منذ إلقاء بيان 3 يوليو المتضمن ما يسمى بخارطة المستقبل والإنقسام داخل الشعب المصرى يزداد حدة تنذر بمخاطر عديدة منها الإستفتاء على وثيقة ما يعرف بلجنة الخمسين و هو ما قد يتيحه المقال. فعلى رأس البيان الذى ألقاه وزير دفاع حكومة الرئيس المنتخب تعطيل دستور 2012 الذى تم إقراره "بإستفتاء الشعب عليه" منذ ما يقرب من عام وقال كلمته بنعم و بنسبة تصويتية قاربت ال 64% و "بحماية القوات المسلحة" من خلال تواجد قاداتها وضباطها و جنودها و مركباتها أمام لجان الإستفتاء بمراحله الثلاث على مستوى الجمهورية . ورغم اعتراض بعض القوى السياسية وقتها و من أيدهم إلا أنهم ذهبوا جميعاً و بحشد مشهود ليقولوا لا للدستور وهذا حقهم تجاه هذا الجهد البشرى المبذول و كان إقرار الدستور بمثابة أقوى إنجاز يتم تحقيقه فى عهد أول رئيس منتخب ليغلق الباب للأبد أمام الإعلانات الدستورية التى شهدتها البلاد على مدار عامين و بلغت 7 إعلانات دستورية أثارت جدلاً واسعاً. لكن لم يكد الوطن ينهى إنجازاً تكلف جهداً و وقتاً و أموالاً ليتفرغ لإنجاز غيره من مؤسسات الدولة حتى كان تعطيل الدستور الذى لم يكن أبداً مطلباً لأقلية الشعب فضلاً عن أغلبيته ! والأولى كان إجراء انتخابات مجلس الشعب فى هذه الفترة لأن السلطة التنفيذية بلا رقابة عليها منذ 25 يناير2011 حتى اليوم بإستثناء 141 يوم فقط لبرلمان 2012 ، و توفيراً للنفقات الباهظة التى يذهب معظمها فى جيوب من يشرف عليها ، فضلاً عن كون إعداد التعديلات الدستورية حق أصيل للسلطة التشريعية . و تعود الإعلانات الدستورية من جديد بإعلان 6 يوليو الذى به حل مجلس الشورى ثم الإعلان الدستورى الثانى فى 8 يوليو متضمناً 33 مادة ، و التى أرجو من السادة القراء الإطلاع عليها بالإضافة إلى وثيقة المبادئ فوق الدستورية المعروفة بوثيقة على السلمى و كذلك الإعلان الدستورى المكمل الذى أصدره المجلس العسكرى فى 17 يونيو 2012 و مقارنتهم جميعاً بمسودة دستور لجنة الخمسين لنعرف من سبق من ، ومن وضع بالأساس مواد مسودة الدستور المريب وأنه أعد بليل و أن لجنة الخمسين تحصيل حاصل !! ينص الإعلان الدستورى على تشكيل لجنة الخبراء العشرة و يختارهم هو بنفسه لوضع مقترح التعديلات ثم عرضها على لجنة تشكل من خمسين عضواً يختارهم هو بنفسه أيضاً مع أنه نفسه الذى عطّل الدستور !! وهنا يجب أن يستوقف القارئ الكريم مسودة الدستور المزعوم من حيث الشكل والمضمون حتى يكون على بيّنة من أمره و بنفس المنطق الذى كان يأخذ به المعارضون لدستور 2012 فمن حيث الشكل يعيب المسودة عدة أمور نوجزها كالآتى .. *لا يملك أحد أياً كان أن يعطل دستور أُسْتُفتِىَ عليه الشعب إلا بإستفتاء آخر من الشعب وما عداه هو الباطل الذى يجب إزاحته عن كاهل الوطن فوراً لأنه مضيعة للوقت والجهد والمال. *لا حاجة للوطن فى هذه الظروف الصعبة إجراء أى تعديل للدستور و يترك الأمر لمن يأتى ممثلاً للشعب فى البرلمان القادم ، و معلوم أن العبرة بالتطبيق وهو ما لم يحدث على مر الدساتير السابقة خصوصاً المواد التى تهم أغلبية الشعب فى معاشه و حقوقه. *كيف لمن يعلن تعطيل الدستور بالباطل أن يصدر قراراً بتشكيل لجنتى العشرة ثم الخمسين ثم ينصب نفسه بديلاً عن الشعب و يختار بنفسه أسماء الستين (10+50 ) عضواً فضلاً عن الإحتياطيين !! *لكل من يدقق فى أسماء من تم اختيارهم من الستين عضو و يعقد مقارنة موضوعية بينهم وبين المئة عضو فى أى من الجمعيتين التأسيسيتين لدستور 2012 من حيث الكفاءة و التخصص وحسن السير والسلوك باختصار CV لكل منهم سيتبين له حقيقة التوافق الذى كانوا ينادون به زوراً و بهتاناً. *حالة السرية التى فرضت على جلسات انعقاد لجنة العشرة ثم لجنة الخمسين و ما تسرب عنهما على سبيل الخطأ أحياناً أو العمد أحياناً أخرى تثير كثيراً من علامات الإستفهام التى لا تبشر بخير ولا أنه دستور توافقى سيتم إستفتاء الشعب عليه بالمقارنة بوقائع جلسات دستور 2012 التى تميزت بالعلانية و الشفافية ومشاركة الجميع دون إقصاء ؛ ما يراعى مصلحة الوطن والمواطنين على السواء وليس كما يزعم البعض دون دليل أو برهان. *تعمد إلغاء الحوار المجتمعى لمسودة التعديلات حتى يتعرف الشعب علام يُستفتى و مقارنته بما تم فى دستور 2012 الذى طاف أنحاء الجمهورية وعقدت له