* غضب شعبى من غياب رجال الأمن وتعطيل مصالح الناس * خبراء يطالبون بتسليح الشرطة فى مواجهة العنف والشعب * أصحاب المحال التجارية: غياب الشرطة يهدد "أرزاقنا" وفتح الباب للبلطجية * مأمور قسم مدينة نصر: لا يوجد إضراب كلى فى أقسام الشرطة * حمدى طه: تحقيق مطالب رجال الأمن لا يكون بلى الذراع * أستاذ قانون جنائى: المشكلة فى ممارسات الشرطة وليست فى القوانين * ناصر عباس: انسحاب الشرطة جريمة عقوبتها الإحالة للاحتياط أثار دخول العديد من أقسام الشرطة فى مختلف محافظات الجمهورية فى الإضراب الجزئى، الذى دعا إليه ضباط وأفراد الشرطة، جدلا واسعا حول مدى أحقية رجل الشرطة فى الإضراب عن العمل وتعطيله مصالح المواطنين، حتى وإن كان ذلك لتحقيق مطالبهم التى يأتى فى مقدمتها إقالة وزير الداخلية، وإبعاد الشرطة عن الصراع السياسى القائم حاليا، فضلا عن تسليح رجال الشرطة لمواجهة الانفلات الأمنى. "الحرية والعدالة" التقت عددا من المواطنين، خاصة أصحاب المحال التجارية لاستطلاع آرائهم حول إضراب رجال الشرطة عن العمل فى الوقت الحالى، والذين أعربوا عن خوفهم الشديد نتيجة غياب الأمن ودخول الشرطة فى إضراب يزيد من معاناتهم، ويفتح الباب على مصراعيه أمام البلطجية والمخربين والخارجين عن القانون لممارسة أعمالهم الإجرامية وترويع المواطنين، إضافة إلى تعطيل مصالحهم. المواطن البسيط "الواحد مخنوق".. كان هذا هو لسان حال رمضان سيد حسن، 64 عاما، موضحا أنه بعد القرار الذى اتخذه قسم قصر النيل بالإضراب عن العمل، أصبحت أغلق محل أكل عيشى فى وقت مبكر، على عكس الفترات السابقة التى كنت أوصد أبواب المحل فى الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل. وأوضح رمضان أن شعوره بغياب الوجود الشرطى وإعلانها الاعتصام عن العمل أثر عليه بالسلب؛ حيث تراجعت حركة البيع والشراء لخوف أفراد الشعب من الوجود بالشوارع إلا فى أضيق الحدود وللضرورة القصوى، لا سيما منطقة قصر النيل، التى ينتاب سكانها إحساس دائم بعدم الأمان لقربها من أماكن ذروة الأحداث المتمثلة فى ميدان التحرير. مضيفا، أن قنابل الدخان جراء أعمال العنف تصل إلى المحل فى كثير من الأحيان، وتجعله غير قادر على مواصلة العمل. وبنبرة تحمل بعض الحزن يقول رمضان "صعبان عليّا البلد"، مشيرا إلى أنه يتمنى أن يكون أفضل من أجل الأجيال القادمة، متمنيا من الجميع أن يُنحى مصالحه جانبا حتى يتمكن البلد من الوقوف على قدميه. وأبدى رمضان استياءه من الاختلاف الذى تظهر عليه القوى السياسية، مؤكدا أن الوضع لن يتحسن إلا بتوافق الأحزاب، متسائلا عن سبب هذا الصراع فى الشارع الذى يذهب ضحيته فى النهاية عسكرى ليس له ذنب، وشاب سلمى ضاع وسط تلك البلطجة. ومن أمام العقار رقم 9 بشارع حسن مراد المجاور لقسم قصر النيل، وقف حسنى حسن محمد "حارس العقار"، الذى أبدى تخوفه من غياب الشرطة، خاصة أنه منوط بحماية سكان العقار، موضحا أن الوضع أصبح أكثر خطورة وصعوبة من ذى قبل. مشيرا إلى أنه أصبح يغلق أبواب العمارة فى الساعة الخامسة مساء، ومن يدخل أو يخرج من سكان العقار بعد هذا التوقيت عليه أن يستخدم مفتاحه الخاص، موضحا أنه قبل قرار إضراب أفراد الشرطة عن العمل كان يغلق الباب الساعة 12 صباحا. وأضاف أن سيارة الشرطة كانت تمر ذهابا وإيابا فى الشارع، خاصة أننا فى منطقة قريبة إلى حد كبير من الأحداث، أما الآن فكل هذا توقف، الأمر الذى يفتح الباب أمام كل من تسول له نفسه بارتكاب جرائم. مجاملات المفارقة التى لفتت انتباهنا أنه فى الوقت الذى يُعانى منه المواطنون من غياب الوجود الأمنى فى ظل الإضرابات التى تعلن عنها أقسام الشرطة، كان هناك فرد أمن من الداخلية جالسا أمام العقار ذاته، وبسؤاله عن سبب وجوده أكد أنه