في الوقت الذي تواصل فيه الإمارات دعمها لنظام السيسي وانقلابه في يونيو 2013، منعًا لنجاح التجربة الديمقراطية الحقيقية في الوطن العربي، بعد ثورة شباب مصر ضد النظم المستبدة، والتي تعد النموذج الأبرز في دويلة الإمارات وغيرها من دول المنطقة، لم تتوقف الإمارات صاحبة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، عن تحقيق مصالح أبو ظبي في كل دول المنطقة، حتى لو تعارض ذلك مع صداقاتها وعلاقتها الممتدة مع نظام السيسي. ففي مصر، تسيطر الإمارات على العديد من مجالات الاقتصاد المصرية الاستراتيجية، كالطاقة والنقل والزراعة، سدادًا لقيمة ما منحته للمنقلب السيسي، فمن سيطرة على مشروعات قناة السويس، إلى شراء نصيب مصر في حقل ظهر للغاز، إلى السيطرة على نسب واسعة من المشروعات الاستراتيجية في مصر وتخصيص أكثر من 700 كلم في غرب مصر لإنشاء مصانع واستثمارات زراعية غرب العلمين، وغيرها من مشروعات مواصلات مصر. إلا أن الأخطر من السيطرة المباشرة هو دعم الإمارات لمشروعات في إثيوبيا تثير الشكوك حول دورها في تعطيش مصر، والاستثمار في بناء سد النهضة. ومن قبيل التلاعب بمصر، ما قالته وكالة أنباء الإمارات، أمس، بأن شركة موانئ دبي العالمية تدرس إنشاء مجمع لوجستي في إثيوبيا التي ليس لها منافذ على البحر؛ وذلك لنقل السلع من ميناء تطوره في منطقة أرض الصومال. حيث نقلت الوكالة الرسمية عن سلطان أحمد بن سليم، رئيس مجلس إدارة موانئ دبي العالمية، قوله: إن المجمع المزمع في إثيوبيا يستهدف استقبال ونقل السلع للدول الإفريقية الأخرى التي ليس لها منفذ بحري. وسبق أن تعاونت موانئ دبي العالمية وحكومة إثيوبيا وحكومة أرض الصومال، هذا العام، لتطوير ميناء بربرة على الساحل الشرقي للقارة الإفريقية. وترددت أنباء مؤخرا عن قيام الإمارات بوساطة مع إثيوبيا لتخفيف شروطها إزاء حصة مصر المائية بعد بناء سد النهضة، وذلك بالتنسيق مع إسرائيل. وهو الأمر الذي تدور حوله الشكوك، إذ أن السعودية والإمارات هما من أكبر داعمي إثيوبيا بالاستثمارات، بل ويشاركون في ممارسة الضغوط على مصر. وتشق الإمارات طريقًا سريعًا سيصل الميناء بالحدود الإثيوبية، في إطار الالتزام بالاستثمار في البنية التحتية بأرض الصومال. وبدأت موانئ دبي إجراءات قضائية بحق حكومة جيبوتي، في وقت سابق من العام الجاري، بعد أن فسخت بشكل مفاجئ عقدها لتشغيل ميناء دوراليه. وكانت الزيارة المفاجئة لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، يوم الجمعة أول أيام عيد الفطر المبارك، بمرافقة وفد إماراتي كبير في زيارة استمرت يومين، أثارت التساؤلات حول أسباب وأبعاد هذه الزيارة وتوقيتها، وبهذا التمثيل السياسي الرفيع من قبل الإمارات، وما تضمنته الزيارة من تقديم دعم إماراتي بثلاثة مليارات دولار لدعم الاقتصاد الإثيوبي. وجاءت زيارة الشيخ محمد بن زايد إلى إثيوبيا بعد أقل من شهر على زيارة رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد إلى أبو ظبي، وتأكيده أن العلاقة بين البلدين (الإمارات وإثيوبيا) علاقة قوية، وأنه واثق لتعزيز هذه العلاقة أكثر من أي وقت مضى. وقال المتحدث باسم الحكومة الإثيوبية أحمد شيدي: إن دولة الإمارات تعهدت بتقديم ثلاثة مليارات دولار مساعدات واستثمارات إلى إثيوبيا، في إظهار لدعم كبير لرئيس الوزراء الجديد آبي أحمد. وأوضح شيدي لوكالة رويترز، أن الإمارات ستودع مليار دولار في البنك المركزي الإثيوبي لتخفيف النقص الحاد في العملة الأجنبية. فيما ذكر مسئول بوزارة الخارجية الإثيوبية أن الملياري دولار الآخرين من أبو ظبي سيُستثمران في قطاعات السياحة والطاقة المتجددة والزراعة. وفي مؤشر على تغير المواقف الإثيوبية، علّقت الوكالة في تقريرها بأن الإمارات وحلفاءها الخليجيين، خصوصا السعودية، دأبوا على تقديم مبالغ ضخمة لحكومات "متعاونة" في المنطقة. وأنهت إثيوبيا حتى الآن أكثر من 67% من مراحل إنشاء السد، بل وبدأت تركيب التوربينات الخاصة بتوليد الكهرباء إذ يتوقع أن ينتج سد النهضة نحو 6250 ميجاوات من الكهرباء تكفي الاستهلاك المحلي، ويُصدر الباقي إلى دول الجوار مثل السودان وجيبوتي وكينيا. وترتبط دولة الإمارات بعلاقاتٍ اقتصادية مع جمهورية إثيوبيا، إذ تستثمر أبو ظبي نحو 523 مليون دولار استثمارات مباشرة بحسب محمد شرف، مساعد وزير الخارجية والتعاون الدولي للشئون الاقتصادية والتجارية الإماراتي. كما تحتضن الإمارات أعدادًا كبيرة من العمالة الإثيوبية تساهم بتحويلاتها المالية في إنعاش الوضع الاقتصادي لإثيوبيا، التي تعاني من عدد السكان الكبير "100 مليون نسمة" وقلة فرص العمل. مصادر إثيوبية أكدت اتجاه الإمارات للتقدم بطلبات ترخيص لقناة "سكاي نيوز عربية" لافتتاح مكتب في أديس أبابا، وربما مكتب آخر لوكالة الأنباء الإماراتية (وام)، يكون هدفهما تحسين الصورة الذهنية لأبوظبي بعد الهزائم القاسية التي مُنيت بها أخيرًا في منطقة القرن الإفريقي (الصومالوجيبوتي).