في تصريحات يمكن وضعها في سياق التمهيد لإلغاء مجانية التعليم، طالب الدكتور طارق شوقي وزير التعليم بحكومة الانقلاب اليوم السبت 10 نوفمبر 2018م بضرورة إعادة النقاش حول مجانية التلعيم مدعيا أنها سبب تراجع التعليم في مصر! هذه التصريحات لا تأتي اعتباطا بل تتسق تماما مع توجيهات جنرال الانقلاب عبدالفتاح السيسي الذي كشف عن ذلك خلال مؤتمر الشباب الأول، في أكتوبر 2016، عندما قال إن دولا كثيرة نجحت في تجربة إلغاء مجانية التعليم، وتساءل: “هل أقدر أنا أعمل كده؟”، وعاد السيسي في ديسمبر 2016، لا ليتحدث عن مجانية التعليم وإنما ليضرب في أساس أهمية التعليم نفسه، وتساءل: “يعمل إيه التعليم في وطن ضايع؟” وترتسم علامات الاستفهام حول التلميحات الرسمية لإلغاء مجانية التعليم، وهي المجانية التي ظلت السلطات المتعاقبة في مصر تروج لها منذ بداية الخمسينيات باعتبارها أهم مكتسبات حرية يوليو 1952 التي قادها ضباط من الجيش، علما بأن الدستور ينص في المادة 19 على أن “التعليم حق لكل مواطن، وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة في مؤسسات الدولة التعليمية”. وزاد الوزير تحرشه بالمجانية اليوم خلال مشاركته أمام لجنة المشروعات الصغيرة بمجلس نواب العسكر، مدعيا أن وزارته تواجه أزمة كبيرة في تمويل مشروعات التطوير، بدعوى أن المواطنين لا يقدمون الدعم للحكومة، ويدفعون أموالهم للمراكز التعليمية الخاصة في المقابل، منتقداً “مجانية التعليم”، على اعتبار أنها “ظلم اجتماعي فاحش، وسبب رئيس في تراجع العملية التعليمية”. وأضاف شوقي: “لو تحدثنا عن مجانية التعليم ممكن الناس تقذفنا بالطوب(…) نحن لا نجد تمويلاً لتطوير التعليم، في حين وصل سعر تذكرة الحفل الذي يقيمه المطرب عمرو دياب إلى 20 ألف جنيه!”، مطالباً بمواجهة الأفكار التقليدية القديمة التي أضرت بقطاع التعليم على غرار “المجانية”. وتابع: “هذا الوضع لا يجب أن يبقى طويلاً، ولا بد من مناقشة المجانية، لأنها أصبحت ظلماً اجتماعياً، والدولة والأهالي هم من يدفعون فاتورة تصل إلى 200 مليار جنيه، ولا تنفق في المكان الصحيح. وزاد شوقي: “مجانية التعليم تحد من قدرتنا على الحركة. مضيفا يجب مناقشة هذه الأفكار من جديد، لأننا نضحك على أنفسنا إذا استمر الوضع على ما هو عليه(…) لا توجد مجانية للتعليم، وأولياء الأمور يدفعون الثمن للمراكز الخاصة عوضاً عن الحكومة”! وكان شوقي عندما كان رئيسا للمجلس الاستشاري لشؤون التعليم الذي شكله قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي في 2014 قد دعا إلى ضرورة انتهاء التعليم المجاني كحق مكتسب للمواطن. ولم يتخل شوقي عن رؤيته بعدما أصبح وزيرا، فأكد -في ديسمبر الماضي 2017- ضرورة مراجعة مصطلح مجانية التعليم، بما يتوافق مع موارد الدولة، وأردف “مفيش حاجة ببلاش والدولة عليها التزامات كبيرة”!. وهو ما يعني أن السيسي جاء بشوقي خصيصا من أجل إلغاء المجانية بذريعة تطوير التعليم ومنظومة التعليم الجديدة!. وبينما يتحدث مسؤولون بحكومة الانقلاب عن إلغاء مجانية التعليم، تؤكد التقييمات