في منتصف سبتمبر 2017م، أدلى إمام الحرم المكي عبد الرحمن السديس بتصريحات صادمة لقناة الإخبارية السعودية، على هامش مؤتمر نظمته رابطة العالم الإسلامي في نيويورك، حيث قال “إن السعودية والولايات المتحدة هما قطبا هذا العالم ويقودانه إلى الأمن والاستقرار”. ولم يكتف السديس بذلك، بل دعا للرئيس الأمريكي دونالد ترامب والملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بالتوفيق في خطواتهما، لما يقدمانه للعالم والإنسانية، وفق تعبيره!. وحاليًا، تبدو العلاقات بين النظام السعودي وحكومة الاحتلال الصهيوني على أفضل ما يرام، لدرجة جعلت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتحدى العالم والمجتمع الأمريكي كله من أجل إنقاذ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من جريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي التي أمر بها وأرسل فريق الموت لتنفيذها. ولتبرير هذا الموقف غير الأخلاقي، قال ترامب إن السعودية تقدم خدمات كثيرة لإسرائيل، ولولا الرياض لكانت “إسرائيل” الآن في ورطة!.. هل تريد لإسرائيل أن تنتهي وتزول؟!. الحكومة السعودية من جانبها، بمسئوليها وإعلامها، لم يصدر عنهم أي تكذيب لهذه التصريحات الصادمة. إنه اتهام واضح بالخيانة والعمالة للاحتلال الإسرائيلي، لكن يبدو أن النظام السعودي حريص كل الحرص على إظهار هذا الدور المشبوه واعتباره إنجازا يستوجب حماية ولي العهد من جريمة وحشية يندى لها جبين الإنسانية، فمتى يدعو السديس لنتنياهو بأن يسدد الله خطاه مع ولي العهد وأركان الحكومة السعودية؟!. . ويبدو أن العائلة المالكة في السعودية قد توصلت إلى كلمة السر من أجل ضمان البقاء في السلطة، على الرغم من كوارثها، وهم يسيرون على الطريق نفسه الذي سار عليه الرئيس الراحل أنور السادات وخليفته حسني مبارك، ويمكن تلخيصه في الشعار “الطريق إلى واشنطن يمر عبر تل أبيب”. في الوقت نفسه، يقوم الأمير تركي الفيصل بجولة لتحسين سمعة ولي العهد السعودي في واشنطن، وهو أحد العرّابين الأساسيين للعلاقات السعودية– الإسرائيلية، ولم يعد يخجل من ذلك، بل يعتبره إنجازا يضاف لسجل إنجازاته في خدمة السديريين. وقد قال لوكالة أسوشيتد برس إن “بن سلمان جاء إلى السلطة ليبقى”، ويطالب بمحاسبة وكالة المخابرات الأمريكية على تسريبها الذي أكدت فيه مسئولية بن سلمان عن مقتل خاشقجي. تصريحات ترامب فضحت التطبيع الخفي بين الرياض وتل أبيب، وتحديدا بين بن سلمان ورئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو. ويبدو أن ما أذيع عن لقاء جمعهما مع ملك الأردن في العقبة الصيف الماضي كان صحيحا، وهو أمر لا يمكن استبعاده في ظل سعي بن سلمان إلى ضمان العرش بأي ثمن. ولذلك لم يكن غريبا أن يتبنى خطاب إسرائيل بشأن القضية الفلسطينية ولوم الفلسطينيين عن عدم التوصل إلى حل حتى الآن. ومن أجل ضمان أمن الكيان الصهيوني، أجرى وفد إنجيلي أمريكي ينتمي إلى اليمين المتطرف زيارة إلى الرياض، والتقى بن سلمان بعد جريمة خاشجقي بأسبوعين، مؤكدين دعمهم لولي العهد، مثمّنين دوره في حماية “إسرائيل”، ولهذه الزيارة أهمية كبرى إذا علمنا أنها ضمت قيادات دينية تنتمي إلى اليمين المتطرف، ولهم تأثير واسع على الإدارة الأمريكية ونفوذ على عدد من اللوبيات ذات النفوذ العريض، كما أن هذا الوفد هو من يقوم بزيارات مماثلة لكل من أبو ظبي والقاهرة لدعم بن زايد والسيسي وتحالف الثورات المضادة. بالمقابل فإن نتنياهو مارس عبر لوبياته في واشنطن ضغوطا من أجل ضمان حماية الإدارة الأمريكية لولي العهد السعودي، وصرح بأن استقرار السعودية هو استقرار للمنطقة، في تأكيد على ما تقوم به الرياض من أدوار صادمة لخدمة الكيان الصهيوني على حساب الإسلام والمسلمين والعرب والعروبة. المثير أيضا أن ما تسمى بالنخبة السعودية التزمت الصمت حيال دفاع كل من ترامب ونتنياهو عن نظامهم وولي عهدهم، ولم ينطق شيوخ السلفية هناك ولا الوهابية ولا شيوخ السلطة بأي شيء ينتقد تأثير هذه السياسات على صورة وسمعة بلاد الحرمين. ويبدو أن مشايخهم لا يجيدون سوى الدعاء لحكامهم حتى لو خانوا الأمانة ولأعداء الأمة مثل ترامب ونتنياهو!، فمتى يدعو السديس لرئيس حكومة الاحتلال كما فعل من قبل مع ترامب؟!.