مكلف بحماية أحد اللواءات القاطنين بإحدى شقق العقار ذاته. أما محمد بيومى -مالك « سوبر ماركت» بجوار قسم قصر النيل- فأشار إلى أنه شعر بفرق كبير بعد قرار الشرطة بالإضراب عن العمل، مؤكدا أنه أصبح يحرص على غلق المحل قبل حلول الظلام، خشية وقوع سطو مسلح أو التعدى عليه وعلى مصدر رزقه فى ظل غياب وجود الأمن، خاصة مع إعلان الشرطة ذلك صراحة. وأضاف أن منطقة قصر النيل أصبحت منطقة "مرعبة" بعدما قررت معظم المحال غلق أبوابها فى الساعة ال8 مساء على أقصى تقدير، متسائلا.. كيف سنفتح محلاتنا فى هذه الظروف؟ مضيفا أن كل هذا من شأنه أن يمس هيبة الدولة، والمشكلة تكمن فى أننا أصبحنا فى صراع شبه دائم، فكل شخص يحارب من أجل تحقيق مصالحه الشخصية، والبلد يضيع، والمواطن فى النهاية هو الضحية. وفى الوقت الذى تناثرت أنباء عن انضمام قسم أول مدينة نصر إلى قائمة الأقسام الذى أغلقت أبوابها، توجهنا إليه لنجد أبوابه مفتوحة أمام الجمهور من قاطنى المنطقة، والأمور تسير بصورة طبيعية. وأكد محمد مصطفى شحاتة -مأمور القسم- أنه لا توجد نية من جانبهم للإضراب عن العمل، كما هى الحال فى بعض الأقسام، مؤكدا أن فكرة الإغلاق فى حد ذاتها سيترتب عليها العديد من النتائج الوخيمة التى ستضر بمصالح المواطنين فى المقام الأول، والتى يجب أن تحميها الشرطة، موضحا أن هذا واجبهم، ووصف رجال القسم عنده ب«المحترمين»، وأنهم لن يضروا بمصالح المواطنين من أجل تحقيق مصالح شخصية. وعلى الصعيد الآخر، التمس شحاتة بعض العذر لأفراد الأمن الذى أعلنوا إضرابهم، موضحا أن هذا جاء نتيجة شعور الكثير منهم بالاضطهاد، خاصة من جانب وسائل الإعلام، التى تجاهلت الإصابات التى يتعرض لها ضباط وزارة الداخلية، فى الوقت الذى تهول فيه من إصابة فرد واحد على الجانب الآخر، مدللا بواقعة "حمادة صابر". وأوضح شحاتة أن الإضراب فى معظم الأقسام ليس كليا وإنما جزئيا؛ حيث يضرب البعض فى حين يعمل البعض الآخر من أجل خدمة المواطنين؛ لأن الشرطة فى خدمة الشعب. وفى الوقت الذى أكد فيه عادل.م -المسئول عن تأمين البنك العربى- ضرورة وجود فرد من القسم فى كل الأحوال، إلا أنه لم يجد شرطيا واحدا موجودا بالقرب من البنك؛ حيث أشار إلى أن البنوك على وجه التحديد لا يمكن الإخلال بالنظام التأمينى لها تحت أى ظرف أيا كان. تسليح وحماية وحول تسليح ضباط قوات الأمن المركزى المعنية بمواجهة العنف خلال المظاهرات، أكد الخبراء الأمنيون ضرورة تسليحهم لحمايتهم وتأمينهم، خاصة أن هناك فارقا كبيرا بين تسليح مجموعات الشرطة لمواجهة البلطجية وبين تسليحها. وأوضحوا أن الأسلحة التى يحملها ضباط الشرطة قديمة والمتمثلة فى القنابل المسيلة للدموع والعصى الكهربائية، والتى لا تقارن بتلك التى يحملها المتظاهرون من خرطوش وأسلحة نارية. من جانبه، يؤكد الدكتور محمد شحاتة -أستاذ القانون الجنائى بجامعة الإسكندرية- ضرورة تسليح أفراد الشرطة لتأمينهم وحمايتهم، خاصة عند مواجهتهم للبلطجة، لا سيما فى ظل حالة الانفلات الأمنى التى تمر بها البلاد، مشددا على ضرورة وجود رقابة عليهم من قبل القيادات بعد تسليحهم حتى لا تستخدم الأسلحة فى غير موضعها. ويوضح أنه قبل الثورة كانت المشكلة تتمثل فى المجاملات التى كانت تحدث، سواء كان ذلك فى النيابة أو أمن الدولة أو وزارة الداخلية؛ إذ لم يكن هناك رغبة أو إرادة فى محاسبة الضباط المخطئين إلى جانب غياب الإرادة السياسية. ويشير شحاتة إلى أن قانون تنظيم الشرطة ولائحته التنفيذية وأيضا قرارات وزير الداخلية المنظمة لاستخدام السلاح هى التى تحدد الطريقة التى يتم بها التسليح، وكذا يحدد نوعية السلاح (مسدس، آلى، رشاش، وغيرها)؛ حيث إن السلاح الذى يحمله فرد الأمن العام يختلف عنه فى الأمن الجنائى