الثائر الحق هو من ثار لتغيير الأوضاع العامة وليست الخاصة وهو الذي يرى أن مصر تمر بمرحلة خطيرة للغاية توشك أن تقتلع الجميع فيقدر أن الجيش ليس في حاجة إلى مليونية لمكافئته وإنما هو في أمس الحاجة إلى أن يكون كل مواطن على قدر المسئولية فينشر الفكر الثوري بشكل صحيح وهو أن الشعب ثار للحق ويجب عليه أن يمضي في طريق الحق حتى يحافظ على ثورته. الفتنة الطائفية أصبحت كابوسا يؤرقني ويؤرق كل من هتف لإسقاط النظام ليحلم بغد أفضل، وكأنما أبت عليه الدنيا أن تعطيه ما أراد فباتت ملامح الفجر تنذر بصاعقة. أعي تماما منذ تنحي مبارك وعودتي من ميدان التحرير شاعرا بالفخر والعزة والكرامة - وهي المرة الأولى التي يشعر فيها جيلنا بذلك في هذا الوطن - أن جماعة الإخوان المسلمين هي المحرك الفعلي للثورة وأن الشعب المصري بجميع طبقاته وفئاته هو قوامها وأفخر بذلك لأنني في النهاية أتفق مع الجماعة في الفكر وأختلف معهم في المنهج وكنت أخشى تحرك الأقباط تجاه هذه الفكرة ولا سيما أن في السجون آلاف المعتقلين التابعين لجماعة أخرى هي الجماعة الإسلامية ولكنها ليست لاعبا سياسيا بقدر ما هي دعوية جهادية ربما ترى مصر بواقع مغاير لما نراه جميعا. الجماعة الإسلامية والسلفيون والإخوان قوامهم رجال وشباب ونساء وبنات أبى جميعهم أن يرى أرض الإسلام بهذا السوء وهي حقيقة يجب علينا الاعتراف بها فربما أن الدين اُنتزع من الصدور ولم يعد يُعرف إلا بالعبادات والدعاء فضاع الحق وتاهت الفضيلة واندثرت الأخلاق وهو ما رآه الإمام سيد قطب، ولكن رآه أيضا الفيلسوف الأمريكي اليهودي ذو الأصول الألمانية ليو شتراوس الأب الفكري لجماعة "المحافظون الجدد" الجانب الآخر للممسكين على دينهم وعقيدتهم والساعين إلى وجود مجتمعات دينية ترى في الليبرالية جانبها المظلم قبل المشرق. من ويكيبيديا: أتباع شتراوس حاليا هم الأكثر تنظيما والأكثر قوة والأفضل تمويلا في الوسط الأكاديمي والإعلامي في كنداوالولاياتالمتحدةالأمريكية فهم الآن سادة مراكز الأبحاث اليمينية والمؤسسات المالية والمنظمات كما أنهم يتملكون آذانا صاغية في البيت الأبيض. انتهى في المقابل، لا يزال الإخوان المسلمون يخطون أولى خطواتهم على طريق مجتمع إسلامي يعي ما يحدث في الغرب والشرق ويعرف كيف يٌحكم العالم ومن هي الجهات التي تحرك البيت الأبيض وما هي سياسات أمريكا التي انتهجتها بعد الحرب العالمية الثانية بأيدي يهودية وما هي خطة "الفوضى الخلاقة" التي تبنتها أمريكا والتي تحدث الآن على أرض الواقع في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والبحرين وتعدت حدودها لتغازل المملكة العربية السعودية. الحرب الدينية مقبلة ليس في مصر ولكن السمة العالمية ستكون هي الحكم القائم على أساس ديني لا لشيء سوى أن الطرفين اجتمعا للمرة الأولى وجها لوجه منذ آلاف السنين فمن يستطيع أن ينكر أن إسرائيل - ذلك الكيان الصهيوني القبيح - يرتكز على أساس ديني؟ ومن ينكر أيضا أن ولاء أمريكا لإسرائيل ديني بجانب أنه لقاء مصالح أيضا؟ ومن ينكر أن اليهود انتزعوا من أوروبا مسيحيتها وأهدوها علمانية استعبدوها بها؟ ما يحزن الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية هو شعورهم بأن المسلمين يرفضون نسب الإسلام إلى الثورة فهم مقتنعون أن لا علاقة بين الجانبين، وهو خطأ شديد لسببين أولهما أن الدين بشكل عام - وليس الإسلام فقط - منتسب إلى الثورة فهناك أقباط شاركوا فيها وأن النظام البائد دمر كل شيء فكان الخروج عليه أمرا جائزا أو مشروعا أو حتميا لا مفر منه، فكيف هو الحال إن كانت مصر تستعد ليتسلمها نجل الرئيس ليطيح بها كما فعل أبوه؟ نعم الغالبية في مصر مسلمة ولكن الأقلية - إن صح التعبير الذي أرفضه - كانت جديرة بالثقة فتوحد الطرفان لإزالة نظام فاسد وإزاحة ذلك الكابوس من مضاجع المصريين فكيف يبدو الاثنان الآن وكأنما يدقان طبول الحرب إما عن زهو وكبر وغرور وإما عن عند وإعلان زائف عن الاستعداد للمعركة - ما هذا الهراء؟ كيف يمكن لمسلم أو مسيحي أن يفيد الثورة - إذا ما كان فردا منها سواء بالمشاركة أو حتى بالدعاء - إذا ما نظر تجاه الآخر على أنه مجرد "آخر" إما عليه الصمت فهو أقلية وإما عليه التراجع عن شعوره بأنه أصبح حاكما لمصر؟ فنعود إلى الماضي ونبدأ الإشارة إلى تلك الدولة القبطية التي أذاقها الرومان ويلات العذاب والقهر فجاء الفتح الإسلامي مشرقا بالنور والأمل فاستفاد الطرفان، فالإسلام لم ينتشر بالسيف وأبدا لن ينتشر به بل إن الإسلام تراجع عندما فكر بعض المسلمون في السيف كوسيلة لنشره وليس للدفاع عنه فالله تعالى يقول "وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ". في جميع الأحوال يجب عليك أن تكون مستعدا والآية الكريمة واضحة فكلمة "ترهبون" توضح أن المطلوب هو التأهب لصد العدو "أي أنه لم يأت فعلا" ولكن وجب علينا الاستعداد له - فما بالك وقد اعتدى وطغى وتجبر ومد أياديه الخبيثة في كل قطر فقد بنى له دولة في فلسطين ثم جاء ليعلمنا نحن معنى الحرية التي يدوسها بالأحذية في العراق وأفغانستان وقبل سنين في البوسنة والهرسك والشيشان كما أنه توغل "فكريا" في جميع دول العرب وأهدم إمبراطوريات إسلامية آخرها الخلافة العثمانية أو "الدولة العثمانية إن أزعجك التعبير" ثم ظهر أحد ممثلوه وهو رئيس الولاياتالمتحدة الكاهن باراك أوباما ليقول للمصريين ألهمتم شعوب الأرض ومنها أمريكا فمرحبا بكم في الحضارة ... فماذا يعرف الغرب عن الحضارة؟ وأين تعلم معناها؟ ومن هؤلاء الذين أناروا بصيرته وهو جاهل يصارع نفسه فتارة الحكم للكنيسة وتارة للعامة فاقتتل الجانبان فجاء اليهود بالحل السحري وهو العلمانية فضاعت الهوية. لما أبصر الغربيون الحضارة الإسلامية من بوابة الأندلس افتتنوا بها وأخذوها وطوروها فطردونا (من الأندلس) ومزقوا أجدادنا إربا وبعد عشرات السنين وجدونا كمن أفاق (أو ربما مهدوا الطريق لنا وخططوا للثورات العربية كما مهدوا لتدمير برجي مركز التجارة العالمي ليستحلوا دماء العرب مسلميه ومسيحييه وإن كان الهدف الأساسي هو النيل من الإسلام) فاقترحوا علينا العلمانية ولكن هذه المرة ليست من أجل السيطرة المباشرة على عقول الشعوب الإسلامية ولكن من أجل تمزيقنا داخليا بنيران الصراعات الداخلية وأشدها الفتنة الطائفية فهناك طرفان أحدهما يريدها إسلامية والآخر أقسى أحلامه أن تصبح علمانية. من قال إن إسلامية مصر مهددة؟ ومن ادعى أن الإسلام ليس حريصا على أتباع المسيح قبل حرصه على المسلمين أنفسهم؟ الإسلام يا سيدي يقول إن المسيحي كافر ولكنه في نفس الوقت يكفل له حرية العبادة والعيش في سلام وأمان في مقابل أن يكون الطرفان صفا واحدا حال تعرض الدولة للاعتداء فيا لها من روعة الإسلام، ويا لها أيضا من روعة الأقباط الذين سيهبون كل غال ونفيس إذا ما أصاب مصر مكروه فكيف لا تكون أرضهم وديارهم وقد التزموا بأهم بنود المعاهدة؟ لأنهم أصبحوا - وكما أراد الإسلام بحلاوته - يشكلون مع المسلمين نسيجا واحدا يغزل علم مصر؟ الأزمة لا يمكن حلها من خلال الشعارات والاجتماعات لأن المسألة أبسط منذ لك بكثير وهي أن مصر دولة إسلامية تحفظ العهد وأن الأقباط ليسوا طرفا آخر وإنما جزء لا يتجزأ من هوية هذه الأرض وعلى المسلم والمسيحي احترام ذلك وعدم إثارة الفتنة أو المشاركة فيها أو التمهيد لها بأفكار تبدو في ظاهرها مشروعة ولكنها في الحقيقة براكين من نار من عينة (ليبرالية مطلقة أو إسلامية متشددة) يتبعها هؤلاء الذين قطعوا أذن القبطي افتراءا وعدوانا ليشيعوا عن الإسلام ما ليس فيه فهو دين الحب والرحمة والسلام والقوة عند الدفاع عن الله ورسوله والقرآن الكريم وليست القوة الطاغية المتجبرة، كما يتبعها بعض المتحررين الذين يعتقدون أن الحكم الإسلامي سيقيد حريتهم وهذا خطأ لأن المسلمين حكموا العالم ولم يحدث ذلك إلا تحت حكم إسلامي "رشيد". على الجانب الآخر، نستمع بشكل شبه يومي عن تنظيم مليونيات، مرة لإنقاذ الثورة ومرة للمحاكمة والتطهير ومرة لعودة مبارك وهو أمر عجيب فإنقاذ الثورة إن كان يحتاج إلى مليونية من شأنها أن تفتح بابا أمام فكرة التجمهر وتغذيتها في النفوس خلال تلك المرحلة الحرجة - كانت مليونية إنقاذ الثورة عقب الاستفتاء على التعديلات الدستورية بنعم إسلامية ولا مجمعة - فهنا نقول إن الثورة ذاتها باتت مهددة بالفشل لأنها في اختبار صعب جدا هو الفتنة الطائفية فكيف أنقذها بأن أفتح لها أبواب الريح؟ مليونية المحاكمة والتطهير تبناها الإخوان المسلمون من مبدأ "فرد العضلات" ولا أعلم إن كان الأقباط هم من خططوا سرا لمليونية إنقاذ الثورة أم أن الأمر مجرد مصادفة استغلتها الجماعة للضغط على الجيش لحبس مبارك - مع يقيني بأن الإخوان ليسوا في حاجة إلى استغلال شيء - فطربت إيران لمشاهدته وهو يقترب من السجن فيما تراجع دور المملكة العربية السعودية في المنطقة وبدأ يظهر على السطح "الشرق الأوسط الكبير". من ويكيبيديا: الشرق الأوسط الكبير، هو مصطلح أطلقته إدارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش على منطقة واسعة تضم كامل العالم العربي إضافة إلى تركيا، إسرائيل، إيران، أفغانستان وباكستان. أطلقت الإدارة الأمريكية المصطلح في إطار مشروع شامل يسعى إلى تشجيع الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، حسب تعبيرها، في المنطقة. أعلن على نص المشروع في مارس 2004 بعد أن طرحته الإدارة الأمريكية على مجموعة الدول الصناعية الثماني. انتهى تفسير ذلك هو أن الغرب الذي يسير بعصا صهيونية فكك العالم العربي ثم قرر أن يجمعه تحت لواء واحد ليسهل التخلص منه، وهذا يتفق مع خطة "الفوضى الخلاقة" التي تسمح للإسلاميين باعتلاء السلطة في هذه الدول فيتقدم الإسلام الإيراني - إن جاز التعبير - وهو الإسلام الذي يعترف بأن الحرب الدينية لا مفر منها ويستعد لها فيما يتراجع الإسلام الوسطي السعودي، وتبدأ المواجهة الأخيرة التي جاءت في الكتب المقدسة وهي حرب "مجدو" أو "هرمجدون" حرب نهاية العالم. بعبارة بسيطة يمكن القول أن الغرب يرحب بالحرب الدينية لأنه بات مستعدا لها، فيما أنه فكك الطرف الآخر "العالم الإسلامي" ثم وافق على وحدته ليدمره لأنه غير جاهز للمواجهة. مبارك كم تحاكى الإعلام والشارع بمبارك ورجال مبارك وعزيمة مبارك ودهاء مبارك فسقط مبارك في يوم واحد هو جمعة الغضب التي غيرت تاريخ مصر فشكرا لكل من شارك فيه وفي سابقه من الأيام أو ما تلاه سواء إخوانا أو أقباطا أو أيا من كان. رحل مبارك فكيف ننسى الآن أن مصر أمامها الكثير من التحديات لبناء ما هدمه هذا الرجل ورجاله مع الاحتفاظ بما كان حميدا في نظامه وأعتقد أن "الحسنة الوحيدة" كانت وللأسف هي "إخراس الألسنة" فلم يتطاول أحد على أحد لأنهم ببساطة "كان ليهم كبير" فهل رفضنا أن نكون جديرين بالثقة لنحافظ جميعا على بلدنا حتى يتسلم المسئولية رجل تجتمع عليه الأغلبية "المسلمة والمسيحية" فيرضخ الأقلية لحكم الديمقراطية وهذا من تعاليم الإسلام والمسيحية. من البعض من سيعتبرني أبالغ في حديثي ولكن معظم النار من مستصغر الشرر ويكفيك أن تتذكر لبنان والجزائر والعراق وغيرها من دول إسلامية دمرتها الصراعات الداخلية بينما تراقص الغرب على أصوات رصاصه وطائراته ثم عاد ليقول لك "أنات مع الحرية" فصدقته. في النهاية فإن ميزان العقل يقول إن الإسلام هو الحل ولكن كيف؟ هذا هو ما يجب أن نفكر فيه. تذكر أنه وفي الوقت الذي يتصارع فيه بعض المسلمين مع بعض الأقباط، فإن الأبدان تشعر بقشعريرة إذا ما سمعت كلمة "فلسطين" فتوحدوا من أجلها وإذا شعرتم ذات يوم أن الثورة انتهت فهي لم تنته ولن تنتهي حتى تعود القدس ويعود اللاجئون إلى ديارهم تحت حكم إسلامي "كما كانت" ويعود الحق إلى أهله ولا أراه حلما بعيدا كما كان بل إنه أقرب مما يتوقع الجميع حتى أمريكا وإسرائيل. عما قريب ستنطلق الانتفاضة الفلسطينية الثالثة وأذكرك فقط بتواريخها: جمعة النفير 13/5/2011 سبت الزئير 14/5/2011 أحد التحرير 15/5/2011