فى نوبة من نوبات غياب الوعى لدى قادة الانقلاب، سمحوا للعلمانيين المسعورين والطائفيين الحاقدين بالبدء فى تعديل الدستور، الذى لن يكملوه -بإذن الله- ما بقى فينا عرق ينبض.. والمتابع لما أسموه «لجنة الخمسين» لا بد أن يصاب بالقرف؛ لما يظهره هؤلاء اللصوص من حقد وكراهية تجاه الإسلام وشريعته. فى دستور 2012، الذى يعد أعظم دستور فى تاريخ مصر، تم وضع نظام محكم للحريات العامة، والديمقراطية السليمة، وترجمت هوية الأمة إلى مواد تحافظ عليها وتكفل مجتمعًا منضبطًا خاليًا من منغصات الأمن القومى، وقد ضعت مسودة الدستور جمعية تأسيسية منتخبة على درجتين، الأولى: انتَخَب أعضاءها ال100 النواب المنتخبون بمجلسى الشعب والشورى، وشهدت أعمالها التى تواصلت لستة أشهر متتالية أوسع مشاركة مجتمعية شملت جميع الشرائح والأعمار والخبراء وجابت محافظات الجمهورىة، والثانية: استفتاء شعبى بإشراف قضائى كامل وبقاضٍ على كل صندوق بنسبة موافقة 64%. ورغم ذلك ادّعى المرتزقة الجدد أن هذا الدستور خرج (مسلوقًا)، وأنه وضع لصالح الإخوان، ولتأسيس دولة دينية، وغيرها من الاتهامات الباطلة التى كان الغرض منها تعطيل العمل بهذا الدستور الفريد بأى طريقة من الطرق، وكلنا يذكر مشاركة العلمانيين ثم انسحابهم ثم مشاركتهم ثم انسحابهم، ثم رفع العديد من الدعاوى لإبطاله، ولولا تحصينه من الرئاسة لشارك القضاء فى جريمة جديدة من جرائمه وحكم بتعطيله.. بدأ الانقلابيون فى تعديل هذا الدستور بما يوافق أهواءهم وأفكارهم الفاسدة، وحتى الآن لا يعلم أحد مكان لجنة الخمسين، ولا كيف يعملون، ومن يعطيهم الأوامر، ومن يصحح لهم أخطاءهم، وهذا أمر طبيعى، فهؤلاء تشكيل عصابى، يقومون بتوزيع ما نهبوه على أنفسهم، ولا يحبون -من ثَمّ- أن يطلع عليهم أحد، ففى الوقت الذى كانت تذاع فيه جلسات اللجنة التأسيسية للدستور الشرعى على الهواء طوال الليل حتى الصباح، ويتلقى المشاركون فيها اقتراحات الأهالى والمواطنين، لا أحد يعلم شيئًا عن مصير مواد الشريعة فى دستور الانقلابيين والتى تهم 95% من الشعب المصرى، حتى إن الأهرام نشرت فى يوم 31 من يوليو 2013 عنوانًا كبيرًا فى صفحتها الثالثة يقول: «مقرر لجنة تعديل الدستور يرفض الإفصاح عن مصير مواد الشريعة»، فهل يقبل الشعب بهذا العبث؟! لا أظن، بل أعتقد أن هذا المقرر وشركاءه فى الجريمة سيلقون قريبًا جزاء ما اقترفت أياديهم من آثام فى حق هذا الشعب المسلم. كل الذى عرفناه عن هذه اللجنة المشبوهة أنها تنوى وضع دستور علمانى، يفرغ مصر من هويتها، ولذا فإنها عندما وزعت الخمسين عضوًا على فئات المجتمع جعلت للأزهر ثلاثة وللكنيسة ثلاثة، أى ساوت خمسة ملايين نصرانى بخمسة وثمانين مليون مسلم، وعندما وزعت حصص الأحزاب جعلت للأحزاب الإسلامية مقعدين، وقد حجزتهما مبدئيا للنور والصوفيين، فى مقابل ستة أعضاء لما أسمته (القوى المدنية!)، طبعًا غير مخصصات أخرى لهذه الأحزاب المساندة للانقلاب فى حصص الشباب والنقابات والجمعيات وغيرها.. وهؤلاء جميعا يكرهون الدين، ويقفون فى وجه الفضيلة، ومستعدون لأن يكون دستور مصر صهيونيًا طالما كان خاليًا من مواد تشير إلى إسلامية الدولة. وهذا الرأى عبر عنه هؤلاء الانقلابيون صراحة، فابنة فرج فودة، عضو حزب المصريين الأحرار، تقدمت باقتراح لرئيس لجنة الانقلاب المختصة بتعديل الدستور، بإضافة مادة جديدة، تحظر استخدام الدين -تقصد الدين الإسلامى بالطبع- فى العمل السياسى والنيابى، وتنص على معاقبة من يخالف ذلك بالعزل من وظيفته أو إسقاط عضويته [المصرى اليوم: 11/8/2013]، أما الكنيسة فقد أرسلت مذكرة ل(الطرطور) اعترضت فيها على التعديل الدستورى الذى أصدره، وفيها تعديلات (40) مادة، هى نفسها المواد التى تتحدث عن الشريعة ومرجعية الأزهر ورقابة المجتمع وتعريب العلوم، وقد حذرت الكنيسة فى مذكرتها من (تكريس الدستور الجديد لدولة دينية) - على حد تحذيرها.. أما التيار الشعبى (بتاع حمدين!)، فقال أحد قادته: «فى حالة قبول التعديلات الدستورية على مضض، فلا بد من تعديل المادة الثانية، فلا دين للدولة، بالإضافة إلى إلغاء المادة 219 بالكامل» [اليوم السابع: 9/8/2013م]. أما أجمل المفاجآت فى دستور الانقلابيين، وهى المفاجأة التى قوبلت بالفرح الشديد والتأييد الكاسح من قبل (بلطجية التحرير)، فهى اختيار (بانجو) -بتاع استمارات المخابرات- وزميله (أبو شعر ديل حصان) ضمن الخمسين عضوًا الذين يضعون دستور الانقلاب.. والعجيب أنه لم يسأل أحد -كما كانوا يفعلون مع دستور 2012- عن مؤهلات (بانجو)، ولا عن سوابقه، وهل أتم تعليمه أم لم يتمه؟! وهل هو تعاط أم اتجار فى محل إقامته بمنطقة المثلث الذهبى؟ نحن الآن أمام محنة جديدة وصفقة قذرة لبيع الوطن؛ هذا إذا سمحنا لهؤلاء (المساطيل) بإتمام التعديل على الدستور.. لا بد أن يتحرك الجميع، كلٌ بطريقته، أما الحقوقيون فلا بد أن يعقدوا محاكمة للقانونيين الذين يشاركون فى هذه المهزلة، وأما السياسيون فلا بد أن يفضحوا تجار الديمقراطية الذين يملئون الفضائيات كذبًا ونفاقًا.. وأما الثوار فلا بد أن يعرضوا جثامينهم من الآن بيعًا لله، مقابل ألا يستكمل هؤلاء جريمتهم الإنسانية تلك.. إلا مرورًا على هذه الجثامين.