* فوضى وعدوى ونتائج غير دقيقة.. والاسم "معمل" * دراسة حديثة: 8777 معملا خاصا منها 1825 غير مرخص وتزاول المهنة * رئيس لجنة التراخيص بوزارة الصحة: نحتاج شرطة خاصة لمراقبة 180 ألف منشأة طبية * د. مروه فرحان :القانون يعاقب المخالفين بغرامة 200 جنيه فقط! * د. حنان عبد الرحمن: افتقاد معايير الجودة والأمان يسبب العدوى بأمراض خطيرة * د. صفوت سويلم :عدم دقة النتائج يتسبب فى أخطاء طبية تهدد حياة المرضى تحولت "معامل التحاليل الطبية" من إحدى الجهات المساعدة للطبيب على تشخيص حالة المريض لتحديد العلاج المناسب له، إلى مجرد مشروع تجارى "بيزنس" تحكمه عوامل الربح والخسارة، وفق منظومة يقودها غير المتخصصين من البيطريين والزراعيين وفنيين أصحاب خبرات متواضعة، يمارسون عملهم داخل معامل تفتقر لأدنى معايير الجودة، وتحتوى على أجهزة طبية متهالكة مشكوك فى صحة ما يخرج عنها من نتائج. كما انتشرت معامل التحاليل غير المرخصة -أو حسب وصف البعض لها "دكاكين التحاليل"- فى الشوارع والحارات والعزب والقرى والنجوع لكونها البديل الأرخص فى ظل ارتفاع أسعار التحاليل فى المعامل الكبرى الذى يتجاوز سعر بعض التحاليل بها ال300 جنيه وقد يصل ل500 جنيه . ويؤكد المتخصصون أن أهم أسباب انتشار معامل التحليل غير المرخصة أو التى يقودها غير المتخصصين من البيطريين والمهندسين الزراعيين هى غياب الرقابة وضعف الرادع القانونى، حيث إن القانون المنظم لمعامل التحاليل يعود تاريخه إلى 60 عاما أى منذ عام 1954 الذى لم يطرأ عليه أى تغيير حتى الآن. وأوضحوا أن القانون رقم 367 لسنة 1954 خلط فى مزاولة مهنة التحاليل الطبية بين البيطريين والزراعيين والكيميائيين؛ وذلك لأنه لا يوجد تحديد فى القانون لنوعية المعامل، وتم الخلط بين معامل التحليل الطبى والكيميائى والزراعى، ومن ثم أعطى لخريجى كليات الطب البيطرى والزراعة الحق فى مزوالة مهنة التحاليل الطبية على الرغم من أنه ليس تخصصهم. وأشاروا إلى أن القانون نفسه لا يضع أى عقوبات رادعة لأى مخالفة لهذه المعامل؛ حيث اكتفى بغرامة 200 جنيه لأى مخالفة، سواء كانت ممارسة المهنة بدون ترخيص أو مخالفة قواعد مكافحة العدوى فى المعامل أو حتى الأخطاء فى نتائج التحاليل والتى قد تؤدى الى وفاة بعض المرضى . معامل خاصة وأوضح بحث صدر مؤخرا أعده الدكتور حسام شحاتة، مدير عام الباثولوجيا الإكلينيكية بالمعامل المركزية لوزارة الصحة، أن مصر تنفرد عن غيرها من دول العالم بأن عدد معامل التحاليل الخاصة بها يبلغ أضعاف عدد المعامل الحكومية، مشيرا إلى أن عدد المعامل التابعة للقطاع الخاص تبلغ 8777 معملا، عدد المرخص منها يبلغ 6952، أما الباقى فغير مرخص، فى حين يبلغ عدد المعامل الحكومية 1323 معملا فقط. وأشار البحث الى أن هذا الفراغ الحكومى أدى إلى تبوء المعامل الخاصة منزلة غير حقيقية لدى الجمهور؛ بسبب الدعاية باهتمامها براحة العميل، كما أسهم فى زيادة حدة المنافسة فيما بينها إلى الحد الذى جعل الجوانب المادية بها تطغى على الناحية العلمية والمهنية، مما أضعف جودة عدد منها وأصبحت نتائج التحاليل بها غير دقيقة. فوضى المعامل من جانبها وصفت الدكتورة مروة فرحان -أستاذ التحاليل الطبية بكلية طب القصر العينى، عضو لجنة وضع قانون المعامل بنقابة الأطباء- الأوضاع داخل معامل التحاليل بالفوضى والعشوائية، معتبره أن أهم أسباب هذه الفوضى هو القانون المنظم للمعامل؛ لأنه يعطى الحق لغير المتخصصين بفتح معامل