هناك فارق كبير بين احترام أحكام القضاء وبين وجود إجراءات حاسمة وسريعة ضد الثورة المضادة وضد سدنة ومؤسسى دولة الفساد والاستبداد وقادتها عبر عقود من الزمن. هناك فارق واسع بين تأكيد الفصل بين السلطات وضمان استقلال كل سلطة عن غيرها من ناحية وبين ترك ثغرات ينفذ منها النظام الذى ثار عليه الشعب بالإجماع ليعود إلى المشهد من جديد. هناك فارق شاسع بين التأكيد على سيادة القانون وبين التفريط فى سيادة الشعب وإرادته فى ظل محاولات مستمرة لرموز النظام الفاسد لتحصل فى كل يوم على مزيد من المكاسب التى تمكنه من رقاب الشعب من جديد. ليس هناك مسوغ اليوم للتعامل الروتينى مع ملفات بلغت حدا بعيدا من الخطورة، ووصلت إلى مرحلة لا تصلح معها الحلول الوسط أو التغاضى عن مخاطرها أو إرجاء حسمها. ماذا بقى من الثورة عندما يشعر سدنة النظام الفاسد بأنهم فى مأمن من الشعب وأنهم محصنون من العقوبة ومحاطون بسياج من القوانين والإجراءات التى تحول بينهم وبين المحاسبة على ما اقترفوا من خطايا. ولا أعرف كيف تكون القوانين والإجراءات حاجزا وعقبة أمام الشعب وتحول بينه وبين الحفاظ على حقوقه وضمان محاكمة من أجرم فى حقه ومن سرق قوته وتلاعب بمستقبل أبنائه. فالشعب هو مصدر السلطات، وله أن يسن من خلال نوابه من القوانين ما يحقق مصلحته وما يمنع المجرمين من التفلت من العقوبة، ويملك من السلطة ما يردع طموحهم بالعودة من جديد تحت أى ستار. إننا بحاجة إلى قوانين يصدرها الشعب من خلال مجلس الشورى ليحمى نفسه ويحافظ على ثورته، مشفوعة بإجراءات حاسمة للتعامل الصارم مع صناع الاستبداد ومؤسسى الفساد. إذا لم تتحقق هذه الخطوات بالسرعة المطلوبة فنحن أمام أزمة حقيقية وانهيار حقيقى للثورة التى باتت على المحك ولم يعد هناك مجال للحفاظ عليها سوى المراهنة على سن القوانين التى تحقق العدالة الانتقالية وتشفى صدور شعب ثار ليقضى على نظام فاسد لا مجال لعودته أو أن يطل لنا برأسه مجددا.