* بعيدا عن أزمات الدستور التي لا تنتهي. وما يثار حول نصوصه من خلافات لا تقتصر علي صراع الاستحواذ أو الهيمنة ومحاولة تفصيل الدستور علي مقاس البعض وليس علي مقاس مصر الحضارة والتاريخ والمستقبل والتنوع والحلم والتغيير الحقيقي الذي قامت لأجله ثورة أخرجت أعظم ما فينا. وأبرزت أسوأ ما فينا أيضا. وليتها خلافات حول جوهر التفكير أو القدرة علي مسايرة العصر وتحقيق العدالة والكفاية والتطور ومحاربة الجهل والتخلف والأمية والفساد والعقل المعطوب الذي يجرنا للوراء بل هي خلافات تبغي الحصول علي أكبر قدر من المكاسب الفئوية بصرف النظر عن مصلحة الوطن. وبعيدا عن الاختلاف المبدئي حول تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور والطعن في شرعيتها والإصرار علي تلوينها بلون الأيديولوجيا وليس بلون الوطن..وبصرف النظر عن لقاء الرئيس بالمرشحين السابقين للرئاسة والأطياف السياسية والمجتمعية طلبا للتوافق وحرصا علي لم الشمل ووقف حالة الاستقطاب الحاد الذي فرق ما كان ينبغي الحرص علي توحيده.. وبعيدا عما يقال هنا وهناك حول نسبة التوافق داخل¢التأسيسية¢ حول مسودة الدستور التي يراها د. عمرو دراج أمين عام الجمعية وأحد قياديي الحرية والعدالة تقترب من 100% بينما يرد عليه د. وحيد عبدالمجيد المتحدث الرسمي للجمعية بأنه لا توافق علي كثير من القضايا الخلافية.. وهو ما أيده فيه د. جابر نصار الفقيه الدستوري في حواره لإحدي القنوات الفضائية..؟! وبغض النظر عما قاله فقهاء قانون آخرون حول ما تحتويه المسودة أو المسودات المطروحة من أخطاء دستورية ملحوظة. تستلزم تعديلات وتغييرات تعيد إليها الانضباط في الصياغة. فثمة مصطلحات غير دقيقة يشوبها عوار قانوني واضح. وصياغات ركيكة لا ترقي لمستوي وثائق الدستور الجامعة المانعة المحكمة. وبعيدا عما قاله حمدين صباحي عقب لقائه برئيس الجمهورية من أن التأسيسية انحازت للإخوان. ثم تحذيرات عمرو موسي من سلق الدستور. ومطالبة د.أبوالفتوح بإضافة تعديلات علي المسودة..!! وبعيدا عن مليونية تطبيق الشريعة التي ينادي بها أنصار الإسلام السياسي رغم أنه لا علاقة مباشرة بين الدستور وتطبيق الشريعة. فالأخير مكانه القانون إذا كان المقصود تطبيق الحدود.. وتشريع القوانين الآن من سلطة الرئيس مرسي.. ويمكنه إصدارها أو تعديلها بما يضمن تحقيق هذا المطلب بعيداي عن الدستور والمليونيات.. أو ينتظر الجميع حتي يلتئم البرلمان الجديد. وبعيدا عن معركة ¢ العاشرة مساء ¢ كموعد قررته الحكومة لغلق المحلات وما أثاره من لغط وجدل. وما أظهره من تخبط في أداء الحكومة وعدم دراستها للقرارات قبل صدورها وهو ما يجد صعوبة في التطبيق بسبب تضارب تصريحات المسئولين وتراجعهم عن التنفيذ من ناحية وتهديد التجار بعدم الالتزام به لما يسببه من أضرار اجتماعية وكساد كبير لا تتحمله ظروف الناس بعد الثورة من ناحية أخري.. وبعيدا عن دعوة د. الكتاتني للمصالحة الوطنية ولم الشمل والتوافق لكسر حاجز عدم الثقة الذي استشري بين التيارات السياسة بعضها البعض في الفترة الأخيرة.. وبعيداي عن إضراب الأطباء وما تركه من غصة في حلوق آلاف بل ملايين المرضي في ظل ما تعانيه الدولة من اختناق اقتصادي. وما يعانيه المواطن من قلق وخوف علي المستقبل وبعيدا عما تمر به مصر الآن من ظروف اقتصادية طاحنة دعتت رئيس الوزراء للمطالبة بالتقشف وشد البطون.. بعيدا عن كل ذلك تتفجر الأسئلة: هل يشغل الناس ما يدور في أوساط النخبة والإعلام من جدل وصراع وصخب حول الدستور تلك الوثيقة بالغة الأهمية شديدة الخطورة في بناء مصر القوية.. مصر المستقبل!! الإجابة يمكن قراءتها في وجوه بسطاء الناس وعليتهم أيضا. فالكل مشغول ببكرة وربما اليوم علي طريقته.. لقمة العيش وأنبوبة البوتاجاز والعلاج من الأمراض والأوجاع.. وبقعة أو بقع الزيت التي تطارد أهم ما تبقي للمصريين من ضرورات الحياة وأحلامها وهو كوب ماء نظيف بلا تلوث وقد ظهرت تلك البقعة في أسوان ثم ما لبثت أن قفزت بلا موانع إلي الحوامدية والصف وأينما حلت انقطعت معها مياه الشرب عن البيوت في غيبة الحكومة المشغولة بقرار العاشرة مساء وما يحدث في سيناء؟