فى مقال الأسبوع الماضى تحدثت عن أن ربانية الإخوان هى سر التماسك لبنائها وتنظيمها، وهى تفسير الاستمرار دون بقية التنظيمات والحركات التى نشأت وتنشأ.. وسرعان ما تتفكك وتتلاشى. واليوم أسوق بعضا من جوانب هذه الربانية لدى هذه الجماعة التى رسم معالمها المؤسس الأول الأستاذ الإمام حسن البنا؛ حيث قرر أن الربانية من أخص خصائص منهج الإخوان المسلمين ودعوتهم. فقال فى رسالة "دعوتنا فى طور جديد": "أما أنها ربانية فلأن الأساس الذى تدور عليه أهدافنا جميعا أن يتعرَّف الناس إلى ربهم، وأن يستمدوا من فيض هذه الصلة روحانية كريمة تسْمو بأنفسهم عن جمود المادة الصماء وجحودها إلى طهر الإنسانية الفاضلة وجمالها". ومن أبعاد الربانية فى دعوة الإخوان المسلمين ربانية المصدر، فلا تصدر عن رؤية أو رأى، إلا إذا جعلت الإسلام بقرآنه الكريم وسنته المشرفة مصدرها الأول، يقول الإمام البنا فى رسالة المؤتمر الخامس: "يعتقد الإخوان المسلمون أن أساس التعاليم الإسلامية ومعينها هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، اللذان إن تمسكت بهما فلن تضل أبدا، وإن كثيرا من الآراء والعلوم التى اتصلت بالإسلام وتلونت بلونه تحمل لون العصور التى أوجدتها والشعوب التى عاصرتها، ولهذا يجب أن تستقى النظم الإسلامية التى تحمل عليها الأمة من هذا المعين الصافى معين السهولة الأولى، وأن نفهم الإسلام كما كان يفهمه الصحابة والتابعون من السلف الصالح رضوان الله عليهم، وأن نقف عند هذه الحدود الربانية النبوية حتى لا نقيد أنفسنا بغير ما يقيدنا الله به، ولا نلزم عصرنا لون عصر لا يتفق معنا". وإذا كان الإسلام هو المصدر الأساسى والمنطلق الأول؛ فإن الغاية والمنتهى هى الله تعالى، وهى ما يمكن تسميته بربانية الوجهة والغاية، يقول الإمام فى رسالة المؤتمر الخامس: "إن غاية الإخوان تنحصر فى تكوين جيل جديد من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح يعمل على صبغ الأمة بالصبغة الإسلامية الكاملة فى كل مظاهر حياتها "صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً"، وأن وسيلتهم فى ذلك تنحصر فى تغيير العرف العام وتربية أنصار الدعوة على هذه التعاليم، حتى يكونوا قدوة لغيرهم فى التمسك بها والحرص عليها والنزول على حكمها، وأنهم ساروا إلى غايتهم فى حدود وسيلتهم فوصلوا إلى درجة من النجاح يطمئنون إليها ويحمدون الله عليها". وبين ربانية المصدر والمنهج وربانية الغاية والوجهة تتبدى العُدة والوسائل والآليات، وهى ربانية بامتياز، يقول الإمام البنا فى رسالة "الإخوان المسلمون تحت راية القرآن": "عدتنا هى عدة سلفنا من قبل، والسلاح الذى غزا به زعيمنا وقدوتنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته معه العالم، مع قلة العدد، وقلة المورد وعظيم الجهد، هو السلاح الذى سنحمله لنغزو به العالم من جديد. لقد آمنوا أعمق الإيمان وأقواه وأقدسه وأخلده بالله ونصره وتأييده "إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ" (آل عمران:160). وبالقائد وصدقه وإمامته "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ" (الأحزاب:21). وبالمنهاج ومزيته وصلاحيته: "قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ، يَهْدِى بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ" (المائدة:15-16). وبالإخاء وحقوقه وقدسيته "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ" (الحجرات:10). وبالجزاء وجلاله وعظمته وجزالته: "ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِى سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ" (التوبة:120). وبأنفسهم: فهم الجماعة التى وقع عليها اختيار القدر لإنقاذ العالمين، وكتب لهم الفضل بذلك، فكانوا خير أمة أخرجت للناس.. لقد سمعوا المنادى ينادى للإيمان فآمنوا، ونحن نرجو أن يحبب الله إلينا هذا الإيمان، ويزينه فى قلوبنا كما حببه إليهم وزينه من قبل فى قلوبهم...كذلك كانوا: صدق جهاد، وعظيم تضحية، وكبير بذل، وكذلك نحاول أن نكون". هذه هى أهم أبعاد ومعالم الربانية فى دعوة الإخوان كما رسمها مؤسسها، التى يجب علينا الآن أن نحرص عليها، وأن نتمثلها فى أقوالنا وأفعالنا حتى يرتِّب الله لنا عليها ما رتب عليها للجيل الأول الذى كان حريصا كل الحرص عليها، وهكذا يجب أن يحرص كل مسلم وكل جماعة وكل حركة.