مع نزيف الدماء الطاهرة المتواصل على أيدي الانقلابيين القتلة، واستمرار الحراك الثوري المتصاعد بقوة، تستوجب المرحلة الثورية، وهي تقترب من إسدال الستار على المخطط الانقلابي الإرهابي، إلى وعي ثوري يعلو ولا يعلى عليه، يحدد المسار ما بعد إسقاط الانقلاب، ويحبط أية محاولة جديدة للعبث بالمشهد والوقيعة، ويؤكد استعادة ثورة 25 يناير بكافة مكتسباتها "عيش..حرية.. شرعية.. كرامة إنسانية.. عدالة اجتماعية". إن ثورتنا تحمل الخير للوطن ومؤسساته، سواء المؤسسة العسكرية الأمنية أو المؤسسة القضائية، أو المؤسسات المنتخبة، وهي ثورة إنقاذ وتحرر وعدل يستفيد منها من أخطأ، ومن ثبت على الصواب رغم شيطنته، بقصاص يهب الحياة والراحة، وبتصحيح يقر مسارا ثوريا تجميعيا وطنيا، وبثوابت تمنع الزلل والخطيئة والخيانة مجددا. وبناء عليه فإن دخول الحكماء والمفكرين بأفكار سياسية تسبق المسار الثوري واستقرار مطالب الثورة، يعيدنا إلى خطأ 11 فبراير 2011، بترك المسار الثوري، لصالح المسار السياسي الديمقراطي الخادم للثورة وهو ما ثبت عدم حسمه وسهولة حصاره، وبالتالي فلابد أن تكون "الثورة أولاً"، والحديث عن أن يكون المسارين متوازيين نعتقد في صعوبته حالياً، خاصة في ظل أجواء سياسية غير مواتية بين شركاء ميدان 25 يناير، وإن كان حدوثه ليس مستحيلا إذا توافرت الأجواء واندحرت الأهواء. وليس هذا استبعادا للحل السياسي الذي يبحث عنه قصار النفس الآن قبل الحسم الثوري، ولكن نحن نسير في مسار ثوري واضح بإسقاط الانقلاب وعودة الشرعية لتكون قائدة للثورة تستكمل ما توقف غدرا في 11 فبراير 2011، مع ملاحظة أن تكون العودة كاملة بشراكة سياسية في السلطة التنفيذية قد تكون انتقالية وقد تكون استراتيجية بين التحالف القائد أو من ينضم للشراكة في وجود الرئيس المنتخب. إن إسقاط الانقلاب العسكري الدموي دون عودة الشرعية الدستورية كاملة، لن ينجز شيئا حقيقيا وسيجعلنا ندور في حلقة مفرغة مثله تماما كمثل عودة الشرعية الدستورية بعد إسقاط الانقلاب دون شراكة سياسية حقيقية ومحاسبة القتلة والتزام ثوري ومصالحة شاملة، والوطن في كل الحالات لا يحتاج سوي مزيد من الحزم الثوري والإبداع السياسي والحشد الشعبي المستنفر حتى إتمام النصر الكامل. وهنا يجب ألا يشغلنا في تصعيدنا الثوري كثيرا عاشقو حياة العبيد ومحبو الظلم، هذه الفئة الباغية على نفسها، ولا ينبغي أن نضعها في أكثر من حجمها الطبيعي، فهي مع من غلب، تتمرغ في ترابه، وتضع خدها تحت مداسه، وهم في نهاية المطاف صفر على الشمال قد يتغير في وقت ما ويصبح علي اليمين بإرادة الله عز وجل وحده. كما ينبغي الحذر من مستنقعات الخيانة والهاربين من المركب في الساعات الأخيرة، فالخائن لا يخون مرة واحدة ومن باع مرة يبيع ثانية، والمسألة ليست مسألة السيسي وحده، وإنما مسألة السيسي وعصابته، من انقلب معه ومن عاونه سواء ارتدى زيا عسكريا أو مدنيا أو دينيا، ذلك حكم القانون والثورات، وقد نستفيد من خلافات السيسي مع معسكره وتوابعها، ولكن ينبغي أن تكون الصورة واضحة وهي أنه تحت أي ظرف من الظروف فإن مصر دولة مدنية حديثة دستورية ديمقراطية، وأن ثورة 25 يناير ومكتسباتها هي المظلة الوطنية الجامعة، وأن إرادة الشعب غالبة. ويلزم أن نشير إلى أن مسألة حسم النصر على الانقلاب في ضوء التجارب النضالية المماثلة والوضع المصري الذي قد يصنع تجربة جديدة، هي مسألة وقت فحسب، خاصة أن مظاهر الانتصار تتزايد يوميا أفقيا ورأسيا، في انتظار تسجيل الحسم الكامل، ولكن يجب أن نعلم جميعا أن النصر له تبعاته، كما للانقلاب أخطاره، ونحن قادرون عليها بإذن الله. إن المعادلة الثورية التي تشكلت من واقع المرارة على الأرض لما يزيد عن عامين ونصف، تنطق وتقول لجميع الأحرار في مصر إن الحسم الكامل يساوي الاستقرار الدائم، وأن النفس الطويل يمنحنا الإرادة الكاملة، وأن الخارطة الواضحة تقودنا لانتصار تام وحاسم، وكل ذلك لن يتم إلا بوعي ثوري يحرس الثوار الأحرار. وعلى ذلك، فإن تجهيز المبادرات لما بعد إسقاط الانقلاب، يجب أن يراعي هذه الأبعاد، وألا تضع في حسبانها أي شيء، سوى وضع برنامج واضح، يمثل صماما لأمن وأمان الوطن والمواطن تحت ظلال الكرامة والعزة، ويحافظ على الحشود الثائرة في مواصلة الغضب الداعم للحسم، ويرسخ للثورة المجيدة في جذور التربة المصرية، ويوفي الوعد للشهداء والمصابين والمعتقلين والوطن المفدى، ويرد الجميل للصابرين. _____________________ منسق حركة "صحفيون من أجل الإصلاح"