لأني دخلت كلية التجارة على غير إرادتي، فقد رسبت في السنة الثانية والرابعة أيضًا، فأنا أحب الرسم والنحت، وأخذت دورات جرافيك كثيرة، لا إخوة لي، وكل يوم أنام وحدي، منذ 20 عامًا، دون أن يكون هناك من يسألني عن يومي وما فعلت فيه! الأكثر أهمية ،أني افتتحت مركز كمبيوتر، لكني للأسف عدت وأقفلته، بسبب بعض الحاقدين الذين يكرهون لي الخير، وحاليا أفكر في ألف موضوع، دون قدرة على استجماع شتات نفسي، ودون أن أجد من يمكنني الحديث إليه، لا تقل لي من فضلك: والديّ، فالعلاقة بيننا شبه منقطعة، أشعر بحيرة.. خواء.. يأس.. ماذا أفعل؟ ولكاتب هذه الرسالة أقول: ما تتكلم عنه يا صديقي، أحسه أنا أيضا أحيانًا، بل وآلاف غيري وغيرك، ممن لم يدخلوا بكامل إرادتهم الحرة المجال الذي تمنوه، وحلموا به، وأحسوا أن في إمكانهم أن يبدعوا فيه فعلاً، ممن طحنتهم ضرورات الحياة، وأملت عليهم إرادتها، وفرضت شروطها، غير هيابة ولا مقدرة لشعور أحد أو استعداداته الحقيقية، ومكامن قوته! ولكنك كنت أذكى منا جميعا! فأنت لم تستسلم، حتى وإن تعثرت قليلا في بدء حياتك، وإنما أكملت -رغم المشاق- الطريق الطويل، وتعلمت ما تحبه وترضاه لنفسك، بل وأقدمت على خطوة أكثر جرأة وإيجابية، وافتتحت مركز كمبيوتر، تمارس فيه ما أحببت! كل هذا يدل على شخصية قوية، تتمتع بالثقة بالنفس، جريئة ومقاتلة ومصرة على أن تخلق لنفسها فضاءً واسعًا، تحلق فيه، وترتفع إلى أعلى وأرقى سماوات الإبداع.فلا تخدعنك حالة اليأس الوقتي التي تسيطر عليك، ولا تكاتُف الظروف الصعبة، وتكتلها في طريقك، ولا عدم تقدير البعض لك، أو رغبتهم في فرش الطريق أمامك بالأشواك، ولا اكفهرار وجه الحياة أمامك اليوم، وعدم مدها يدها، لتنتشلك مما أنت فيه! فهذه سنة الحياة، والضريبة التي يجب أن يدفعها كل مبدع ومتفرد وفنان!ومن أجل لحظات كتلك، خُلق الأصدقاء يا صديقي، فلماذا لا تعوّض حرمانك من عطف الأب والأم، وتقاتل وحدتك ووحشتك بالآخرين؟ أين الأصدقاء في كشف حسابك مع الأيام؟ هل من المعقول أنك عبر كل سنوات حياتك لم تلتق أحدًا يصلح صديقا؟ لا أظن، ربما أنت فقط متخوف من الجميع، وتعتقد أن الاقتراب من أحد، يعني الابتعاد عن عالمك الداخلي الثري، وذوبان شخصيتك في شخصيته! ولكن الصداقة الحقة ليست كذلك، إنها عمر جديد يضاف لأعمارنا، وسماء مفتوحة أمام أحزاننا، ويد حانية تهدهد آلامنا، ورسالة من عند الله أن الرحمة والمودة والإنسانية ما زالت تقطن الأرض.لا يهمني كم تعبتْ قدماي حتى وصلتُ، ولا عدد ما زرفت عيوني من دموع حتى تماسكتُ، ولا غياب الشمس عن طريقي حتى أضأتُ، وبُعد المسافات حتى انتصرتُ، المهم أنني وصلت وتماسكت وأضأت وانتصرت! تلك هي أنشودتك منذ اللحظة يا أخي، وأنشودة كل من يريد أن يشق لنفسه طريقًا سليمًا ومتماسكًا لقلب الحياة، مع ضرورة معرفتك أن تحقق جميع أهدافنا في الحياة، يعني في نفس اللحظة، زوال السبب من وجودنا، وربما يؤخر الله عز وجل بعض الأحلام؛ ليظل هناك ما يحركنا للأمام، ويدفعنا لمواصلة بذل الجهد والكفاح!فلا تبتئس، ولا تجعل للهم والضياع عليك سلطانًا، فأنت أحسن مما تظن وأفضل بمراحل، يكفي أنك مازلت تملك موهبتك، وقلبك النابض بالحياة، ورغبتك القوية في الخروج من كل هذا.ونحن جميعًا نسير في الحياة، وقد قسم الله لكل منا نصيبًا مفروضًا، علينا أن نسعى بجد وإخلاص لنحصّله، وإذا كان حالنا سيئًا، فهناك من هم في حال أسوأ منا دائمًا، ومن العار أن يمضوا هم ويتوكلون على الله، في حين نقف نحن في منتصف الطريق، نبكي حالنا!! انظر لهذه الأبيات للشاعر "هارولد أبوت": "كاد القلق يبددني هباء/ لأن قدمّي افتقدتا حذاء/ إلى أن صادفني منذ يومين/ رجلٌ.. بلا ساقين"! فسِر في حياتك يا صديقي، غير مبال بالصعب، بل ومستعدًا له ومرحبًا بمقدمه، فهو الذي سوف يزيد من ثقتك في نفسك، وإحساسك بتفردك، ويضيف طوبة جديدة لبناء مجدك!أو كما يقول الشاعر إقبال: "لا تتجنب الأزمنة الصعبة، من لم يتخط العقبات، لا قيمة له، ألا تعرف أن الموجة لا تكون ممتعة إلا عندما تلطم الصخور؟" حدد ما تريد فعله بوضوح، وأخلص له، وسر إليه غير هياب، وتحمل ما تجد من عناء في سبيله، وسوف تصل إن شاء الله لكل ما تريد وتتمنى، مع ضرورة ألا تنسى والديك، وبرهما، وطاعتهما، فهما -مهما كان ما بينكما- مفتاح بوابة النجاح الحقيقي في الدنيا والآخرة. حسام مصطفى إبراهيم