من فريد شوقي إلي محمود المليجي. ومن حسن حامد إلي عادل أدهم. ومن أحمد زكي إلي أحمد السقا. وغيرهم كثيرون. كان الشرير أصله فتوة يحصل للآخرين علي حقوقهم. قبل أن يتحول بالتدريج إلي جسد يستخدمه الآخرون لأداء مهمات غير مشروعة مثل تأديب الآخرين بقبضته أو إفساد عرس. أو حتي قطع طريق للحصول علي المال.. لكن أن يصبح الشر خالصا. بلا سبب. وأن يتحول الشرير إلي بلطجي. وأن يعوض بناءه الجسماني المنكمش باستخدام كل الأسلحة التي كانت غير ممكنة حتي وقت قريب.. فهذا ما يقدمه لنا الفيلم السينمائي الجديد "عبده موتة".. عبده موتة لا يخفي هويته منذ العنوان نفسه. وحتي كلمة ما قبل النهاية بمشهد واحد حين يصل العنف به إلي أقصي مداه فيذبح الصديق الذي خان في لقطة وحشية تتدفق فيها الدماء من رقبته. ليراها جمهور صالات السينما في العيد. وكثيرون منهم أطفال جاءوا برفقة آبائهم وأمهاتهم والباقون من الشباب صغير السن. الذين تماهي بعضهم مع بعض كلمات وأمنيات "عبده موتة" الشهير بمحمد رمضان.. وبهذا الفيلم الذي يقدمه المؤلف محمد سمير مبروك ويخرجه إسماعيل فاروق تصبح للبلطجة والبلطجية مكانة في عالم السينما المصرية. صحيح أننا رأينا عشرات البلطجية في أفلام سابقة تنتمي قصصها لمراحل زمنية مختلفة. لكنها كانت شخصيات جانبية علي الهامش تؤكد في النهاية علي أن أعمال البلطجة جزء من ظلام الحياة وخطاياها. حتي حين كان البلطجي بطلا في فيلم أحمد زكي الشهير "الإمبراطور" للمخرج طارق العريان كان هناك تحليل وتفسير لصعوده علي هذا النحو. لكننا هنا مع "عبده موتة" لا نجد تفسيرا إلا أن عبده يحب هذا الطريق ويفضله وهو ما نراه من المشهد الأول الصاخب.. والذي تركز عليه إعلانات التليفزيون في كل الشاشات التي تعرضه. مشهد الاحتفال بخروج عبده من السجن بعد حبسه في قضية مخدرات. وهو مشهد "فرايحي" يحبه الكثيرون من المصريين لأنه يرتبط الترفيه بالنسبة إليهم بمعني الفرحة والفرفشة واشتراك الجميع في الرقص والغناء وإطلاق الإفيهات وردها. وفيه - أي في المشهد - نري مبدئيا كل شخصيات الفيلم مجتمعة كعبده وأصدقائه. وتاجر المخدرات العتويل الضو "سيد رجب" وأم عبده "عفاف رشاد" وأخته "رحاب الجمل" وحبيبته ابنة خالته "حورية فرغلي" وأبيها الطيب المستقيم "صبري عبدالمنعم" وربيعة الراقصة ساكنة الحارة "دينا" وآخرون منهم "حماصة" صديق عبده "مجدي بدر" والصديق الثاني "مجدي خلف" وبالطبع رجال تاجر المخدرات.. والحارة الضيقة المكفهرة التي أوقف المخرج كاميراته عليها أغلب مدة الفيلم الذي أنتجه محمد السبكي. والحقيقة أن "عبده موتة" استطاع أن يضيف لبطله الممثل الشاب محمد رمضان بطولة سينمائية لتقديمه كآخر نسخة من أبطال الشاشة الذين لا يملكون ملامح البطل القديم. لكنهم يقدرون علي فعل الكثير بإمكاناتهم المحدودة هذه. والبركة في القلب الميت. وفي الأسلحة "المرطرطة" التي كان لعبده الفضل في تقديمها لنا علي الشاشة. من السلاح الأبيض القديم "انسي الشومة والنبوت بتاع زمان" إلي المدفع الرشاش مرورا بالسيف. وحيث لا يمكن هنا أن نعتبر الصفعات أو الضرب البدني العنيف عنفا وإنما "هزار". لا ينشغل الفيلم وكاتبه ومخرجه بتفسير كل هذا العنف وإنما بتقديمه. صحيح أن الشارع في مصر الآن ملئ بأحداث العنف والترويع. ولكن السينما هي فن ورؤية وبلاغة خلا منها الفيلم برغم اجتهاد بعض العاملين به. والسينما أيضا قادرة علي تحليل ما يحدث في الواقع طالما توقفت عنده.. ولكنها هنا لم تأخذ منه إلا الوجه القبيح. والعنف الشديد. وشاب يعترف في اللحظة الأخيرة وهو أمام حبل المشنقة بأنه فعل كذا وكذا.. ونحن ندرك جميعا بأن هذا المشهد لا لزوم له. وإنما هو مشهد تبريري كمن يقول لنا.. لا تصدقوا نهاية الفيلم.. فعبده موتة موجود وبكثرة هو وأمثاله بيننا.