من يتابع الساحة الإعلامية المصرية تصيبه حالة من القلق والخوف والدهشة على مستقبل مصر، حرب إعلامية مستعرة تشنها قوة سياسية خارجة عن السياق رافضة اختيار الشعب، فارضة وصاية عنترية طواها النسيان! هذا الإرهاب الإعلامى الذى يمارسه الناصريون الآن، هل يعبر عن قوة حقيقية شعبية تتدافع وتتنافس لأجل مصر، أم هو حصيلة أبواق إعلامية متساندة لإحداث أكبر قدر من التشويش والضجيج لإخافة المجتمع من تجربة الحكم الجديدة؟ أولا: سمات الإرهاب الإعلامى الناصرى: 1- الفلول الناصرية، هم خليط من أبناء الريف والطبقات الفقيرة مثل المنتمين للقوى الإسلامية، لكنهم عاشوا يحلمون بالبطولة، وآمنوا بالمعجزات فى زمن الخرافة، ورغم انكسار البطل وإسدال الستار على نهايته التراجيدية ظلوا غير مصدقين، وعاشوا على وهم لم يناقشهم فى تهافته إلا قليل؛ ولأن شعبنا شعب متسامح وينسى الجرائم بمجرد كلمة طيبة، فقد تغاضى عن جرائم العهد الناصرى، وقبل بوجود بقاياه لما لهم من لسان طلق وقدرة على الكلام ولحن القول! 2- بقايا الناصرية الجدد عموما قرءوا كثيرا وتثقفوا وتعلموا مناهج الجدل ودرسوا كيفية التناحر الطبقى، وهم محبون للصراع ويرون فيه محركا للتاريخ، ولذلك تراهم دائما متوترين، قلقين لا ينتهون من معركة حتى يبدءون أخرى، منذ دالت دولة عبد الناصر وانتهت بهزيمة المشروع وانكسار البطولة الزائفة وهم فى حالة استنفار لاستعادة سيطرتهم على مقدرات شعب مصر، وقد اقتنعوا برواية زائفة سوقوها لأنفسهم وللناس بأن السادات أطلق يد الجماعات الإسلامية للقضاء على اليسار والناصريين، ولو كان مشروعهم له حظ من القبول لَمَا تخلى عنه الناس. 3- بقايا الناصرية متمركزون فى مرابض الإعلام؛ صحافة وإذاعة وتليفزيونا، هوايتهم الدعاية والتهييج كما فى النظرية الشيوعية؛ فهى أقرب الطرق للظهور والوصول إلى الجماهير والطريق إلى البطولة؛ ففى التجمعات الحاشدة يغيب العقل وتسمح الظروف والحالة النفسية بتمرير رسائل تلهب حماس الناس وخاصة البسطاء، حيث تدغدغ رغباتهم دون فعل عملى. وقد نفّذ صباحى هذه الوسائل لكسب الجمهور، وسبقه أستاذه فى هزيمة يونيو، وفى حادث المنشية الملفق استطاع استمالة الجمهور وتبرير نكساته! ولا عجب أن يكون قادة الحرب: حمدين صباحى، وياسر رزق، وإبراهيم عيسى، وتهانى الجبالى، وعبد الحليم قنديل، وعبد الله السناوى، وحسين عبد الغنى، وغيرهم كثيرون فوق منصات الإعلام، ولا يملكون غير ذلك، وهم يعرفون كيف يتخذون مواقع المعارضة فى كل زمان لابتزاز السلطة وإشغالها بقضايا ليست ذات أهمية، وقد يصل الأمر ببعضهم لخدمة أهداف مناقضة لقناعاته لكسب المال والنفوذ، (راجع خطط الماسونية فى تجنيد الأبواق وتصنيع النجوم، وراجع خطط التشيع السياسى ودعم الإعلاميين والمؤثرين ستجد الإجابات الشافية!). 4- بقايا الناصرية بينهم وبين الإخوان عداء قديم، فالناصرية الحالية لن تنسى أن أقوى معارضة وأكثرها تجلدا فى سجون الناصرية هم الإخوان، وأن كل وسائل العسف والتعذيب لم تثنِ هؤلاء عن عقيدتهم ومشروعهم، وأن الناصرية هُزمت شر هزيمة، وأن الإخوان خرجوا من السجون ليستعيدوا مشروعهم ويجدوا الناس والشعب فى انتظارهم، بينما أفل نجم الناصرية وسحقتها تكبيرات النصر فى حرب 1973م تحت أقدام مرحلة جديدة قادها السادات، وعاد فيها الإسلام إلى نفوس المصريين وقلوبهم، فأزاح الأفكار المدمرة، والتوجهات السادية فى الحكم والإدارة!! والناصريون لذلك يحملون عداء للإخوان الذين استلموا السلطة ويخشون من أن يعود التاريخ فينتقم الإخوان منهم، على الرغم من أن الإخوان لم ينتقموا من الجيل الناصرى الذى عذبهم وضربوا صفحا عن جرائم الناصريين!!. 