طبية، على الرغم من أن دراستهم لا تمكنهم من مزاولة المهنة. وتقول فرحان: إنه على سبيل المثال الطبيب البيطرى الذى تنحصر دراسته على الجوانب البيولوجية والبكتيريا وغيرها من الأمور الخاصة بالحيوانات والطيور يكون بإمكانه فتح معمل تحاليل بشرى بعد عمل دبلومة معامل لمدة عام، وكذلك الأمر بالنسبة لخريجى كلية الزراعة الذى تنصب كل دراسته على التربة ومحتوياتها والمحاصيل وغيرهما من الأمور الزراعية. وأوضحت أن القانون جاء تحت مسمى عام وهو "قانون مزاولة مهن الكيمياء الطبية والبكتريولوجيا والباثولوجيا وتنظيم معامل التشخيص الطبى ومعامل الأبحاث العلمية ومعامل المستحضرات الحيوية ويقصد بها مصانع الأمصال واللقاحات"، أى إن القانون خلط بين ثلاثة أنواع من المعامل معامل التحليل البشرى والكيميائى والبيطرى، وفى الوقت نفسه ساوى بين التخصصات الثلاثة فى مزاولة المهنة نفسها، ومن ثم وجدنا هذه الفوضى المطبقة على أرض الواقع؛ حيث إن أغلب المشرفين على معامل التحاليل غير متخصصين. وأشارت فرحان إلى أن القانون نفسه فى المقابل يحرم فئات أخرى من الحصول على ترخيص مزاولة مهنة التحاليل الطبية، على الرغم من أنهم مؤهلون دراسيا لذلك، ولكن لكون هذه التخصصات غير موجودة فى صياغة قانون المعامل 1954 فإنهم يحرمون من حق فتح معمل تحليل ومزاولة المهنة، ومن هذه التخصصات على سبيل المثال خريجو (كلية العلوم قسم ميكروبيولوجى)، وأيضا خريج كلية العلوم الطبية التطبيقية. وأضافت أنه بسبب هذه الفوضى وإسناد المهام لغير أهلها زادت نسب نتائج التحاليل غير الدقيقة، حيث أصبحت نتيجة العينة نفسها سواء أكانت عينة دم أو مزرعة بول وغيرها تختلف من معمل لآخر، يضاف إلى ذلك النتائج الخاطئة التى قد تهون من حالة المريض الخطيرة، فعلى سبيل المثال وصفت نتائج التحاليل لإحدى المرضى المصابين بسرطان الدم بأنه مصاب ببعض الالتهابات البسيطة، وفى المقابل يتم عمل تحاليل لآخرين تؤكد إصاباتهم بأمراض خطيرة كفيرس سى، فى حين أنهم أصحاء مما يتسبب فى إصابتهم بحالة نفسية سيئة للغاية. ولفتت إلى أن معامل التحاليل نفسها تفتقر لأدنى معايير الجودة، وأصبحت من أهم مصادر زيادة الإصابة بالأمراض الوبائية المستوطنة، مثل الفيروس الكبدى الوبائى وأمراض الدم وغيرهما. وتابعت فرحات أنه بالرغم من هذه الأخطاء الفادحة؛ فإن القانون لا يحمل أى عوامل ردع، حيث إن جميع المخالفات التى تتنوع ما بين أخطاء فى نتائج التحاليل قد تسبب فى وفاة بعض المرضى، وكذلك مزاولة مهنة التحاليل الطبية بدون ترخيص أو مخالفة قواعد مكافحة العدوى فى المعامل المنصوص عليها فى القانون، فكل هذه المخالفات لا تتعدى مجرد غرامة 200 جنيه بنص القانون، وعلى الرغم من ذلك فهى غير مفعلة، وهو ما جعل هذه المادة وسيلة لزيادة التجاوزات وليس لردعها، مطالبة بضرورة وضع تشريع جديد يتواكب مع مستجدات العصر، ويعيد الأمور إلى نصابها؛ بحيث لا يقوم بعمل التحليل الطبى سوى المتخصصين فقط. مخالفات صارخة أما د. صابر غنيم، رئيس لجنة التراخيص بوزارة الصحة، فيؤكد أنه تم فى الفترة الأخيرة رصد العديد من المخالفات لمعامل التحاليل، التى منها عدم التزام بعضها بمعايير الجودة، وكذلك عدم الالتزام بمعايير مكافحة العدوى، بالإضافة إلى عدم صلاحية الأجهزة الطبية بها، ومن ثم يتم اتخاذ إجراءات بغلق المعمل لمدة أسبوعين حتى يتم الالتزام بالضوابط والمعايير، وفى حال عدم الالتزام يجدد الغلق مرة أخرى . وأضاف أنه فى حالة المعامل