بمناسبة المؤتمر الذى عقدة منذ أيام رجال الأعمال الأتراك لاستفادة مصر من التجربة التركية فى نهضتها الاقتصادية نقول سياسياً بأن تركيا كانت بالإسلام دولة عظمى، ثم سقطت فى هوة الفساد والتخلف على يد العلمانيين، ولم تنهض إلا مؤخراً على يد الإسلاميين، وقد كانت هى دولة الخلافة العثمانية التى كانت مصر جزءاً منها، والتى ضمت لأملاكها أوروبا الشرقية واليونان وقبرص، ولذلك حمل لها الغرب كل الكراهية والعداء، لأنه لن ينسى أن السلطان مراد قد وصل إلى كوسوفا عام 1389، وأن السلطان محمد الفاتح قد فتح القسطنطينية عام 1453، وأن السلطان محمد الرابع قد وصل إلى أبواب «فيينا»، ويقول المؤرخ مكسيموس مونروند: «ظهر أمام أسوار مدينة فيينا ثلاثمائة ألف مسلم فارتعد سكانها خوفاً ومعهم أهالى أوروبا بأسرهم شملتهم الرجفة من هذا البحر العجاج من عساكر إسلامية»، وكان العثمانيون يريدون فتح أوروبا كلها والوصول إلى الأندلس لاستعادتها، ولكن السلطان سليم الأول أراد أن يصل إلى الأندلس بالطريق الشرقى ففتح الشام ومصر والمغرب ووصل فعلاً بأسطوله إلى شواطئ الأندلس، ولذلك أعلن الغرب العداء للدولة العثمانية وشنع عليها بأنها استبداد واحتلال، وشجعوا تأجيج القومية العربية كمعادٍ للوحدة الإسلامية حتى أنهم استمالوا «حسين» شريف مكة ووعدوه بتنصيبه ملكًا على العرب ليحارب فى صفوفهم ضد الدولة العثمانية فى الحرب العالمية الأولى، لكنهم ضحكوا عليه وانتهى أمره بالنفى إلى قبرص، حيث أصابه الجنون والموت ولم يهدأ الغرب إلا بهزيمة الدولة العثمانية وتقطيع أوصالها بتقسيمها للشام إلى دويلات صغيرة، وذلك فى مؤامرة أو اتفاقية «سايكس بيكو» بين إنجلترا وفرنسا، حيث وضعونا تحت الاحتلال والانتداب، وسلموا فلسطين لليهود بعد أن كان السلطان عبد الحميد قد رفض ذلك رغم عرضهم عليه الأموال، قائلاً لزعيمهم «هرتزل»: «إن فلسطين ليست ملك يمينى بل ملك شعبى، وإذا مزقت إمبراطوريتى فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن أما وأنا حى فهذا أمر لا يكون»، وساعدهم «كمال أتاتورك» لأنه كان يهرب من أمام الحلفاء ليفسح لهم الطريق، ثم أعلن إلغاء الخلافة عام 1924، وأن تركيا دولة علمانية بلا إسلام، وألغى الحروف العربية التى كانت تكتب بها اللغة التركية واستبدلها بالحروف الإفرنجية، وأعلن شعاره «غرب دوغرو» أى الاتجاه ناحية الغرب مضللاً شعبه بأنه يريد تحقيق التقدم والنهضة، وأجج النعرة القومية، ولكن لم يحدث أى تقدم أو نهضة فى تركيا إلا فى السنوات العشر الأخيرة حين عاد الحكم إلى الإسلاميين بعد أن كان الجيش يسيطر على الحكم ويحمى العلمانية مما يسميه بالخطر أو العدو الإسلامى، وظلت تركيا تسير فى ركب التخلف والفساد والتبعية للغرب حوالى ثمانين عاماً، ثم جاء «أربكان» زعيم حزب « الرفاة» الإسلامى رئيساً اختاره الشعب عام 1970، ولكن كان يشارك فى الحكم بشمسلورد العلمانية التى كانت متهمة بقضية فساد، ومع ذلك هب الجيش وحل حزب «الرفاة» وأغلقه سنة 1971 بأمر المحكمة الدستورية العليا، وسجنوا «أربكان»، ثم جاءت الصدمة الكبرى بهزيمة العلمانيين أخيراً، حين فاز حزب «العدالة والتنمية» الإسلامى وانتخب الشعب «أردوغان» رئيساً للوزراء، وانتخبوا «جول» رئيساً للجمهورية، ولم يقل أحد إن الإسلاميين قاموا بالتكويش وأسلمة الدولة، وإنما حققت تركيا زيادة فى الإنتاج وزيادة فى دخل الفرد ثلاث مرات، وزيادة فى القوة العسكرية والسياسية للدولة، وكل ذلك بفضل الأيدى الإسلامية المتوضئة الطاهرة التى لم تنهب تركيا، وإنما أحدثت بها التقدم والنهضة، وذلك بعكس ما فعله العلمانيون من نهب وفساد وتبعية للغرب وتخلف، لقد كانت تركيا العثمانية أقوى دولة فى العالم حين كانت ترفع راية الإسلام، ثم انحدرت حين رفعت راية العلمانية، ولكنها الآن تستعيد مجدها حين عادت لترفع راية الإسلام، وهذه هى الدروس المستفادة من تركيا.