الندوات فى كل المنتديات و النقابات و الأحزاب و غيرها. و أجزم أنه كان فى حوزة كل بيت مصرى أكثر من نسخة من المسودة النهائية ، بل إن الإعلام بكل وسائله المرئية والمسموعة و المقروءة وقتها كان يفند الدستور مادة مادة و يدعو الشعب أن يقول " لا للدستور " ما نعتبره إقراراً قوياً و واعياً و صحيحاً من الشعب فى إقراره لم نر له مثيلاً من قبل ولا أحسب بأى حال مما نرى الآن أن يكون من بعد ، خصوصاً بعد إلغاء الحوار المجتمعى حول تعديلات 2013. *هل يستطيع المعارضون لدستور الشعب الواحد ومن يطالبون بالشرعية أن يوضحوا وجهة نظرهم للشعب على الفضائيات ويعقدوا ندواتهم أو حتى يذهبوا للتصويت و منهم المعتقلين والمصابين والمطاردين والمروعين ، وأى منصف يعلم كم نسبتهم فى أى إستفتاء نزيه. أما عن المضمون فهناك محاور و أعمدة يُبْنَى عليها الدستور أو ينهدم أوجز بعضها باختصار.. *عرفت مصر هويتها الإسلامية منذ أن فتحها عمرو بن العاص وتشكلت حضارة على مدى قرون من الزمان نَعِمَ بها المصريون واطمأنوا على مرجعيتهم أياً كان دينهم أو عرقهم ، و السؤال هل مقترح 2013 هويته إسلامية أم علمانية ؟ و السؤال الثانى هل النص يحقق الإحتكام للشريعة الإسلامية أم أنه فُرِغَّ من مضمونه ؟ قارن بين ما ورد بشأن الهوية فى مواد دستور 2012 و ما تم حذفه وتشويهه فى مسودة 2013 حتى تعلم الإجابة علم اليقين . *تقوم الدساتير البشرية فى البلدان التى لها غالبية عظمى من السكان تتجاوز نسبتها 80% وتتفق فى الدين الواحد على احترام هويتهم و ثقافتهم و تقاليدهم و عاداتهم و أخلاقهم و قيمهم ، مع احترام الأقليات فى خصوصياتهم ، فهل ما جرى من تعديلات مؤخراً راعى ذلك و حقق المواطنة لغالبية الشعب المصرى أم تم حذفه و تجاهله ؟! * مضمون التعديلات التى أجريت تعيد مصر للخلف درّ سواء حذف المواد المتعلقة بمكافحة الفساد كمفوضية مكافحة الفساد وحماية الفاسدين أو المادة المتعلقة بمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى و التى ليس لها مثيل فى دساتير العالم ، حتى إذا قيّد ضابط شرطة مثلاً مخالفة مرور ضد ضابط جيش و اشتبكا سوياً ! إلى من يتقاضيا للقضاء العسكرى أم المدنى ، و ليس بعيد عنا واقعة شيكابيلا لاعب نادى الزمالك مع ضابط جيش فى صالة المطار ، أو المادة التى تحصِّن وزير الدفاع لمدة 8 سنوات أو المواد التى تجعل المؤسسة القضائية و غيرها فوق مفهوم الدولة ، و غيرها الكثيرمن المواد المعيبة التى يندى لها جبين المصريين بعد ثورة يناير. مما سبق و حفاظاً على وحدة الشعب و تماسكه بإيجاد فرصة لحل الأزمة من كل الأطراف تعيد اللُحْمة المصرية إلى وضعها الطبيعى ، و حتى لا يعتاد أى كيان فى مصر أن يغتال الشعب فى إرادته بعد إقرار دستور 2012 بإستفتاء نزيه ، و أنه دستور فاقد الشرعية حتى لو أُستفتِى عليه بنعم لأن ما بُنِىَ على باطل فهو باطل ؛ فالإستفتاء أحد المخاطر التى تلغى الشعب مصدر السلطات . كما أننا لسنا فى عجلة من تعديل دستور الشعب الواحد على حساب إنقسام الشعب الواحد و زيادة كاهله بنفقات تقدر بالمليارات هو فى أمس الحاجة لها الآن ، كما أن جوهر التعديلات يرسخ لبقاء دولة الإستبداد والفساد والتبعية التى حافظ عليها المخلوع 30 سنة و يمحو أى آثار إيجابية لثورة 25 يناير فالإستفتاء دعوة للإنقسام و العودة للخلف . وبالنظر للتزوير المبكر للإستفتاء من خلال الدعوة بنعم الذى يعد لها الآن والتى كررها السيد عمرو موسى أكثر من مرة بدعوة الشعب و الإعلاميين أن يقولوا نعم و لم يجرؤ بالمقابل المستشار حسام الغريانى أن ينطق بها ، هذا غير النخبة التى تتبع الدولة العميقة و وسائل الإعلام كلها التى تبارت فى دعوة الشعب لقول نعم فى مقابل شيطنة و حبس كل معارض و تلفيق التهم له و تكميم أفواه الثوار وغلق كل القنوات المعارضة و حبس المذيعين بها ، فالإستفتاء عودة للتزوير من المنبع . هنا و إبراءً للذمة فإن مجرد التفكير فى الذهاب للإستفتاء على الدستور ولو للتصويت بلا هو خيانة لثورة 25 يناير وما تعنيه من خيانة لدماء الشهداء و معاناة المصابين وآهات الثكالى والأمهات ، فلا تخونوا ثورة مصر يا شعب مصر يحفظكم الله . مهندس/ أسامة سليمان محافظ البحيرة الشرعي وعضو الهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة