اختتمت مؤخرا فعاليات الملتقى الخامس للعروسة الشعبية ببيت السحيمى، والذى جاء بعنوان "مسرح فى كل مكان" تحت رعاية دكتور صابر عرب وزير الثقافة، وبتنظيم صندوق التنمية الثقافية، بهدف إعادة إحياء التراث الشعبى والفن المصرى الأصيل. ولاقى الملتقى نجاحا لدى الكبار قبل الصغار، وقد جاء هذا النجاح تكليلا لجهود استمرت لأكثر من عشر سنوات من العمل الجاد والبحث المضنى للدكتور نبيل بهجت -مدير مركز إبداع بيت السحيمى- وفرقته المعروفة باسم "ومضة" وأبطاله: عم صابر المصرى ومصطفى الصباغ وعلى أبو زيد سليمان ومحمود سيد حنفى ومحمد سعيد صابر شيكو. وفى تعاون متناغم استطاع الفريق إعادة تقديم العروسة الشعبية إلى الجمهور فى ثوب أنيق ينطق بالأصالة والقيم من خلال عروض الأراجوز وخيال الظل، من تأليف وإخراج دكتور نبيل بهجت الذى حرص على الحفاظ على الرسالة الأساسية لتلك العروض وهى التوعية والنصيحة من خلال الحكايات أو المواقف الكوميدية التى تحاول تهيئة المشاهد للعودة بالزمان والمكان إلى عالم المولد الشعبى القديم من خلال المزيكا. وتبدأ العروض بنقد لاذع للإعلام الحديث الذى تغيب عنه المهنية والثقافة فيبدأ العرض بخطأ فنى للعروسة التى تمثل رجل الإعلام الذى يتخذ منه وسيلة للربح بسياسة استبدادية فيأتى الخطأ بأن يبدأ العرض الذى يتحدث عن القدس بأغنية شعبية بدلا من أغنية زهرة المدائن ثم يتدارك الخطأ بالنزول بالأغنية الصحيحة، ويُفاجأ الممثل بعد ذلك بظهور صورة مسجد قبة الصخرة بدلا من صورة المسجد الأقصى على الشاشة، وعندما يعترض الممثل ويمتنع عن استكمال العرض ينهره صاحب العمل ويحثه على إكمال العرض، متحججا بجهل الجمهور وعدم معرفته وتتوالى النصائح بعد ذلك لتصل إلى: اسمع كلام ماما وباب واشرب اللبن وحب الحضانة والمس. كما شهد الملتقى هذا العام الكثير من الفعاليات؛ من أهمها معرض العروسة الشعبية تحت اسم "عرايسنا"، الذى ضم أكثر من 100 نموذج وتصميم للعروسة المصرية، وأعمالا أصلية لأهم شخصيات "خيال الظل" و"الأراجوز". وأقيمت على هامش الملتقى ورش فنية للعروسة الشعبية بهدف تدريب الراغبين على فنون الأراجوز وخيال الظل، كما قدم الملتقى الكثير من عروض الأراجوز وخيال الظل منها حكايات كتاب وأراجوز دوت كوم وملاعيب شيحة من تأليف دكتور نبيل بهجت وبطولة أعضاء فرقة ومضة. أما أهم فعاليات الملتقى الخامس للعروسة الشعبية فقد جاءت فى ثانى أيام الملتقى بعرض مجموعة من الأفلام التوثيقية عن عروض الأراجوز والتى تم إنتاجها بالتعاون بين صندوق التنمية الثقافية والمجلس الأعلى للثقافة ضمن مشروع التوثيق وحماية التراث الشعبى المصرى وحفظ سجلات الذاكرة. وشهد الملتقى صدور كتاب الأراجوز المصرى الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة باللغتين العربية والإنجليزية الكتاب جمع ودراسة