اليوم وبعد مرور شهرين على جريمة الانقلاب التي قامت بها عصابة الجنرالات وحلفاؤهم في الداخل والخارج، يتضح لكل من كانت تساورهم الشكوك أو انخدعوا بالمسوغات التي صاغها الانقلابيون عبر إعلامهم الأسود لتبرير وتمرير اغتصابهم للشرعية المنبثقة عن الإرادة الشعبية، بأن الانقلاب هو الارهاب، بخلاف ما تدعيه وتروج له سلطة الانقلاب عبر أبواقها الإعلامية الفاسدة بأنها تحارب الإرهاب ومحاولة إلصاقه بأنصار الشرعية من أجل كسب اعتراف المجتمع الدولي بعدما فشل الانقلابيون في كسب التأييد الشعبي داخليا. لقد دأبت الأنظمة الانقلابية التي تسعى إلى فرض رؤيتها على شعوبها بالحديد والنار، عبر كل العصور والأزمنة، إلى تقمص دور البطل الملهم المنقذ، الحامي للأوطان والديار من خطر العدو الداخلي والخارجي، وهذا ما أخبرنا به القرآن الكريم عندما سرد علينا قصة رمز الاستبداد والطغيان والفساد فرعون، وهو يطلب من قومه أن يعطوا له تفويضا بقتل رمز الحرية والكرامة والعدل وقائد المستضعفين موسى عليه السلام، متهما اياه بمحاولة تغيير دين بني إسرائيل وإشاعة الفساد في الارض، فقال سبحانه وتعالى: (وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد) (غافر: الآية 26). فإذا ما أسقطنا هذه الآية الكريمة على المشهد المصري، فإنه يتضح لكل عاقل حر منصف بأن فرعون مصر اليوم وحاشيته يقومون بنفس ما قام به زعيمهم في السابق من حيث الجوهر مع التنويع في الطرق والأساليب. فهل يعقل أن يُتهم بالإرهاب من وصل إلى سدة الحكم بإرادة شعبية، عبر استحقاقات انتخابية شهد بنزاهتها القاصي والداني. وهل يعقل أن يتهم بالإرهاب من أفرغت السجون في عهده من أي معتقل سياسي، وفتح مجالا للحريات الفردية والجماعية على مصراعيه لم تعرفه مصر لأزيد من ثلاثة عقود من حكم العلمانيين، فلا مصادرة للآراء ولا تكميم للأفواه ولا غلق لوسائل الاعلام بمختلف أنواعها وتوجهاتها، حتى تلك التي خاضت في عرضه وأخص خصوصياته احتكم إلى القضاء ليقتص له منها. وهل يعقل أن يُتهم بالإرهاب من لم يستخدم نفوذه في قمع المظاهرات والمسيرات وفض الاعتصامات، حتى مع أولئك الذين استخدموا القوة والعنف لاقتحام أحد رموز سيادة الدولة، مقر إقامة رئيس الجمهورية بقصر الاتحادية. وهل يعقل أن يُتهم بالإرهاب من لم يستخدم سلطته ويأمر أفراد الجيش والشرطة بحماية مقرات حزبه وجماعته من الحرق والنهب وقتل المتواجدين فيها من أنصاره. وهل يعقل أن يُتهم بالإرهاب من يتم اغتصاب شرعيته واختطاف رئيسه وارتكاب جرائم قتل بشعة في حق أنصاره على حد وصف رئيس حكومة الانقلاب، ثم يتم اعتقال كل رموزه وقياداته وأنصاره، بل حتى أولئك الذين ناصروا الانقلاب، ثم تجلت أمام أعينهم الخدعة فانضموا إلى صف الشرعية في ميادين الاعتصامات والمسيرات السلمية التي أصبحت فعلا أقوى من الرصاص، ليقولوا بملء أفواههم: الانقلاب هو الإرهاب.. الانقلاب هو الإرهاب. ____________________ مفكر جزائري، مدير مركز أمل الأمة للبحوث والدراسات، بالجزائر