كنت أجلس معه منذ يومين على باب ورشة النجارة الخاصة به وأصر على أن يأتي لي بحاجة ساقعة عشان الحر، وتبادلنا أطراف الحديث وحكى لي عدداً من الحكايات بعضها صدقته والبعض الآخر لم أصدقه، وفجأة النور اتقطع، انفعل الرجل البالغ الخمسين من العمر جداً ووقف يهلل: دي تاني مرة يقطعوا النور، ربنا يخرب بيوتهم.. كل مرة يقطعوه ساعتين نشتغل إزاى، نأكل عيالنا منين، والله العظيم يا أستاذ وماليك علىّ حلفان أنا ابني بياخد في الشهر 700 جنيه ما بين مصاريف له وللعربية وهو رايح الجامعة، يعني نكفي بيوتنا منين، نسرق!! حاولت أن أهدئ من انفعاله الذي تزايد وأصبح كأنه شبح وسط الشارع المعتم تماماً.. واستأذنته وصعدت إلى المنزل الذي أسكن فيه لتقابلني البوابة التي تفترش السلم كعملية من عمليات التأمين قائلة: يا أستاذ عايزة نور السلم 15 جنيه من كل شقة. رديت عليها في رد مقتضب: يقطعك انتي والنور مانا طالع في الكُحل اهوه هديكي إزاى فلوس يعني، وكمان 15 جنيه من كل شقة ليه دي العمارة 20 شقة ربنا يخرب بيوتكم. وسريعا ما سمعت صراخا من الجهة اليمني بالقرب من الكاحل الأيسر ودربكة سريعة في صفيحة قمامة مركونة على السلم وكان ذلك والله اعلم إني دوست على ذيل قطة ارتطمت مع القمامة سريعا. توقفت أمام باب الشقة التي اسكن فيها ابحث عن مكان الكالون لأجده بصعوبة فتحت الباب استقبلتني زوجتي بسعادة عارمة وهي تصرخ وكأنها رأت تامر حسني: يعني يقطعوا النور 3 مرات النهاردة مرة فيهم ساعتين ومرة نص ساعة وآدي تالت مرة .. قلت لها طب صلي على النبي، انا هعمل ايه؟.. قالت: معرفش انا عايزة اغسل وكمان في مواعين كتير وغير كده ابنك عايز يغير ومفيش ولا نقطة ميه نازله من الحنفية. وطبعا الجميع متخيل الريحة اللي انا كنت واقف فيها، فتحت الثلاجة لأشرب منها فلم أجد زجاجة مياه، كما أن تبريدها للمحتويات التي بداخلها ليس جيدا، الثلاجة باظت.. غير أن الكمبيوتر باظ الاسبوع اللي فات، غير أن الحياة كلها بايظة، وغير أن رمضان أتي بدون بهجة بسبب ما يتحمله الانسان المصري من نكد داخلي طفح على نفسيته متسببا في قرف وقهر عام. الشوارع ضلمة مفيش فرع نور في شوارع القاهرة عشان توجهات وزارة الكهرباء اللي رفعت حالة الطوارئ للتصدي لزيادة الكهرباء، طب النهاردة بعد الفطار هيتقطع النور على كام مسلسل، ولا هيتقطع على كام برنامج، وعلى كام جزء من اجزاء القرآن، ولا على كام عزومة، أصبحت القاهرة تعيش في ظلام القرون الوسطي، حقا اننا نعيش بعقلية التعامل مع الشعب المصري على اساس انه طفل يحتاج لوصاية الحكومة عليه لتوجيهه. كان نفسي اقولكم كل سنة وانتم طيبين بس هعمل ايه ما أنا مش شايفكم مهو ولاد ال.... قطعوا النور.