وتوثيق دكتور نبيل بهجت وهو الأول من نوعه الذى يتناول مسرح الأراجوز الشعبى بالنقد والتحليل، واعتمد الكتاب على سبع رواة ما زالوا يمارسون هذا الفن حتى الآن. وعن الكتاب والدراسة التحليلية التى قدمها، يقول بهجت لم تكن تجربتى مع الأراجوز وخيال الظل دراسة أتقدم بها لنيل درجة علمية أو أقدمها للقارئ فحسب، بل كانت تجربة حياة بدأت منذ عشر سنوات واستمرت حتى هذه اللحظة، أحيا بها ومعها محاولا إعادة هذه الفنون إلى الحياة مرة أخرى، لإيمانى الشخصى بأن التراث الشعبى أحد مصادر تشكيل الوعى المصرى والتأريخ للذاكرة المصرية، كما أن رغبتى فى فهم العقلية المصرية ومصادر تكوينها وآليات اتخاذ القرار فيها دفعنى للاهتمام بالتراث الشعبى كأحد أهم إبداعاتها. وأضاف: جاءت هذه التجربة فى إطار رصدى للواقع المصرى والتحولات التى تطرأ عليه؛ فاختفاء النموذج المحلى لصالح النموذج الغربى يكرس لمفاهيم العجز وعدم الرضا عن الذات، وهو ما يجعلنا تابعين لبعض الإستراتيجيات الاستعمارية التى ترانا سوقا لمنتجاتها، منجما لموادها الخام، ويغذيها البعض بشعارات تربط الخلاص والتقدم بهذا الآخر، ويتلقى الإنسان البسيط تلك المفاهيم ليتخيل أن جنة الله خلف المتوسط، ومن ثم يخاطر بنفسه وبحياته ليدخل تلك الجنة بشكل غير شرعى، إن حالفه الحظ ونجا من أمواجه العاتية. وتابع بهجت: لقد كان حضور هذا الآخر طاغيا بشكل أفقد الحياة معناها، ومن ثم كان شعار تجربتى "إن لدينا ما يستطيع أن يعبر عنا"، واتخذت "ومضة" اسما لفرقتى التى أسستها لإحياء هذه الفنون بمعنى: "بريق فى الظلام الدامس"؛ لتلفت الأنظار إلى الإمكانات التى يمتلكها مجتمعنا للنهوض مرة أخرى. وتعتمد العروض التى قدمتها الفرقة على مدار عشر سنوات على الأراجوز وخيال الظل كلغة أساسية تمتزج بالراوى والغناء الشعبى والرقص الشعبى أحيانا، بهدف الاستفادة من إمكانيات الفرجة الشعبية لتحقيق حالة مسرحية مصرية نجحنا إلى حد كبير فى الوصول إليها. وعن أهمية توثيق مورثاتنا الشعبية، يقول بهجت: توثيق التراث الشفاهى يعد حفظا للأرشيف القومى، وذاكرة الأمم، خاصة فى ظل حالة الهجوم الاستهلاكى، وطرح النماذج الغربية، والاتجاه إلى استغلال النماذج المحلية، وتغريبها لصالح نماذج أخرى، ومن قبل شركات عابرة للقارات تهدر حقوقنا، فمثلا نموذج مثل "علاء الدين" وهو نموذج عربى، يستخدمه الغرب دون مقابل مادى، ومن هنا كان ضروريا أن يتم إعادة توظيف واستغلال هذا المنتج الثقافى، الذى تم إنتاجه عبر أجيال متعاقبة، اقتصاديا، من خلال أرشفته فى البداية. وعقب عرض صندوق الحكايات جاء عرض للفرقة المولوية بقيادة الفنان عامر التونى؛ ليختتم المهرجان بالإعجاب الشديد من جمهور غفير لم يستطع أكثرهم الدخول إلى قاعة العروض واصطفوا خارج البيت مكتفيين بالاستماع والاستمتاع كأى مهرجان عالمى.