بعيدا عن السخرية والتهكم هذه المرة أيضا.. ليس خافيا أن المعارضة التى لا تجيد البناء وتترفع عن محاولات إيجاد ظهير جماهيرى مقبول، وترسخ لديها أن منافسها هو الفائز دائما وأنها ظهرت لتخسر، ستفقد تدريجيا الأمل (بإرادتها) فى تداول السلطة وسيخيل إليها (كأحلام يقظة) أنها تحيا فى ظل حكم ديكتاتورى استبدادى لا يوفر أجواء تنافسية، وستتحول إلى أبواق شكوى وعمالة ومؤامرات وستتجسد كأدوات هدم.. لا بد أن تدرك المعارضة أن صندوق الانتخابات ميدانا للتنافس الواسع، وأن فرص الجميع الإجرائية متساوية لكن الجماهيرية على الأرض تتفاوت فلا يتساوى من يعمل ومن لا يعمل، كما أن رصيد أى قوى سياسية يظل (متغيرا) يصعد ويهبط تبعا لحجم الإنجاز.. نقلت وول ستريت جورنال عن جهاد الحداد القول إن جماعة الإخوان ستتكبد خسائر فى الانتخابات المقبلة لكنه لا يرى أى شخص أو حزب آخر أفضل يتصدر المشهد الآن. فى مقابل واقعية الحداد، يظل حزب النور يترنح ويمارس المعارضة بخشونة، فقد زعم سعد الدين إبراهيم أن وفدا من الدعوة السلفية التى يتزعمها د. ياسر برهامى، التقاه قبل سفره لأمريكا الشهر الماضى، وطلبوا منه تقديمهم لأمريكا كبديل عن الإخوان، وقالوا إنهم أكثر عددا. فى الشق العلمانى للمعارضة يطالب رجل المخابرات -الواضح- مصطفى بكرى الفريق السيسى بأن (يتغدى بالإخوان المسلمين قبل أن يتعشوا بيه) على الرغم من أنه كان الأشد رفضا له والأكثر غضبا من إزاحة سلفه، وهو يؤدى دورا مشبوها يتعدى الحماس الفردى، لا بد أنه مكلف به من الداخل والخارج على السواء. يجب أن تتفهم المعارضة أن الهجوم على شخص الرئيس ليس برنامجا انتخابيا كما يضيف جهاد الحداد، فالسب والتشهير والتعويق ليس ضمانة لفوزهم، كما أن الفائز أيا كانت هويته سيجد نفسه فى (نفس المقاربة) فى مواجهة مدافع الجماهير واحتياجاتهم. الحقيقة أن المعارضة الفاشلة العاطلة تتشابه فى معظم الدول، فمنذ أيام قال رئيس الوزراء التركى أردوغان أنه سيقاضى زعيم حزب الشعب الجمهورى كمال كليغدار أوغلو، على تصريحاته التى شبهه فيها بالقاتل، وأنه «لا يوجد فارق بينه وبين بشار الأسد»، وقال أردوغان: إنه لن يسمح لأى شخص بأن ينال من منصب رئيس وزراء الجمهورية التركية، وأن كليغدار سيدفع ثمن ذلك، المعارضة فى إيران التى تستعد لاستحقاق انتخابى أعطت هى الأخرى الفرصة لأحمدى نجاد ليزعم أن حكومته كانت تتعرض لأزمة كل 9 أيام على مدى 8 سنوات قضاها فى الحكم، مما جعله غير قادر على تنفيذ برنامجه الإصلاحى الذى انتخب على أساسه! خطورة ضعف المعارضة فى مصر تهدد الإخوان أنفسهم، فمن لا يجد منافسا كفئا ربما استهوته الراحة وأعياه الإفراط فى الأمل، لذا لا أستغرب أن يتحدث البعض دوما عن أن الرئيس جدير بأن يحكم العالم الإسلامى، وأن نهضة مصر ستتعدى تركيا وفى فترة زمنية أقل. فالواقعية تفترض ألا نرفع سقف التوقعات لدى الجماهير إلى الحد الذى نبدو فيه عاجزين عن الحركة والإنجاز، وألا ننجر للخطاب الحالم المفرط فى السذاجة، فلا مصر تركيا ولا الشعب بسلوكياته هنا كالشعب هناك، ولا قنديل كأردوغان، وليس لدينا على الإطلاق على بابا جان ولا داوود أوغلو. بعد الثورات تتولد الفرص وتتباين الإرادات وتختلف الأدوات والتوجهات ويتصادم القرناء، لكن ربما لا تتكرر الظروف، خاصة أن الدولة العميقة فى إنشغال الجميع ترمم جسدها وتلملم صفوفها وتعيد البريق إلى تاجها تنتظر دعوة الجماهير المحبطة لتستعيد عرشها.