إذا رأيت أمة تريد أن تطبق الحدود قبل أن تتشرب القلوب والنفوس والضمائر الحق والشرع فاعلم أن هناك خللا فى فقه الأولويات.. وإذا رأيت بعضنا يهتم بالظاهر قبل الباطن.. وبمعاصى الجوارح قبل معاصى وآثام القلوب.. ويهتم بغسل الجوارح ونظافتها مرات عدة فى اليوم دون أن يفكر مرة واحدة فى غسل القلوب والضمائر من الغش والحقد والغل والكبر والعجب والأثرة. وإذا وجدت أمة "اقرأ" لا تهتم بالعلم ولا تتفوق فيه وتكون دوما آخر الأمم فى العلم والتكنولوجيا وفى ذيل الأمم حضاريا.. وتستورد كل منتجات الحضارة ولا تصنعها أو تخترعها، سواء فى الطب أو الهندسة أو الاتصالات، ولا تحسن شيئا سوى الصراع السياسى المدمر أو "الحنجورى الفارغ".. فاعلم أن فقه الأولويات غائب عن هذه الأمة. وإذا رأيت من يقدم فرض الكفاية على فرض العين.. فيذهب للقتال فى سوريا دون أن يستأذن والديه أو يتركهما دون أن يخبرهما.. أو يترك زوجته وأولاده دون أن يكون لهم مصدر للإنفاق ليتسولوا الناس ويجعل أيديهم هى السفلى بعد أن كانت العليا.. ناسيا ترتيب الأولويات التى ذكرها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد قيل له: أى العمل أفضل.. قال: "إيمان بالله ورسوله".. قيل: ثم أى قال: "بر الوالدين".. قيل: ثم أى.. قال: "الجهاد فى سبيل الله". فبر الوالدين فرض عين.. أما الذهاب إلى الجهاد فى سوريا وما شابهها ففرض كفاية.. فمن قدم فرض الكفاية على فرض العين، أو قدم السنة والمندوب على الواجب والفرض.. ومن ترك الصغيرة وارتكب الكبيرة، أو ترك البدعة ووقع فى الكفر والشرك.. ومن قدم الهدى الظاهر على الإيمان والواجب والفرض.. أو قدم الهدى الظاهر على ترك الكذب والغش والرشوة وما شابهها من المحرمات.. أو قدم صوم التطوع على الصيام المفروض.. أو من قدم الوسائل والآليات المتغيرة على المقاصد والغايات الثابتة.. فهؤلاء عليهم أن يراجعوا فقه الأولويات. فمن اختار زوجته لأجل نقابها فقط دون أن يهتم بأخلاقها وتربيتها وسلوكها مقدما المظهر على الجوهر والنقاب المختلف على وجوبه على الأخلاق المتفق على أنها أصل الإسلام وأساس الرسالة "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". ومن اختارت زوجها على أساس لحيته وثوبه فقط دون أن تدقق فى أخلاقه وأمانته وكرمه فوجدته بخيلا أو فظا غليظا فاستحالت العشرة بينهما فلا يلوموا الإسلام ولكن يلومون أنفسهم التى لم تقرأ فقه الأولويات. ومن قدم العمل على العلم.. فعمل بغير علم مثل الخوارج الذين لم تنقصهم التقوى والحماسة، ولكن نقصهم العلم والفقه بمقاصد الشرع وحقائق الدين.. فمشكلة أهل البدع من الخوارج والشيعة ليست فى ضمائرهم ولا نياتهم.. ولكن فى عقولهم وأفهامهم.. فالخوارج يتلون القرآن لكنها تلاوة بلا فقه أو بفقه أعوج مغلوط. ومن قدم عبادة وطاعة الحاكم المسنونة على عدله فى رعيته.. ومن قدم عبادة قائد الجيش وصومه المسنون على عبقريته وحنكته العسكرية وحسن قيادته لجيشه فهو يحتاج لمراجعة فقه الأولويات. ومن قدم إنفاق الأموال على الحج والعمرة المسنونة تاركا إخوانه يجوعون فى وطنه أو فى أوطان المسلمين.. أو تاركا المسلمين نهبا للجهل والمرض والفاقة والحاجة ومؤخرا للمصالح العامة مقابل العبادة المسنونة.. مثل من يحج عشرين مرة أو يعتمر خمسين مرة دون أن يكلف نفسه أن ينشئ دارا للأيتام أو مدرسة للعلم أو مستشفى لعلاج الفقراء.. فهو بحاجة للتبحر فى فقه الأولويات وإدراك الفرق بين الحسنة المتعدية وغير المتعدية.. فأعظم الحسنات والقربات ما تعداك إلى غيرك وأفضلها ما يصلك ثوابه بعد مماتك ولا ينقطع بوفاتك. وأسوأ السيئات ما يصلك عقابه وعذابه حتى بعد موتك.. إنها السيئة المتعدية أيضا.. مثل من سن تعذيب الصالحين أو قتلهم أو سنة فى الفساد والضلال والبدعة.