وعنه فى الأمن المركزى، لافتا إلى أن هذه القوانين تكون وفقا لمعايير عالمية. ويضيف شحاتة أن المشكلة فى ممارسات أفراد الشرطة وليست فى القوانين، وهناك لائحة تحدد استخدام السلاح وطريقة التسليح ومقاومة البلطجة، كما أنها هى التى تحدد من له الحق فى حمل السلاح ونوعيته، وفقا للوضع الأمنى الذى يستخدم فيه السلاح إذا كان فى مواجهة مع بلطجية أو خارجين على القانون يهدده ثم إطلاق الرصاص فى الهواء، تليها الضرب فى قدمه، إلا إذا كان هناك من يهدد حياة الأفراد فإنه فى تلك الحالة مصرح له بقتل المعتدين. أما المهندس حمدى طه -عضو لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس الشعب- فيقول: "لست مع إضراب أفراد الشرطة عن العمل بأى حال من الأحوال؛ إذ إنهم منوط بهم خدمة وحماية بلدهم، فهم فئة لها وضعها، والمطالب فى ذاتها عادلة لكن من المفترض ألا تكون بطريقة لى ذراع الدولة". ويضيف: "أنا مع مطالب أفراد وأمناء الشرطة وحقهم فى التسليح للدفاع عن أنفسهم فى مواجهة البلطجية"، موضحا أن الأسلحة التى يحملها أفراد الشرطة -فى ظل الانفلات الأمنى وتهريب الأسلحة عن طريق الحدود السلاح وفوضى السلاح- قديمة لا يوجد تناسب بينها، وتلك الحديثة التى يحملها المجرمون. وتابع طه قائلا: "لا يصح أن يقف الشرطى وصدره عاريا أمام الأسلحة الحديثة؛ لذا لا بد من تسليحه وتأمينه"، لافتا إلى أن هناك قانونا لتنظيم الاشتباكات بين أفراد الشرطة والمجرمين، مشيرا إلى ضرورة رفع أجور رجال الشرطة ومساواتهم بالعاملين فى القطاعات المختلفة. ويقول اللواء محمد قدرى سعيد -الخبير الأمنى-: إن هناك العديد من المشاكل التى يتعرض لها رجال الشرطة، بصرف النظر عن رتبهم، وبالأخص العساكر، تتمثل فى التهديدات الكثيرة من قبل الشارع والاعتداء عليهم، ومع هذا لا يملكون أى وسيلة للدفاع عن أنفسهم فى حالة إذا تعرضوا لأى اعتداءات. ويضيف سعيد: "وزير الداخلية يخشى أنه فى حال تسليح رجال الشرطة أن تقع مذبحة، وسيكون هناك رد فعل من كلا الجانبين ويُقتل عدد أكبر"، مؤكدا أن العملية معقدة وتحتاج وقتا طويلا لحلها، مشددا على أهمية أن تأخذ القيادة بعين الاعتبار طبيعة ما يحدث وما تمر به البلاد، وإذا كان هناك هجوم يكون الرد عليه بالسلاح. ويستطرد قائلا: "الفترة الماضية لم يكن رجال الأمن فى حاجة إلى التسليح بشكل كامل؛ حيث كانت الأوضاع طبيعية، أما التوترات التى تشهدها الساحة السياسية الآن تنعكس على الأمن، ومن ثم يكون هناك نوع من التوتر، وهو ما نلمسه فى المواجهات التى تحدث بشكل يومى ومتكرر فى بورسعيد والقاهرة وميدان التحرير". ويشير سعيد إلى أن هناك تخوفا من إقبال الكثير على حمل أسلحة للدفاع عن أنفسهم، ومن ثم تتسبب فى مشكلات على المستوى العام، لافتا إلى أن فرد الأمن كان يتم تسليحه بشكل بسيط فى المظاهرات قبل ذلك، حيث كان يستخدم "عصا" فى الدفاع وليس القتل، أما الآن الأطراف الأخرى تستخدم أعيرة نارية وخرطوشا، ورجل الشرطة نفسه يتعرض لعملية قتل وليس تخويفا. ويرى ناصر عباس -أمين سر لجنة الدفاع والأمن القومى- أن الإضراب الذى تشهده أقسام الشرطة ما هو إلا إضراب جزئى بالدرجة التى ليست من شأنها أن تعطل دولاب العمل، مؤكدا أن فكرة الإضراب الكلى تخالف القسم الذى أقسم عليه رجال الشرطة، مشيرا إلى أن الهدف من هذا الإضراب -الذى وصفه بالاحتجاج- هو توصيل رسالة مضمونها عدم تسييس جهاز الشرطة، والاهتمام بتسليحهم فى ظل الأحداث المتتالية التى تمر بها البلاد. وعلى الجانب الآخر، أوضح عباس أن انسحاب رجال الشرطة -وهو ما لم يحدث- يعد بمثابة جريمة تتراوح عقوبتها ما بين الجزاء العادل بالخصم من الراتب وتصل إلى حد الإحالة للاحتياط، موضحا أن هذا ما يتحدد وفقا لطبيعة الموقف.