1 ولا أعلم في الدنيا شعبا يلوث مياهه بيديه ثم يشرب منها إلا هنا في مصر. ولا أعلم في دول العالم حكومة لا تحاسب من يجرم في حق مواطنيها وتغض الطرف عن ذلك عجزا وإهمالا إلا هنا في مصر. وكأنه كتب علي المصريين أن يتجرعوا مرارة الحكومات والقرارات العشوائية ومرارات الحياة الصعبة التي تخلو من الجودة وتمتلئ بمنغصات الفساد والرداءة وسوء الأخلاق والإدارة! * لم يعد المواطن مهتما إلا بتدبر أحواله الصعبة وتدبير أموره في ظل جهل وفقر ومرض لايزال يخرج لسانه لنحو 40% من سكان هذا الوطن. وملايين لا يزالون يسكنون المقابر وهم أحياء.. ثم تجد مصر الأخري. فوق شاشات التلفاز وعلي صفحات الصحف. مصر المشغولة بمعارك الدستور والصراع علي السلطة والمناصب والرجوع للماضي.. ونسي هؤلاء أن الدستور علي أهميته لا يغني عن النظر لأولويات المرحلة العاجلة بتحسين الخدمات وضخ الحياة في شرايين اقتصاد متعثر ومشروعات قومية باتت فريضة لا يجوز تأجيلها أو التفريط فيها.. فكيف يأتي السائح لمصر في ظل ما يسمعه من تحذيرات أمنية. وما يراه من تكدس مروري وحوادث طرق وزحام بالشوارع ونظافة لم تكتمل منظومتها ومعاملة حسنة غابت عن المجتمع..؟! * كيف نتجاهل جنبات المشهد المؤلم المخيف ومطالب المواطن البسيط التي أهملها من بيدهم القرار ومن لديهم الرؤية ومن يملكون التأثير في المجتمع.. الكل في المسئولية سواء؟! لماذا نصر علي الرجوع للخلف رغم ما نملكه من موارد هائلة مقارنة بما يملكه غيرنا المتقدم علينا فمثلا إذا نظرنا إلي نهر السين بباريس نجده ضيق المجري إذا ما قارناه بنهر النيل العظيم. فالأول لا يصلح لا للسياحة ولا الملاحة لكن الفرنسيين والأجانب يرونه أجمل بقاع الدنيا بينما نحن لا نري سوي القبح في نهر من أنهار الجنة بعد أن امتدت إليه يد الإفساد من أسوان حتي الإسكندرية حتي بقعة الزيت التي تصورنا أن تقيم الحكومة الدنيا ولا تقعدها. حتي تنزعها عن صفحة هذا النهر ثم تحاسب المتسببين فيها بلا هوادة ثم تخرج للرأي العالم بنتائج تحقيق جاد وفوري.. لكنها مصر وكم فيها من المضحكات لكنه ضحك كالبكاء.. ! فلا الحكومة حققت ولا حاسبت ولا خاطبت الرأي العام بما يليق بالشعوب المتحضرة بل تركت بقعة الزيت تنتقل من مكان لآخر في تلويث فاجر لمياه يشرب منها الانسان والحيوان والنبات والطير.. وللأسف لم تمر سوي أيام قليلة إلا وفوجئنا ببقعة زيت أخري تظهر في الصف بالجيزة.. ولم تحرك الحكومة ساكنا ولم تكشر عن أنيابها في حماية النهر من التلويث المتعمد بالصرف الصحي تارة وبالمخلفات السامة تارة أخري..؟! * والسؤال: ألا يمر المسئولون من الوزراء والمحافظين علي النهر ويبصرون حجم التعديات الهائلة عليه ليل نهار.. وهل صحيح أن مسئولين بالمحليات يتقاضون مبالغ شهرية من صندوق النظافة التابع للأحياء في كل محافظة.. وعلي أي أساس يتقاضون تلك المبالغ.. ولماذا يتحمل المواطن رسوم النظافة المحملة علي فاتورة الكهرباء ثم لا تتحمل الجهة التي تؤول إليه هذه الرسوم أعباء جمع القمامة وتنظيف الشوارع.. هل الحل في عودة الزبالة للبيوت وليس شركات النظافة الأجنبية والمحلية التي تتهرب من المسئولية.. هل تراكم القمامة مسئولية حكومة لا تجيد تحويل كنوز الزبالة إلي ذهب وفرص عمل ومصادر للطاقة وأسمدة ومخصبات كما تفعل كل دول العالم المتحضر.. أم هي ثقافة مواطن لا يعبأ بالجمال ولا يضايقه أن يري القبح في كل مكان حوله..؟! * لماذا لا تصبح النظافة سلوكا يوميا كما علمنا ديننا.. لماذا لا تصبح معالجة وتدوير المخلفات مشروعا قوميا جنبا إلي جنب المشورع النووي الذي لا نعلم أين وصل ولماذا توقف الحديث عنه رغم أنه مسألة حياة أو موت ؟! نتمني أن نري لحكومة د. قنديل أثرا فيما يجري أو إنجازا واحدا يعطينا بصيصا من الأمل في أجواء قاتمة لا مبرر لها. فالمفروض أن تكون قرارات حكومة ما بعد الثورة ثورية. هدفها راحة المواطن واستئصال شأفة الفساد وتحقيق ما ضحي الشهداء بأرواحهم من أجله ¢ عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية ¢ شفافية.. حلول خلاقة لمشكلات مزمنة بالقانون والقرارات المدروسة وتفعيل دور المجتمع المدني والمواطن وجعل الأخير جزءا من الحلول وليس سببا للمشاكل.. * نتمني أن تقدم حكومة قنديل ما يثبت أنها موجودة وتشعر بحجم الخطر الذي يتهدد البلاد والعباد لخلق بيئة آدمية صالحة لحياة البشر. بيئة جاذبة للاستثمار لا طاردة للأمل والحد الأدني من جودة الحياة.