عالِم.. وخطيب.. وقارئ ومحفظ لكتاب الله.. محطاتٌ تلو الأخرى.. وفي كل محطة وقفات ووقفات.. ومعينٌ لا ينضب من العطاء والإخلاص, هو الشيخ محمد السيد عوض، من مواليد 27 نوفمبر 1967، بكفر حجازي، التابعة للمحلة الكبرى، بمحافظة الغربية, حاصل علي الليسانس في الشريعة الإسلامية، من كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر فرع طنطا، وكذلك الليسانس في علوم القرآن من كلية القران الكريم للقراءات وعلومها، جامعة الأزهر فرع طنطا، إضافة إلي شهادة التخصص في القراءات من معهد قراءات طنطا الأزهري. حائز علي "إجازات في القراءة والإقراء برواية حفص عن عاصم من أعلى القراء إسناداً، علي يد العلامة المرحوم الشيخ محمود أمين طنطاوي- رئيس لجنة تصحيح المصاحف بالأزهر سابقا, والعلامة الشيخ عبد الفتاح مدكور وغيرهم. يعمل محفظاً للقرآن الكريم بمديرية أوقاف الغربية, وعضو مقرأة مسجد أبي موسي الشهير, وخطيب بالجمعية الشرعية بالمحلة الكبري. ويعرف عن الشيخ عوض تدريسه وتعليمه لقراءات القرآن الكريم، ويأتى إليه الناس من كل مكان للحصول على الإجازة فى قراءة القرآن الكريم, وقال عنه أهالي البلدة إنه يشبه الشيخ الشهيد أحمد ياسين مؤسس حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، في همته وصبره علي الدعوة، رغم إصابته بالشلل الرباعي، وتواجده الدائم في كافة الفعاليات التي تقام ضد الانقلاب العسكري. نال كل هذه العلوم رُغم أنه "قعيد" الفراش يتحرك علي كرسي متحرك لإصابته بالشلل الرباعي, غير أن كل هذا لم يشفع له عند سلطات الانقلاب الغاشم الذي دبر له المكائد، بداية من تحريض بلطجية الداخلية للإعتداء عليه، ثم اقتياده إلى مركز الشرطة ليجد نفسه معتقلاً، بتهم معدة مسبقاً، منها "قلب نظام الحكم"، وقتل لواء شرطة!!، وتُهم أخري عديدة, انتقاماً منه لأنه صعد منصة رابعة العدوية منددا بالانقلاب الغاشم, ومؤيداً للشرعية, مطالباً بعودة الدكتور محمد مرسي الرئيس الشرعي المنتخب لحكم البلاد. مزيد من التفاصيل في نص الحوار: * في البداية، ما هي الظروف التي أدت إلى اعتقالك؟ ** موضوع اعتقالي يرجع إلي فترة اعتصامي برابعة العدوية، والكلمة التي ألقيتها من علي المنصة, فقد بلغني وأنا معتصم هناك أن الفلول والبلطجية- وبضوء أخضر من أمن الدولة- أزعجهم اعتصامي وكلمتي، لأن ذلك كان سببا في إقبال الكثيرين من أهل القرية على المشاركة في الاعتصام, ولذلك فقد عزموا -عند عودتي للبلدة- على منعي من دخول مسجد خالد بن الوليد، الذي أعمل فيه منذ أكثر من 20 عامًا، وهو ما حدث بالفعل. فقد حاول أحد البلطجية منعي من دخول المسجد يوم السابع عشر من أغسطس الماضي، فتصدى له بعض الأهالي وصرفوه عني، وواصلت ممارسة عملي حتي كان يوم الخامس من سبتمبر الماضي، حيث فوجئت بقرار من إدرة أوقاف جنوب المحلة، التي أتبعها، بنقلي من المسجد المجاور لبيتي، والذي به دورة مياه خاصة بي لظروفي الخاصة، الي مسجد السنية، وهو بإطراف القرية وبعيد عني كثيرا, ولما حاولت إثناء الإدارة عن هذا القرار أخبرت بأن هذا القرار تم بناء علي تعليمات من المديرية، ولا رجعة عنه, فنفذت النقل ألي مسجد السنية وأنا مرغم. * وكيف كان استقبالك من الأهالي في المسجد الجديد؟ ** قُوبلت بترحاب شديد عند دخولي المسجد، ولكن بعد أن علم البعض بوجودي حضر بعض الفلول من أتباع المخلوع مبارك لإمام المسجد، وأخبروه بأن وجودى غير مرغوب فيه، فأخرج لهم جواب إدارة الأوقاف، وقال لهم المعترض يذهب إلى هناك، فهو موجود بالمسجد بناء على نقل رسمي. * وماذا حدث بعد ذلك؟ في يوم السبت السابع من سبتمبر، وأثناء قيامى "بالتسميع" لما تم حفظه من بعض الطلبة، دخل على المسجد أحدهم، وحاول طردى من المسجد، ومنعى من ممارسة عملى الرسمي، فصرفه بعض الحاضرين عني، وكان ذلك قبل صلاة الظهر، وبعد الصلاة بحوالي ساعتين سمعتُ أصواتاً عالية خارج المسجد، ثم فوجئت بدخول أحد الفلول عليّ ووراءه عدد كبير من أتباعه، من الرجال والنساء، وطلبوا منى مغادرة المسجد فوراًً، وإلا سأتعرض للضرب. وبالفعل قاموا بالاعتداء علىٌ بالسب والضرب المبرح, فقام بعض من فى المسجد برفعى من الأرض ووضعونى على الكرسى المتحرك الذى أستعمله، وأخرجونى من المسجد، محاولين حمايتى من هؤلاء البلطجية, ولكن للأسف كان الضرب خارج المسجد أشد وأقوى من داخله, فحاول الناس "تخليصي" من أيديهم دون جدوى، وفى نهاية المطاف أدخلونى بيتا مجاوراً للمسجد وأغلقوا على بوابته. فقمت بالاتصال ببعض أقاربى للاتصال بالشرطة– لنجدتي- من هؤلاء الذين شرعوا فى محاوله كسر البوابة التي أحتمي خلفها، للدخول والتعدي عليٌ بالضرب مرة أخري, لكنهم لم يفلحوا, وظللت داخل هذا البيت قرابة الساعة، وسمعتُ هتافات هؤلاء المجرمين خارج البيت، يهتفون: "سيسى سيسى يحيا السيسى"، وعرفتُ بعد ذلك أن هذا الهتاف كان ترحيباً بالشرطة التى من المفترض أنها أتت لتخليصى منهم ولحمايتى. فإذا برجالها الأشاوس يخرجونى من البيت، ووضعوني في سيارة الشرطة، واتجهوا بي إلى مركز شرطة المحلة الكبرى, حيث تم احتجازى بالمركز، ومكثت هناك ليلة، وظهر اليوم التالي الأحد تم ترحيلى إلى مجمع المحاكم بالمحلة الكبرى، حيث تم عرضى على النيابة– ليس بوصفي مجنى ومعتدى عليه- ولكن وجهت لى النيابة العامة تهم التعدي علي الجناة بالضرب والسباب، وأنا قعيد على كرسي متحرك!!. وبعد العرض قررت النيابة استمرار حبسي حتي وصول تحريات الشرطة في اليوم التالى, والتي أفادت بأننى عضو نشط في جماعة الأخوان المسلمين ومشارك في اعتصام رابعة العدوية، وخطر على الأمن القومى والسلم الاجتماعى!, وبناء عليه قررت النيابه حبسى احتياطياً 15يوماً، وعدت الى المركز، وبعد ساعتين تم ترحيلى إلى سجن معسكر قوات الأمن بطنطا، حيث مكثت فيه حوالى أسبوع قبل ترحيلى إلى سجن طنطا العمومي، والذي مكثت به حتى إخلاء سبيلى فى الخامس والعشرين من سبتمبر الماضي. * وماهي التهم التى وجهت إليك؟ ** ما لا يخطر علي بال أحد، أو يصدقه، أن أبرز هذه التهم كانت " كتابة عبارات ضد الجيش، وتوزيعها، والأعجب من ذلك الضلوع فى قتل اللواء شرطة "عبد الحميد غباره"، والذي قتل فى الصعيد منذ أكثر من 15 عاما, بالإضافة إلي نفس التهم التى توجه لجميع سجناء الرأى فى مصر وهي: "الانتماء لجماعة محظورة, والتحريض على الجيش والشرطة و...