الكون الذى نعيش فيه لا يحكمه فى الحقيقة إلا الله عز وجل، ولا يشترك معه أحد فى حكمه: {وَلَا يُشْرِكُ فِى حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف: 26]. وهو وحده الذى يدبر أمر هذا الكون: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ} [الروم: 25]. وعنده خزائن كل شىء: {وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ} [الحجر: 21]. فالقوة من عنده: {لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} [الكهف: 39] والنصر من عنده: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ} [الأنفال: 10]. أحاط بكل شىء علما وقدرة وتدبيرا: {إِنَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ مُحِيطٌ} [فصلت: 54] نواصى العباد كلها بيده: {مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} [هود: 56] ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ} [فاطر: 2]. هذه الحقائق ينبغى دوام التذكير بها، وبخاصة هذه الأيام، ونحن نعيش فى محنة وكرب شديد، لعلها تدفعنا نحو التعلق والاعتصام التام به سبحانه، وعمل كل ما يمكن عمله لاسترضائه، واستجلاب نصره بإذنه ومشيئته، فهو الوحيد القادر على كشف ما حاق بنا من ضر وبلوى: {قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ} [الأنعام: 64]. ولقد كثر الحديث عن الأسباب المادية والوسائل العملية لمجابهة ما حدث من زلزال وانقلاب، ونحسبه حديثا وافيا بعون الله، لكنه يحتاج إلى ربطه الدائم بضرورة الأخذ بالأسباب المعنوية وأعمالها التى لا تقل أهمية - بل تزيد - فى استجلاب النصر بإذن الله. وفى هذه الأسطر سيتم بأمر الله التعرف على أهم تلك الأعمال التى ينبغى القيام بها بصورة عاجلة، والتى من شأنها بعون الله أن تضعنا فى الطريق الصحيح للتعرض لنفحات الله ورحماته ونصره وتأييده، وهى على صورة عشر وصايا، علينا أن نجتهد فى التحقق بها وبغيرها من الأسباب المعنوية والمادية، وأن نتواصى بها، ويتابع بعضُنا بعضاً فى القيام بها. الوصية الأولى الصبر وعدم اليأس احذر أخى اليأس والإحباط، ولا تستجب لخطرات النفس بأنه لا جدوى ولا فائدة مما نفعله أو سنفعله بإذن الله، ولا تخدعنك الحسابات المادية التى تكشف أن كل الأدوات مع الطرف الآخر، وليس معنا شىء سوى هذا الجهد الذى يبذل والأصوات التى تهتف بعودة الشرعية. إن التفكير بطريقة الحسابات المادية يتعارض مع مقتضيات الإيمان بأن الله وحدَه هو من يدبر أمر هذا الكون، وأنه هو الذى يخفض ويرفع، ويقدم ويؤخر، ويقبض ويبسط، ويعز ويذل: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِى الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شىء قَدِيرٌ} [آل عمران: 26]. فلا يعلم الغيب إلا الله: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216] ولا يملك خزائن النصر سواه: {إِن يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ} [آل عمران: 160]. وهو سبحانه يريد منا إخلاص التوجه والاستعانة به، واستفراغ الوسع فيما هو متاح أمامنا من أسباب وإن كانت يسيرة. يريد أن يرى منا الرغبة الصادقة فى الثبات والتضحية وبذل ما فى الوسع من أجله، وهذا هو ما نصح به الرجلان من بنى إسرائيل لقومهما عندما رأيا منهم جبنا وتخاذلا عن دخول الأرض المقدسة: {قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 23]. وهو ما جهرت به القلة الباقية التى ثبتها الله عز وجل مع طالوت عندما خاف غيرهم من مواجهة جيش جالوت الكبير، فقالوا: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 249]. وظل هذا التعلق بالله مع قلة الأسباب أثناء المعركة: {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 250] فكانت النهاية السعيدة.. جاءت تؤكد تلك الحقيقة: {فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ} [البقرة: 251]. لقد قتل "الفتى" داود قائد جيشهم "العملاق" جالوت بشىء يسير: بحجر رماه بمقلاعه فجعله الله سببا فى قتله: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17] فهل بعد ذلك تستصغر ما تقوم به؟ إياك أخى من السماح لليأس والإحباط أن يتسربا إليك: {لَا تَدْرِى لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1]. ولنعلم جميعا أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200]. ولئن نالوا منا اليوم، فلا ينبغى أن يضعف ذلك ثقتنا فى وعد الله، فإلى الله يُرجع الأمر كله: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِى نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [غافر: 77]. ولقد وعد سبحانه بالانتقام من المجرمين: {إنَّا مِنَ المُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} [السجدة: 22] ونحن فى انتظار فعله فى هؤلاء الذين أجرموا وتجبروا وقتلوا وحرقوا: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ} [الدخان: 22].