5- فلول الناصرية يستمدون قوتهم من وظائفهم فى الساحة الإعلامية والثقافية، ولذلك فصوتهم عال، وضجيجهم كبير، وقدرتهم على التشويش غير محدودة فى شعب ثلثه من الأميين، وثلثه الآخر يعتمد السماع والمشاهدة بديلا عن التحليل والتفسير، وليس لديه وقت للفهم والاستيعاب؛ نظرا لتسارع إيقاع الحياة!! ليسوا كثرة، لكنهم مؤثرون، وهم مقاتلون أشداء بالدعاية والشائعة والتنكيل بخصومهم وتشويه صورهم، ولأنهم درسوا فنون الحرب النفسية وتخصصوا فى صناعة الإعلام منذ زمن بعيد، فلديهم القدرة على شن الحروب الإعلامية وقتما تتطلب الحاجة، وهم فى معاركهم لا يرقبون فى مواطن ولا وطن إلًّا ولا ذمة! وقد كان عبد الناصر نفسه كذلك حينما تأخذه العزة بالخطأ لا يسمع ولا يتعقل، أى ناصرية تلك التى تجد لنفسها مكانا بين شعب تحرر من كل صور الاستعباد؟! 6- فلول الناصرية قليلون فى عددهم، ولذلك يعيشون بعقلية الأقليات العرقية والطائفية، فهم متماسكون لا يقع منهم شخص إلا انتدبوا أنفسهم للدفاع عنه، وهم دائما يحتمون بالسلطة العسكرية ويعيشون فى ظلها (انظر مواقف مصطفى بكرى، وياسر رزق). 7- فلول الناصرية تقدس الأشخاص، ولا تحفل كثيرا بالمبادئ؛ فكم تحول الناصريون وتكيفوا مع الأنظمة، (د. عمرو عبد السميع، وعبد الله كمال الناصرى الأصل المتحول إلى فكر الحزب الوطنى دون أدنى شعور بالتناقض!!) وهم فى ذلك أشبه بمنهج التشيع السياسى، الأشخاص قبل المشروع، والنجومية قبل القيم والمبادئ!! ولا عجب ألا تجد لديهم خططا ولا تجد عندهم بدائل لما ينتقدونه، وإن سألت أحدهم ما مشروعك؟ قال: الفقراء والمشردون، ماذا ستفعل لهم؟ لا شىء، ولماذا تأخذ من الطبقات الأخرى موقفا عدائيا؟ لأنهم أغنياء، وهكذا! ثانيا: أما لماذا يعلو صوت فلول الناصرية ويسمع البعض لهم؟ فالإجابة يسيرة.. القوى الإسلامية لم تتوقع أن يبدأ الناصريون حربا مبكرة، فلم يعدّوا لها عُدتها، وانشغلوا بعد الثورة ببناء ما تهدم، ولم يجدوا وقتا للدخول معهم فى حروب يرونها مضيعة للوقت، وهم قد حرموا من منابر الإعلام طوال عقود، بينما كان الناصريون متمركزين فيها، متلونين معها مع أنواع الحكم المناقضة لما يعلنون، وهنا لا نعفى القوى الإسلامية من قصر النظر الإعلامى وضعف كوادرها وضآلة تمويلها، وهذا أغرى الناصريين بها، فلما لم يحصلوا على مواقع سياسية حاولوا إرهابها إعلاميا!! إن شعبنا المصرى أفاق من غفلته، وبدأ يعرف طريقه، واختار المشروع الإسلامى، الذى لم تتح له فرصة الأخذ بيد المجتمع والدولة والثقافة، والناصريون الجدد يرون أنفسهم أحق بالمُلك من الإخوان، وإلا فما الذى يدفع كاتبا مثل عبد الله السناوى للقول بأن حكم الإخوان "دولة هواة"، وكيف كانت دولة ناصر المحترف المورط مصر فى حروب كونية؟ ألم تفقرنا وأورثتنا الهزائم؟! خلاصة: الناصريون ليسوا أهل حكم وإدارة، إنما هم يعيشون على دماء السلطة وامتصاص رحيق العمال، وابتزاز مشاعر الفلاحين والبسطاء، وتشويه كل إنجاز؛ لأنهم ليسوا أصحاب إنجازات، ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، ويحضرون وقت التصوير إما فى وضع حجر الأساس، أو فى نهاية كل مشروع! ثالثا: كيف نتعامل مع الإرهاب الناصرى؟ ليس من العقل ولا الواقعية أن نتجاهل وجودهم، بل احتواؤهم واجب، وضمهم للمسيرة ضرورة.. فإذا واصلوا السير فى إرهاب الخصوم.. ما العمل؟ العمل هو أن يقوم أهل السلطة بتعريف أنفسهم من جديد للمجتمع مَن هم؟ وماذا يريدون؟ وأن يلبوا حاجات الناس؛ بمعنى: أن يستمروا فى طريق العمل والبناء، وأن يكرّسوا كل جهدهم مع بقية القوى الوطنية لإعادة إعمار ما تهدّم، والوصول إلى عامة الناس بالخدمات، ونحن معكم ننظف شوارعنا وننظم طرقاتنا ونطهر قوانيننا، بشرط أن تضعوا الرجل المناسب فى موضعه، وأن ندشن معا دولة القانون. حفظ الله مصر..