إلخ. * حدثنا عما جرى في تحقيقات النيابة؟ ** بالنسبة للتهم الموجهه إلىٌ كانت عبارة عن سؤالين سبق الإشارة اليهما، ولكن للأسف حتى الآن لم يتم اتخاذ أى إجراء بشأن من قمت باتهامهم بالأعتداء عليّ، وتم عرض طلب أمام وكيل النيابه لسماع شهود واقعه الاعتداء عليٌ، وأصر على تأخير عرض الطلب لاحقا، وبالنسبة لصدور قرار حبسى من النائب العام فإنه لم يصدر مباشرة من وكيل النيابه الذى قام بالتحقيق معي، وصرح بأنه منتظر تعليمات بالقرار وأنه لايملك من الأمر شيئا. * وكيف كانت معاملتك داخل السجن؟ ** ليس أفضل حالاً من غيري، حيث احتجزت فى 4 أماكن حجز مختلفة، كان أولها مركز المحلة الكبري وهو سئ وردئ للغاية، حيث يعج بالمتهمين في جميع القضايا الجنائية والآداب وخلافه، واحتجزت فيه 4 أيام، حتى صدور قرار حبسى 15 يومًا، وقد رأيت فيه المعاناة بجميع أشكالها المختلفة، نظرا لظروفى الخاصة "كقعيد علي كرسي متحرك" بالإضافة إلي ظروفى الصحية الحرجة، حيث أعاني من- ذبحة صدرية وضيق في التنفس- والجنائين بدون مبالغة لايكفون عن التدخين والمعاملة السيئة ليٌ، فى هذا المكان الذي لم يرحمني فيه أحد. وأثناء ترحيلى من المركز إلى مجمع المحاكم أصر الضابط على القيام بوضع "الكلابش" فى يدى والكرسى المتحرك, والأدهي من ذلك عند الوصول إلى مجمع المحاكم أصر الضابط أيضاً على صعودى للعرض علي النيابه بالدور السابع من خلال السلم الخلفى وليس من خلال المصعد مما أصابنى بنوبة من الإعياء الشديد، فشكوت ذلك إلى وكيل النيابه الذي أمر بإنزالى من خلال المصعد. المكان الثانى كان سجن قوات أمن الغربيةبطنطا، والذي كان فيه معامله شبه إنسانية من القائمين عليه، إلا أن المكان أيضا كان سيئاً، ولايتسع لأكثر من 7 أفراد، ومع هذا كان العدد يصل بهذه الزنزانة إلى 9 أفراد، ناهيك عن أنها سيئة التهوية، ونتيجه لعدم إصلاح الجدران والأرضيات فهى مليئة بالصراصير والحشرات التى انقرضت من عشرات السنين "كالبق والبراغيث وغيرها من القوارض, لذلك عانيت هناك "الأمرين"، بسبب ذلك، وكم أصيب زملائى فيها بنزلات حمى شديده الواحد تلو الآخر، دون مراعاة لأي ظروف إنسانية. أما المكان الثالث الذي تم حجزي به فقد كان سجن طنطا العمومى، الذي لافرق فى المعاملة فيه بين جنائي وسياسي- ولايصلح لإقامة آدمين مطلقاً- ولا يمكن أبداً أن يكون مطابقاً للمواصفات الدولية للسجون, فالزنزانة مساحتها حوالى 2 متر في 3 أمتار، ولا تتسع لأكثر من 3 أفراد، وتستخدم للجنائيين، أما نحن فقد كان يُسكن بالزنزانة من 7 – 9 أفراد، ولايتم فتح الزنزانة لدخول الحمامات إلا فى الساعة 7 صباحا، ولمدة ساعة واحدة، والمرة الثانية في الواحدة والنصف بعد الظهر ولمدة ساعة أيضًا– وهي لا تكفي بحال من الأحوال لاستيعاب جميع المساجين وظروفهم الصحية. ولا يتم الفتح بعد ذلك مطلقاً، ويوجد بالزنزانه برميل يتم فيه الوضوء و"التبول" واذا احتاج إنسان إلى التغوط فأنه يقوم بذلك فى كيس بلاستك– داخل الزنزانة وأمام الجميع- ويحتفظ به حتى الصباح, وفى يوم الجمعه نُمنع من الحمام لمده 23 ساعة، حيث لانخرج للحمام إلا فى السابعة صباحا، ولمدة ساعة فقط. أما المكان الرابع الذي تم حجزي به فكان قسم ثانى طنطا للترحيلات حيث أكرمنى الله فلم أمكث فيه سوى وقت يسير ثم رحلت منه الى مركز المحلة الكبرى. * وماذا عن زيارات الأهل والأقارب داخل السجن؟ ** لم تختلف المعاملة كثيراً، فالزيارات أيضاً فيها تعنت للغاية، حيث تتم من خلف الأسلاك، ولمدة دقائق معدودة, وبالنسبة لظروفي الخاصة فقد كنت أعامل كما يعامل أى سجين دون مراعاة لظروفى الصحية، سواء فى السجن أو فى سيارة الترحيلات، حيث كنت أعانى معاناه شديده والحمد لله على كل حال. والحق ان وكيل النيابه كان رجلا محترما، حيث دون كل ما تحدثتُ به من أقوال وحرر شكواى بمنتهى الإنصاف والشفافية. * وكيف تم الافراج عنك وهل تم على ذمة قضية أم لا ؟ ** فى العرض الأول على النيابة تم صدور قرار من النائب العام بحبسى لمدة 15يوم حبساً إحتياطيا، وفى موعد التجديد تم إصدار قرار مماثل بحبسى 15 يومًا أخرى، وتم عمل استئناف للقرار في اليوم التالي, فقررت المحكمة إخلاء سبيلي بضمان مالي قدره خمسة آلاف جنيه، وفور صدور القرار تم استئنافه من النيابة، وكما تعلم فهو إجراء باطل، وتم تحديد جلسة لعرضي على دائرة أخرى، حيث تم عرضي على قاضي دائرة الجنايات، والذي قرر تأييد قرار الإخلاء بنفس الكفالة، والحمد لله علي كل حال. * وماذا تنوي بعد هذه المحنة؟ هل ستكمل الطريق أم ستتوقف؟ ** في الحقيقة المحنة لم تنته بخروجي من السجن، وإنما بدأت، لأن انتهاءها سيكون "بإذن الله تعالي" يوم أن تخرج مصر كلها من "السجن الكبير" الذي تعيش فيه، ولن يكون ذلك إلا بكسر الانقلاب, ولن يتم ذلك إلا بأيدي وسواعد الشباب الحر، الذي يرفض الذل والهوان، ونحن "إن شاء الله تعالى" ثائرون علي طريق الحق، عازمون علي استرداد الشرعية - جنوداً تحت لواء "التحالف الوطني لدعم الشرعية وكسر الانقلاب"، في كل ما يأمرنا به من مواصلة الفاعليات والتصعيد السلمي حتي يقصم اللهُ ظهر الانقلاب والانقلابيين جميعاً، ومن عاونهم في الداخل والخارج. * في ضوء كونك حافظاً ومعلماً للقرآن.. كيف ترى الوضع في مصر الآن بعد مرور حوالي 100 يوم من الكفاح ضد الانقلاب؟ ** الشواهد كلها تؤكد أن الانقلاب لا محالة إلى زوال، والمسألة مسألة وقت، وإصرار وصبر، وكل يوم يبدع الشعب في المقاومة إبداعات ترهق الانقلابيين، ولعل آخرها كان وصول المظاهرات إلى ميدان التحرير للمرة الأولى منذ اختطاف الرئيس الشرعي المنتخب الدكتور محمد مرسي، وأظن أن هناك الجديد دائمًاً كل يوم، حتي النصر والاحتفال بعودة الشرعية والرئيس مرسي لحكم البلاد، إن شاء الله تعالي, و"مكملين". * وبماذا تنصح الشباب؟ ** رسالة أوجهها من خلال منبركم المبارك "الحرية والعدالة"، لكل شاب حرٌ أبيٌ يرفض الاستعباد في دولة الفساد مرة أخرى على يد زبانية حبيب العادلي, أدعوهم إلي مواصلة الكفاح السلمي، لأن "سلميتنا أقوى من الرصاص"، كما أوصيهم بعدم الانجرار إلى العنف، مهما كانت الظروف، التزاما بآخر وصايا الرئيس "مرسي"، وإن شاء الله لغالبون، كما وعدناً الله تعالى في كتابه العزيز بنصرٍ من عنده قريب.