الدولية تدني الخدمة التعليمية في مصر؛ فحسب مؤشر المنتدى الاقتصادي العالمي للعام 2017-2018 حصلت مصر على مراكز متأخرة في جودة التعليم الأساسي والعالي، فاحتلت المركز 129 بين 137 دولة. ويمكن تفسير هذه التصريحات الصادمة بأنها تمثل نزوعا من النظام العسكري نحو سياسات الجباية واعتماد أساليب السماسرة وتجار الاحتكار في تحول التعليم إلى سلعة لمن يدفع لا حقا من حقوق المواطنة يتوجب على الدولة حمايته وتوفيره. إلغاء مجانية الجامعات وفي أكتوبر الماضي كان الدكتور مصطفى الفقي، رئيس مجلس أمناء جامعة الإسكندرية، قد طالب بإلغاء المجانية في التعليم العالي حيث قال : “لا يجب أن يكون التعليم الجامعي للجميع”. مطالبا بإتاحته للمتوفقين فقط، وبرر مطالبه تلك بأن التعليم الجامعي مكلف جدا وأن الجامعات أفرزت ملايين العاطلين بسبب مجانية التعليم. ووحاول الفقي أن يقدم تبريرا أقوى لرؤيته فقال “لدينا مشكلة في غياب العدالة الاجتماعية في التعليم، ولا يوجد تعليم جامعي مجاني في العالم”. لكن النظام قد بدأ بالفعل في التخلص من مجانية التعليم العالي عبر عدة أحكام مسيسة وقرارات إدارية، حيث قضت المحكمة الإدارية العليا بأحقية مجالس الجامعات الحكومية في تحديد المصروفات الدراسية التي يسددها الطلاب للقيد، بما تسمى برامج التعليم المستحدثة بالكليات، حتى ولو جاوزت مبالغ تلك المصروفات ما يقره قانون الجامعات. وقالت المحكمة إن الدراسة المتميزة بالبرنامج التعليمي الحديث، تبرر هذا التفاوت. وسبق أن أعلنت كلية الطب بجامعة القاهرة، في أغسطس2015، بدء الدراسة في برنامج “الدراسة المتميزة”، بتكلفة ستين ألف جنيه للطالب في العام الدراسي الواحد، وارتفعت المصروفات هذا العام إلى 75 ألفا. وفي مارس 2015، أصدر المجلس الاستشاري لشؤون التعليم مقترحا يتضمن تقليل الإنفاق الحكومي على دعم التعليم الجامعي عبر ربطه بالدرجات التي يحصل عليها الطالب. وطبقا للمقترح سيدفع الحاصلون على أقل 70% بالثانوية العامة جزءا من المصاريف الدراسية، أما الراسبون في جميع المواد فسيدفعون مصاريف الدراسة بشكل كامل. مخاطر بالغة ويحذر خبراء من تنفيذ هذه المخططات الشيطانية من جانب حكومة الانقلاب، فسوف يفضي ذلك إلى عزوف قطاع كبير من الشعب عن تعليم أبنائه لعجزهم ماديا عن توفير المصاريف ، ولن يتوقف الأمر عند ذلك حيث يتوقع أن يتمادى النظام إلى إلغاء مجانية التعليم الثانوي ثم الإعدادي فالابتدائي، هو ما يؤدي إلى مزيد من البطالة والطبقية والانقسامات الحادة في المجتمع. كما يحذر خبراء من فرض رسوم ومصاريف عالية في ظل تدني الخدمات التعليمية فالتعليم المجاني لم يعد موجودا، “ليس فقط بسبب الدروس الخصوصية، وإنما لأن الجامعات أصبحت تجبى آلاف الجنيهات تحت وهم “تجارة إنجلش وحقوق إنجلش..” في إشارة إلى الأقسام الإنجليزية بالجامعات، التي يتم الالتحاق بها بمقابل مادي. بحسب الكاتب الصحفي أسامة غريب الذي تابع ساخرا :”لعلهم سيقترحون أن يتعلم الفقير بالمجان بشرط أن يكون في عبقرية آينشتاين، بينما أولادهم الأغبياء يشترون الشهادات بالنقود”!.