يثور الحديث بين الحين والآخر حول أهمية البحث العلمى وما يشكله من حماية للأمة ومقدراتها ومواردها، وتقاس الدول بقدر عنايتها بالبحث العلمى وما تخصصه من موازنات للإنفاق عليه، ولذلك تجد أن الدول الأكثر إنفاقا على البحث العلمى هى الأكثر تقدما وتحضرا، وأن الدول الأقل إنفاقا على البحث العلمى هى الأقل تقدما وتحضرا وأكثر تخلفا. ومن واجبات الدولة أن تولى اهتماما برعاية الموهوبين والباحثين والمخترعين أصحاب القدرات العلمية الفائقة، وأن تضع الخطط والبرامج التى تكفل تنمية هذه المواهب وتطويرها، وأن تنشئ المناخ الصحى الذى يضمن ذلك، وأن تحيطهم بالرعاية والتكريم اللائق بهم واعتبارهم ثروات قومية لا تقل عن لاعبى الكرة ومحترفى الغناء والطرب. ومن الجدير بالذكر أننا كأمة عربية ننفق كمتوسط 0.5% من الموازنة العامة على البحث العلمى، والمطلوب أن يصبح هذا الرقم 2.5% من الناتج القومى على الأقل وهكذا فعلت كل الدول التى سبقتنا. إن الإنفاق على التعليم والبحث العلمى والصحة هو أساس التنمية البشرية، وعنوان الرغبة فى التقدم والرقى، ولا أبالغ إذا قلت إنها من أولويات الأمن القومى المصرى. وهناك تحديات ومشكلات تحاصر المخترعين والمبتكرين والباحثين مما يعوق دورهم ويثبط عزيمتهم؛ وهذا ينعكس بدوره على تقدم بلادنا، ومن هذه المشكلات والمعوقات: 1- نظام الإدارة ومناخ البيروقراطية العقيم المتخلف الذى يتعامل مع أركان الإبداع والاختراع (الفكرة - المخترع - التطوير - التمويل - التسويق) على أساس وظيفى ولوائح وإجراءات ورسوم ودمغات.. فهل يعقل أن يستغرق الحصول على براءة الاختراع مدة تزيد على 5 سنوات عبر منظومة من الإجراءات الإدارية فى كثير من الأحوال يعجز المخترع عن الوفاء بها ومن ثمّ يتعطل المشروع ويبطل الاختراع. 2- عدم وجود الدعم المادى الذى يمول عملية تنفيذ مشروع الاختراع، وهذه كارثة تحبط آلاف الشباب الباحثين والمخترعين الذين تقدموا إلى مكتب براءات الاختراع المصرى، ويعجزون عن تنفيذ النموذج الأول للمشروع، وكثيرون منهم لا يحصلون على الدعم الكافى، ويظل الباحث يلهث بحثا عن جهة تمول له المشروع. 3- التمويل والتسويق والاستفادة من الاختراع، وهذا دور رجال الأعمال وأصحاب المصانع أن يتقدموا لتبنى هذه الاختراعات وتمويل تنفيذها والاستفادة منها، لكن للأسف الشديد يمتنع الكثيرون من رجال الأعمال عن المشاركة القوية فى هذا الجانب المهم، بل بعضهم يفضل المنتج المستورد ولا يشجع الاختراع الجديد، مع أنه سيضيف قوة إلى الاقتصاد الوطنى ويعود بالمنفعة المتيقنة على الدخل القومى. إننى أهيب بالإخوة رجال الأعمال وأصحاب الأموال أن يتقدموا ويتبنوا أفكار ومشروعات شبابنا المخترعين والباحثين، وأن يعتبروا ذلك جزءا من حق الوطن علينا، وأمامهم تجربة رائعة لرجال الأعمال الأتراك حين تفاعلوا مع فكرة الوقف الخيرى والدعم والتبنى لطلاب العلم والنابهين من شباب الباحثين فأسسوا روابط ومؤسسات تتبنى وتنهض بدعم الباحثين، ومن ثم كانت ثمرات الرعاية والدعم نهضة حقيقية شملت تركيا وأسهمت فى تقدمها خلال فترة وجيزة. 4- السرقة والسطو العلمى؛ وهذا جانب آخر من المعوقات التى يتعرض لها المخترعون، فهم يتعرضون لحرب شرسة وضغوط شديدة من قِبل الشركات العملاقة عابرة القارات وغيرها التى لها عيون وقرون استشعار فى كل المواقع التى يوجد فيها الباحثون والمخترعون.. هذه الشركات لديها برامج للسطو والاستحواذ ويقف صاحب الفكرة أو الاختراع أو الابتكار عاجزا أمامها ولا حيلة له فمن يحميه من هذه المافيا؟ ومن يحافظ على حقوقه؟ ومن يصون أفكاره ومخترعاته؟ ويتجدد الأمل فى نهضة مصر الثورة إذا كنا ننشد خيرا لتقدم بلادنا ورقى شعبنا؛ فلا بد من انطلاقة جسور فى ميادين البحث العلمى من خلال: - توفير المناخ العام الذى ينمى القدرات ويحفز أصحاب المواهب والقدرات العلمية. - توفير الدعم المادى والموازنات المالية التى تلبى متطلبات البحث العلمى. - توفير الإدارة الواعية القادرة على النهوض بالبحث العلمى وإدارته على الوجه الأمثل. - تكريم ورعاية أصحاب المواهب والقدرات، واعتبارهم ثروات قومية ينبغى الحفاظ عليها. - تطوير المراكز العلمية وأندية العلوم ومراكز البحث العلمى وحسن اختيار القائمين عليها.