
فما تقوم علي حال تكون بها.. كما تلون في أثوابها الغول.
جديد مصر يومي ولكنه جديد ليس سعيدا.. بل هو دائما جديد حزين ومقرف.. "مصر اتجننت".. لم تعد لها أي سيطرة علي تصرفاتها.. مليونيات لا إرادية.. اعتصامات لا إرادية.. دستور لا إرادي.. جمعية تأسيسية لا إرادية.. والناس يساقون كالقطيع ولا يعرفون إلي أين ولا لماذا "ولا آخرتها إيه".. مصر الآن رهينة باسم الثورة وحرية التعبير والديمقراطية.. مصر أسيرة ولا يريدون فك أسرها.. وأنت لا تعرف "تكلم مين لما تحب تخاطب شعب مصر".. أيبك مات وأقطاي مات وشجرة الدر ماتت.. والحقيقة ماتت.
الناس في مصر يعرفون ذلك كله لكنهم مغيبون عن الوعي "حد شربهم حاجة صفرا" فصاروا تحت سيطرته يأمرهم ويعدهم ويمنيهم وما يعدهم إلا غرورا.. والوضع عندنا بلغ حالة الغازية بعد أن كان في مرحلة السيولة.. لا شيء في مصر بقي علي صلابته.. لا الأفكار ولا المبادئ ولا الناس ولا الثورة التي تبخرت تماما.. نعيش حالة من عدم اليقين نلجأ في تفسيرها دائما إلي نظرية خائبة ومملة.. هي نظرية المؤامرة.. والتفسير التآمري هو التفسير الأسهل "اللي يريح الدماغ".. فالمصريون في الحكم والمعارضة يتبادلون اتهام بعضهم بالتآمر.. ويتحدثون عن مخطط ومحاولات انقلابية.. وإعادة النظام السابق.. وهذه كلها اسطوانات قديمة ومملة لم تعد تنطلي علي أحد.. كل العهود في مصر تحدثت عن مؤامرات ضدها.. وعن تمويل خارجي وعن أيد خفية تعبث بأمن الوطن.. لأن أمن الوطن في نظرنا هو أمن النظام مهما كان اسم وطبيعة النظام.. هناك دائما ربط سخيف بين الوطن والنظام.. وبين أمن الوطن وأمن النظام.. وأي تحرك ولو كان بريئا يعتبر تآمراً علي أمن الوطن.. والحقيقة أن مصر علي مر تاريخها ليس فيها خونة ولا عملاء ولكن فيها أغبياء وبلهاء يسمحون باستخدامهم كعصي لضرب أمن الوطن.. المصريون يقدمون لعدوهم ببلاهتهم أضعاف ما يريد بل يفاجئونه بأن يعطوه ما لم يكن يحلم به.. وكل العهود في مصر تعيد انتاج البلاهة "والعبط" والغباء.. وتقدم نفس الخطاب.. هناك حالة تحجر في الفكر المصري.. وهناك نمو عقلي متوقف تماما.. بينما الدنيا كلها تجاوزتنا بعشرات السنوات الضوئية.. ليس في مصر حراك ولا وعي ولا تغير ولكننا نسير داخل أحذيتنا.. وسيظل وعدنا لكل الأجيال هو أن كل عهد جديد "رايح يجيب الديب من ديله.." وفي النهاية يعتذر بأنه لم يجد للذئب ذيلا.. واتركوني الآن يا أصدقائي سعد نبيه صابر من دمياط والسيد أبو حمودة من طلخا والمهندس إسماعيل العوضي وحمادة بدران أبو دوح.. من الأقصر وعلي.. اتركوني أذهب إلي حال سبيلي فأنا "رايح أجيب الديب"!!
نظرة
ربما تكون بطلا إذا قتلت خصمك.. لكن بالتأكيد أنت نذل وجبان إذا مثلت بجثته أو ركلته بقدمك وهو ميت.. مصر لم يعد فيها فرسان ولا نبلاء ولا فضلاء.. وكل ما تراه حولك من اللحي والجلابيب القصيرة وربطات العنق الأنيقة.. ليس سوي مظاهر تدين واستنارة خادعة تخفي قلوبا مظلمة وعقولا مغلقة.. كل الذين حولك يمارسون التمثيل بجثث أناس لم يشاركوا في قتلهم وفرسان لم يكن لهم فضل اسقاطهم.. مصر طول عمرها تحاكم الماضي.. طول عمرها بلا حاضر ولا مستقبل.. مسجونة في الماضي.. وكل عهد يأتي يري غيره بائداً وغابرا وهو العهد الزاهر.. وكل نظام يأتي يتحدث عن مخطط ومؤامرة لإسقاطه والانقلاب عليه.. والموضة دائما هي المخطط.. ولا يوجد منقط أبداً.. الموضة دائما هي المخطط بالطول والعرض.. هناك دائما حمار وحشي مخطط يتآمر علينا.. حمار مخطط يتآمر علي حمار حصاوي.. لذلك يسألونك دائماً "هو انت من أي فصيل أو فصيلة؟" !!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.