مر ما يقرب من ثلاث سنوات على الثورة السورية، سقط خلالها حوالى 100 ألف شهيد بالطائرات والصواريخ والأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا، هذا بخلاف مئات الآلاف من الجرحى والمحتجزين، وملايين من اللاجئين الذين يعانون قسوة الحياة فى العديد من دول العالم، وخلال هذه الفترة لم يتحرك العالم بشكل جدى لوقف نزيف الدم السورى، ووضع حد لمجازر نظام الأسد الذى لجأ لأنواع الآليات والوسائل المشروعة وغير المشروعة كافة لقمع الثورة السورية، واكتفى فى معظم ردوده بمجموعة من الإدانات والاستنكارات التى لا تسمن ولا تغنى من جوع، وكأن الشعب السورى ليس من فئة البشر التى لها حقوق على المجتمع الدولى، وكأن ما يحدث له من مجازر يندى لها جبين البشرية لا دخل له فيها، على العكس تماما من موقفه إزاء الثورة الليبية التى سارع بالتدخل فيها خوفا من وقف إمدادات النفط الليبية إلى أمريكا وأوروبا، وتأثير ذلك السلبى على الاقتصاديات الغربية المتقدمة، إلا أنه وبعد تصاعد حدة الاتهامات الموجهة للنظام السورى باستخدام الأسلحة الكيماوية فى الحرب، وزيادة حدة الاحتمالات الخاصة بنقل تلك الأسلحة للبنان، بشكل يمثل تهديدا مباشرا وخطيرا للأمن الإسرائيلى، بدأنا نشاهد تغييرا إستراتيجيا فى مواقف تلك الدول، خاصة الولاياتالمتحدة، التى تشير التسريبات إلى أنها عازمة على إمداد المعارضة السورية بأسلحة متطورة لوضع حد لغطرسة النظام السورى المجرم، خاصة بعد دخول حزب الله على خط المواجهة وإعلان أمينه العام "حسن نصر الله" صعوبة إسقاط النظام، واحتمال قيامه بإدخال عناصر من الحزب لدعم النظام فى حربه ضد الثورة. هذه التطورات الخطيرة والمتسارعة أزعجت الحكومة الإسرائيلية، التى بدأت تحذر من تسرب الأسلحة الكيماوية السورية إلى حزب الله، عقب نشر تقارير للمخابرات الإسرائيلية تفيد باستخدام أسلحة كيماوية فى عدد من المناطق فى سوريا، ومطالبتها للمجتمع الدولى بفرض مزيد من الضغوط على النظام السورى، لوضع تلك الأسلحة تحت المراقبة الدولية، مما دفع الرئيس الأمريكى باراك أوباما لإبلاغ نظيره الروسى "فلاديمير بوتين" عن قلق الولاياتالمتحدة بشأن الأسلحة الكيماوية التى يملكها النظام السورى، ومطالبته الضغط على النظام من أجل السماح لفريق من المفتشين الدوليين بالأمم المتحدة للتحقيق فى الاتهامات الخاصة باستخدام تلك الأسلحة فى المعارك الدائرة بين النظام والشعب السورى. بل وصل الأمر لقيام البنتاغون بتكثيف العمل على خطط لتدخل عسكرى محتمل فى سوريا فى حال تم التأكد من استخدام هذه الأسلحة فى المعركة الدموية الدائرة الآن فى سوريا، واحتمال تسرب تلك الأسلحة لدول أخرى لديها عداء تاريخى مع الولاياتالمتحدة. ويعنى ذلك فى الواقع عدة أمور؛ أهمها: أن المعركة فى سوريا وصلت لمنعطف خطير، يضر ليس فقط بالشعب السورى الذى قد يكون ضحية لاستخدام أسلحة كيماوية تأتى على الأخضر واليابس، ولكن -أيضا- بالعديد من الدول المجاورة، خاصة إسرائيل، التى قد تكون عرضة للضرب بتلك الأسلحة فى حال دخلت فى صراع جديد مع حزب الله، الذى يتوقع أن يكون حصل على جزء من تلك الأسلحة. يضاف إلى ذلك تهديد المصالح الغربية وعلى رأسها الأمريكية فى المنطقة، إذ لا يستبعد أن يقوم النظام السورى فى حال تأكد من سقوطه بتسريب تلك الأسلحة لجماعات متطرفة ومرتزقة يتم استخدامهم لتهديد المصالح الأمريكية فى منطقة الخليج، وبشكل قد يؤثر مباشرة على إمدادات النفط بتلك الدول. ولذلك يتوقع أن تشهد الفترة المقبلة تحركا دوليا لوضع حد للحرب الأهلية الطاحنة الدائرة فى سوريا، والإسراع بإسقاط النظام السورى، الذى بات يشكل خطرا جسيما على الأمن والاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط، ويمثل نجاحه فى تلك الحرب ضربة قاصمة للوجود الأمريكى ولأمن واستقرار إسرائيل، لأنه يصب مباشرة فى صالح إيران وحزب الله، ويدعم بقوة الهلال الشيعى الذى تحاول بناءه منذ فترة طويلة، على العكس تماما فى حال نجحت المقاومة التى قد تستغرق وقتا طويل فى عمليات إعادة البناء. ويعنى ذلك أن مصلحة تلك الدول وليست مصلحة الشعب السورى هى ما سوف يدفعها للتدخل فى الشأن السورى على غرار ما حدث فى ليبيا، ووضع حد للنظام السورى الذى يرتمى فى أحضان روسياوإيران، ويبذل كل ما فى وسعه للقضاء على الثورة السورية المباركة، لذلك فإن على الدول العربية أن تعمل على تقديم أنواع الدعم للشعب السورى كافة، حيث يتمكن من القضاء على نظام بشار الأسد، دون حاجة لتدخل الدول الغربية، بشكل قد يضر بمستقبل تلك الدولة، ويفسح المجال لإسرائيل والولاياتالمتحدة للتحكم فى مقدراتها، وتوجيه دفة الأمور السياسية فيها بما يخدم مصالح تلك الدول فى المستقبل.