بسرعة الصاروخ نعود إلى الوراء، ونرسم مستقبلا غامضا لمصر قد لا تكون الديمقراطية الحقيقية أحد معالمه وركائزه. ومهما اتفقنا أو اختلفنا مع الرئيس المنتخب، الذى تم عزله، فإن خارطة الطريق التى رسمها الجيش ومَن معه ممن لم يخترهم الشعب أو يفوّضهم فى الحديث باسمه، قد وضعتنا أمام مأزق حقيقى؛ لأسباب عدة: - بدت الخارطة منحازة للمعارضة ولبّت مطلبها فى الإطاحة بالرئيس، وتجاهلت أغلبية المصريين الذين اختاروه بشكل شرعى ديمقراطى. - رغم ضمان الخارطة عدم إقصاء أحد، بدأت فورا حملة اعتقالات واسعة وتلفيقات لقضايا لقيادات ورموز الإخوان والإسلاميين لمجرد أن رئيس حزب الحرية والعدالة الدكتور محمد سعد الكتاتنى رفض حضور اجتماع الجيش لرسم الخارطة. - تعهدت الخارطة بوضع ميثاق شرف إعلامى يحكم عمل القنوات الفضائية والصحف، وبعد إعلانها بلحظات أغلقت الفضائيات الإسلامية، ومنعت طباعة الصحف الإسلامية، وتم القبض على المذيعين والفنيين بتلك القنوات. - الخارطة جاءت برئيس مؤقت ووضعت فى يده كافة السلطات والصلاحيات خارج نطاق مؤسسات الدولة بعد تجميد العمل بالدستور وإلغاء مجلس الشورى. - لم يتم تحديد جدول زمنى واضح لانتخابات برلمانية وتعديلات دستورية أو حتى لانتخابات رئاسية. - الجيش قال إنه لن يتدخل فى السياسة، ولن يكون طرفا فيها، وهو مَن يتحكم فى كل خطوط السياسة ويرسمها الآن، ولن يكون بعيدا عن أى مشهد سياسى فى المستقبل. وبعدُ؛ فإنه لا أحد يعلم تحديدا مَن سيضع قواعد الشفافية السياسية، ويضمن نزاهة الانتخابات فى المستقبل القريب، وهل سيقبل الإسلاميون، بعد ما حدث، أن يصبحوا مكونا فى التركيبة السياسية الجديدة؟ أم أنهم سيعتزلون العمل السياسى لحين توفر ضمانات كاملة لنزاهة الانتخابات بكل مستوياتها؟ لا شك أن الإسلاميين ومناصريهم من جموع الشعب المصرى، خسروا كثيرا بهذا الانقلاب على إرادتهم، وأصابهم قدر من الاحباط والشعور بالغبن والقهر، خاصة أنهم حازوا أغلبية فى كل الاستحقاقات الانتخابية والاستفتاءات التى جرت بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، ما يعنى أنهم يتمتعون بأغلبية شعبية مقبولة. ولا شك أن أنصار الحرية والديمقراطية من كل فصائل العمل السياسى فى مصر، وإن فرحوا مؤقتا بإقصاء الإسلاميين والتغلب عليهم عبر آلية غير شعبية وغير ديمقراطية، لن يرضوا عن إجراءات ليس للشعب -أو معظمه على الأقل- دور فى صنعها، وسيدفع الجميع ثمن مباركتهم لما جرى يوم 3 يوليو 2013 عندما عبروا عن فرحة عارمة بإقصاء الخصم السياسى، ليس حبا فى التقدم والانتقال إلى الأمام، ولكن تشفيا وغلا يظهر حجم كراهية غير مسبوقة وغير مبررة، فبحساب الأخطاء السياسية لمحمد مرسى لا يمكن أن تكون هذه الأخطاء سببا وحيدا للفرح العارم برحيله والشتائم والسباب التى لحقت بشخصه، ولا يمكن أن تكون مبررا لمباركة الانقلاب على الديمقراطية والافتئات على إرادة أغلبية الشعب. أتعجب من حجم التجهيل والتضليل الذى مورس على الشعب خلال عام كامل من حكم مرسى، الذى لم يغلق فضائية ولم يوقف صحيفة ولم يعتقل شخصا واحدا ممن أهانوه أو شوّهوا صورته أو "شيطنوا سياساته"، ولو كان مرسى ديكتاتوا فعلا، كما وصفه البعض، لَمَا أبقى واحدا من هؤلاء يعمل ويعبر عن رأيه بكل حرية. لم يكسب الإسلاميون جولة الديمقراطية الأولى والحرية التى طالما نادوا بها، ومارسوها وأتاحوها فعلا بعد ثقة الشعب بهم؛ لأنهم أحسنوا الظن بالجميع، أما معارضوهم فقد بدت ملامح ديمقراطيتهم توا بالعودة إلى الإقصاء والتهميش والاعتقالات، وإشاعة الخوف مرة أخرى، وهو ما يمثل ردة حقيقية إلى الوراء، وتعطيلا لإرادة هذا الشعب الذى كافح وناضل وقدم شهداء –وما زال يقدم- لاقتناص حريته وكرامته، والمشكلة الكبرى أن مَن يتصدرون المشهد الآن هم أقطاب ورموز النظام السابق الذين قامت ضدهم ثورة 25 يناير، باستثناء بعض مَن توهموا أن الانقلاب على الإسلاميين سيعيد الأمور إلى نصابها، ويحقق أهداف الثورة، وما أظن ذلك سوف يتحقق فى ظل ما جرى، فلا خارطة ولا طريق.. ولك الله يا مصر.