عندما أتحدث عن العلمانيين ودورهم فى التمهيد للاحتلال وتثبيت أقدامه فى أرضنا قديمًا ودورهم اللامحدود فى دعم المشروع الصهيونى الأمريكى حديثًا بمعاونة العسكر، فأنا أعلم أن هناك قلة منهم لم تشارك فى هذا الدور المشبوه ولكن دعونى عندما أتحدث عن دور العلمانيين فى تثبيت أركان الفكر الغربى والتبعية للمشروع الغربى أن أقتبس ما كتبه العلامة الدكتور محمد عمارة فى هذا الصدد فى افتتاحية مجلة الأزهر تحت عنوان "العلمانية بين الغرب والإسلام"، فقد قال الدكتور عمارة: "إن العلمانية باختصار هى عزل السماء عن الأرض والدين عن الدنيا وإحلال الإنسان فى تدبير العمران البشرى محل الله". بهذا الفهم استطاعت العلمانية أن تتغلغل فى بلاد الإسلام مع الغزو الفرنسى لمصر (1798- 1801) والتى استهدفت احتلال العقل واستبدال الفكر وتغيير الهوية مع الاحتلال الأرض ونهب الثروة واستعباد الإنسان. وبعد اندحار هذا الغزو تولى محمد على حكم مصر وواصل السير فى نفس الطريق فاتجه كليةً نحو الغرب فى محاولة لسلخ مصر من هويتها الإسلامية. وفى سبيل ذلك استعمل المحتل نفرًا من بنى جلدتنا وينطقون بلساننا ويدينون بديننا ولكن ولاءهم الأول والأخير للغرب. فبعد إسقاط الخلافة الإسلامية عام 1924 أصدر الشيخ على عبد الرازق كتابه "الإسلام وأصول الحكم" عام 1925م ليشكك فى علاقة الإسلام بالحكم وتبعه الدكتور طه حسين عام 1926م فى كتابه "الشعر الجاهلى" سائرًا على نفس الدرب. ويواصل طه حسين السير فيقول:" لقد التزمنا أمام أوروبا أن نذهب مذهبها فى الحكم ونسير سيرتها فى الإدارة ونسلك طريقها فى التشريع. التزمنا هذا كله أمام أوروبا، وهل كان إمضاء معاهدة (1936) وغيرها إلا التزامًا صريحًا قاطعًا أمام العالم المتحضر بأننا سنسير سيرة الأوروبيين فى الحكم والإدارة والتشريع". وفى هذا السياق يقول فيلسوف الإسلام الشيخ جمال الدين الأفغانى: " لقد علمتنا التجارب أن المقلدين من كل أمة المنتحلين أطوار غيرها يكونون فيها منافذ لتطرق الأعداء إليها وطلائع الجيوش الغالبين وأرباب الغارات يمهدون لهم السبى ويفتحون الأبواب ثم يثبتون أقدامهم". ما قاله الأفغانى هو ما فعله العلمانيون طوال تاريخهم، وهاهم يواصلون دورهم المشبوه فى دعم الانقلاب الدموى الغاشم من أجل مصالحهم أسيادهم فى واشنطن وتل أبيب وترسيخًا للتبعية المقيتة التى عانينا منها عقودًا طويلة. أما العسكر فقد قاموا بحماية هذه العلمانية وفرضوها بالقوة فى بلاد المسلمين. والسؤال المحير هنا لماذا بعد خروج الاحتلال من بلادنا تولى العسكر الحكم فى معظم هذه البلاد؟. لقد سعى العسكر بالوكالة عن الغرب فى القضاء على الحركات الإسلامية فى مصر وتونس والجزائر وليبيا وتركيا وباكستان وغيرها ولم يحققوا ديمقراطية أو تقدمًا من أى نوع سواءً كان سياسيًا أو اقتصاديًا أو علميًا أو عسكريًا. بل اقترن ذلك الحكم بالتخلف والاستبداد والقهر والتبعية. فهاهو جمال عبد الناصر يتسلم البلاد بعد انقلاب يوليو 1952 ثم يتنازل عن ثلثى مساحتها بعد ما وافق على فصل السودان عن مصر ثم سلم سيناء وغزة إلى الصهاينة (تسليم مفتاح) بعد هزيمة يونيو وأسس لدولة بوليسية قمعية قهرت الشعب وأذلته لمصلحة حفنة من العسكر. وهاهم العسكر يعودون من جديد فى أقبح صورهم بعد ثورة العزة والكرامة ثورة يناير التى أفرزت أول رئيس مدنى منتخب فى تاريخ مصر فينقلبون عليه ويقتلون المعارضين وينكلون بهم استمرارًا لفسادهم وحفاظًا على مصالحهم وخدمةً للمشروع الصهيوأمريكى الذى أعلن رضاه التام عن هذا الانقلاب الذى أطاح بالديمقراطية والعزة والكرامة، ولكن ذلك –بحول الله وقوته– سيتحطم على صخرة صمود هذا الشعب وإرادته القوية. العلمانيون الآن هم من يضعون دستور الانقلاب الذى يحاول أن يسلخ مصر من هويتها ويبيح الشذوذ والفواحش ويؤسس للاستبداد والقهر والقمع والفساد فى حماية ورعاية كاملة من العسكر. ___________________ إعلامى معتقل فى سجون الانقلاب