التى يُكتشف أنها غير مرخصة يتم إغلاقها بدون أى إنذارات مسبقة، موضحا أن لجنة التراخيص بوزارة الصحة منوط بها مراقبة 180 ألف منشأة طبية عدد معامل التحاليل فيها يزيد عن 8 آلاف معمل، وهو ما يمثل عبئا كبيرا، ويتطلب مساندة من قبل الجهاز الأمنى، وهو ما كان يحدث فى الماضى، ولكن بعد الثورة، وفى ظل انشغال الجهاز الأمنى بالأحداث الجارية أصبحنا نجد صعوبة فى المطالبة بتعاون الجهاز الأمنى معنا، مطالبا بضرورة تخصيص شرطة لوزارة الصحة من أجل مواجهة هذا الكم من المخالفات فى الأنشطة الطبية المختلفة بشكل حازم. معايير الجودة من جهتها توضح الدكتورة حنان عبد الرحمن -عضو لجنة السلامة والصحة المهنية بالمركز القومى للبحوث- أن أغلب معامل التحاليل فى مصر تفتقر لمعايير الجودة التى يكون من أهم ثمارها توحد نتيجة التحاليل فى المعامل كافة، وهو ما أصبح أمرا صعبا حدوثه؛ حيث أصبحت نتيجة التحاليل تتوقف على مستوى المعامل وإمكانيات أجهزتها، حيث لا يمكن مقارنة نتيجة تحليل جهاز طبى على درجة عالية من التكنولوجيا بنتيجة جهاز متهالك، فكل منهما سيكون له نتيجة مختلفة. وأضافت أن نتيجة التحاليل تتوقف أيضًا على خبرة وكفاءة طبيب المعمل، فهناك أمور فى غاية الدقة، لا يستطيع اكتشافها إلا طبيب على درجة عالية من الكفاءة، ولكن فى ظل الوضع الحالى للمعامل، الذى يشير إلى أن أغلب القائمين عليها غير متخصصين، وأن أغلب الأجهزة بها لا يتم صيانتها إلا بعد فترات طويلة، ولذلك نصبح أما معايير مهمة مفتقدة تتسبب بدورها فى مشكلات عدة، أهمها انتشار العدوى، وهو أمر فى غاية الخطورة؛ حيث أصبحت مصر بمقتضى ذلك الإهمال من أكثر الدول إصابة بفيرس سى. وترى عبد الرحمن أن أهم سبل مواجهة هذه الفوضى داخل المعامل يتطلب تشديد الرقابة من قبل وزارة الصحة بما يتطلب عدم تجديد الرخصة لأى معمل إلا بعد التأكد من كون هذا المعمل مطابق للمعايير والضوابط المراد توافرها دون التهاون فى أى شرط من شروطها. وطالبت أن يخضع العاملون بهذه المعامل، سواء الأطباء أو الفنيين، إلى إختبارات دورية لتنمية مهاراتهم وخبرتهم فى مجال التحاليل، كما يجب أن تكون هناك وسائل لتوعية المواطنين، محذرة لهم من التعامل مع معامل بير السلم، التى يلجأ لها البسطاء بسبب ضيق حالهم . عمولة الطبيب واتفق مع الآراء السابقة الدكتور صفوت سويلم -أستاذ مساعد بمستشفى أحمد ماهر التعليمى، عضو لجنة الصحة بمجلس الشعب السابق- مؤكدا أن نتائج التحاليل الطبية تمثل أحد أهم المراحل التى بمقتضاها يستطيع الطبيب تشخيص حالة المريض بكل دقة، ومن ثم يستطيع ما إذا كان يحتاج علاجه إلى جراحة أو مجرد دواء . وأشار إلى أنه فى ظل الأوضاع الحالية لمعامل التحاليل وما تعانيه من إهمال صارخ وغياب رقابة، أصبح الأطباء يتشككون فى نتائج التحاليل، ومن ثم لا يستطيعون تحديد العلاج، حيث إن هناك كثيرا من الأخطاء الطبية والجراحية الخطيرة ارتكبت جرّاء أخطاء التحاليل، فعلى سبيل المثال أجرى أحد الأطباء عملية لمريض بعد ما تأكد من نتائج التحاليل، أنه لا يعانى من سيولة الدم، ولكن خلال العملية اكتشف أنه يعانى منها، مما تسبب فى مضاعفات خطيرة للمريض كادت أن تودى بحياته. وأضاف أنه بجانب هذه الفوضى فهناك على الجانب الآخر ممارسات لا أخلاقية تمارس داخل المعامل، يعلو فيها جانب الربحية على الجانب المهنى، ويغيب الضمير تماما، حيث يتم عقد صفقات وعمولات بين الأطباء لتوريد المرضى لمعامل خاصة فى مقابل عمولة للطبيب.