يوم 17 رمضان خرجت أغلبية الشعب المصري تثور على انقلاب السيسي، وكل فرد فيها يدرك أنه يمكن أن يتعرض للضرب أو السحل أو الطعن أو القنص. في اليوم نفسه خرجت الأقلية المؤيدة للانقلاب تتنزه وتعمل Picnic في ميدان التحرير وعلى كوبري قصر النيل. هذا هو جوهر الاختلاف بين حالتي المخلوع والمخطوف. فقد زعم الانقلابيون الأفاكون ومنظروهم ومسئولوهم ومستشاروهم الطراطير أن ما جرى يوم 3/7/2013 ضد الرئيس مرسي لا يختلف عما جرى يوم 11/2/2011 ضد حسني مبارك. تزعم هذه القمامة البشرية أن الجيش تدخل في الحالتين نصرة لثورة شعبية ضد حاكم مستبد. هذا الزعم صدقه كثير من السذج والحمقى الذين لا يريدون أن يجهدوا عقولهم في البحث عن نقاط التباين الشاسع بين الحالتين. فبالنظر إلى حالتي مبارك ومرسي نجد ما يلي: أولا- كان مبارك حاكما بأمره ثلاثين سنة، لم يواجه أية عوائق أو عراقيل داخلية، ولم يسع أحد إلى إفشاله أو التآمر ضده. أما مرسي فكان رئيسا لعشرة شهور (منذ إحالة قيادات المجلس العسكري للتقاعد)، حاول خلالها انتزاع الحكم من بين أسنان دولة مبارك العميقة، دون جدوى. ولم يمر عليه أسبوع دون التشويش والشغب عليه بمليونيات وسباب وإهانات وهجمات بالمولوتوف وهجمات على الفنادق وإضرابات.. إلخ. واستماتت جماعات علمانية عنصرية من أجل إفشاله وإسقاطه. ثانيا- مبارك كان مستبدا غير منتخب فرض نفسه بقوة الدولة البوليسية وكان يسعى لتوريث الحكم لابنه بالقوة، وبالتالي ما كان هناك وسيلة للخلاص منه ومن ابنه إلا بثورة شعبية. أما مرسي فقد كان متسامحا، انتخبه الشعب كأول رئيس مدني في تاريخ مصر، وبالتالي يمكن الخلاص منه بنفس الطريقة التي جاء بها، أي بالصندوق. الخلاص من رئيس منتخب هي مهمة الشعب وليست مهمة الجيش.. هكذا هي القواعد التي تحتكم إليها الديمقراطيات الراسخة. ثالثا- مبارك هو الذي استدعى الجيش للظهور في المشهد السياسي، ثم توسل إليه الجيش حتى يتنحى بعدما رأى من إجماع شعبي على خلعه، وتم نقله معززا مكرما إلى قصره في شرم الشيخ. بينما في حالة مرسي، الجيش فرض نفسه على المشهد بقوة السلاح، واختطف مرسي في مكان غير معلوم، رغما عما رآه من انقسام شعبي واضح عليه. رابعا- فوجئ الجيش بالثورة على مبارك وصبر عليه 18 يوما قبل خلعه إزاء إصرار الشعب على ذلك وصموده في الميادين. أما مع مرسي، فلم يكن في الأمر مفاجأة وإنما تخطيط مسبق. ولذلك سارع الجيش بخطفه بعد يومين فقط خوفا من ألا تصمد حشود 30 يونيو في الشوارع والميادين. خامسا- مبارك خضع أركان نظامه إلى محاكمات على قضايا تافهة انتهت بمهرجان براءة للجميع.. ومرسي، تم تلفيق قضايا له ولمؤيدي شرعيته، تؤكد مؤشرات "القضاء الشامخ" إلى أنها ستنتهي بمهرجان إدانة للجميع. سادسا- خرج الناس ضد مبارك في ثورة تلقائية وهم يحملون أكفانهم على أكتافهم، لا يدرون كيف سينتهي الحال بهم وبقضيتهم التي خرجوا من أجلها. أما مرسي فقد خرج الناس ضده في ثورة مفتعلة، أقرب إلى النزهة وهم آمنون بالعودة إلى بيوتهم سالمين، بعد أن تعهدت لهم الشرطة بالحماية وتعهد لهم الجيش بتحقيق ما خرجوا من أجله. كان الفرق بين الحالتين شعبيا، هو الفرق بين الثورة والنزهة. وكان الفرق عسكريا هو الفرق بين النصرة والانقلاب. سابعا- أدت الثورة ضد مبارك والنصرة عليه إلى هدوء وسلام في البلد وإعجاب عالمي غير مسبوق. أما مرسي فقد أدت النزهة ضده والانقلاب عليه إلى اضطرابات وقلاقل ومذابح يومية، وجعل مصر أضحوكة ومسخرة عالمية. ولذلك كان منطقيا أن تتردد كلمة "انقلاب" داخليا وإقليميا ودوليا في وصف ما حدث فقط مع الحالة الثانية، وتردد كلمة "ثورة" مع الحالة الأولى. ثامنا- كانت الثورة ضد مبارك شعبية وطنية يدفعها حب مصر في المقام الأول. وكانت النزهة ضد مرسي طائفية عنصرية تدفعها كراهية الإخوان في المقام الأول. تاسعا- كانت الثورة ضد مبارك في أصلها ثورة على مظالم شرطته وبلطجيته وأمن دولته. وكانت النزهة ضد مرسي بحماية وتواطؤ كل من الشرطة والبلطجية وأمن الدولة. عاشرا- تحرير مصر (بخلع مبارك) اكتسب شرعية إجماع التيارات السياسية عليه.. أما اغتصاب مصر (بخطف مرسي) فهو فاقد للشرعية؛ لأن التيار السياسي الأكبر في مصر يرفضه. أحد عشر- في حالة مبارك، كان البلطجية يقتلون الشهداء. أما في حالة مرسي، أخذنا نسمع عن "أهالي يشتبكون مع إرهابيين". تحول البلطجية إلى أهالي، والقتل إلى اشتباك، والثائر إلى إخواني، والشهيد إلى إرهابي أو قتيل. اثنا عشر- خلع مبارك ما كان له أن يتم دون استقواء العلمانيين بالإخوان.. وخطف مرسي ما كان له أن يتم دون استقواء العلمانيين بالعسكر. فقد كانت القوى العلمانية تتودد للإخوان وتدعوهم منذ سنوات للنزول إلى الشارع لأنه لم يكن لديها طرف تستقوي به على مبارك سوى الجماعة. وبعد أن أدت الجماعة مهمتها واستماتت دفاعا عن الثورة في موقعة الجمل، انقلب موقف القوى العلمانية منها 180 درجة، واتجهت من فورها بعد أيام قليلة من خلع مبارك إلى تخوين الإخوان وشيطنتهم، تمهيدا للتخلص منهم. وحيث أنه لا يوجد مثل العسكر طرف يمكن الاستقواء به على الجماعة، ظلت رموز هذه القوى تكرر استدعاءها لسيناريو 1954 وسيناريو الجزائر. وعلى مدار عامين ونصف لم يتوقف التحريض المستتر والمكشوف للانقلاب على الإخوان، حتى تحقق لهم ما سعوا وخططوا له. هذه الانتهازية تذكرنا بالإسرائيليين الذين يبحثون دائما عن مصدر القوة الأكبر للاستقواء به على أعدائهم في كل زمن وحين.