لاحظت اهتماما متزايدا من الخارجية الروسية، ومراكزهم البحثية، وقناة (روسيا اليوم) الموجهة للعالم العربى، بتصحيح أخطاء موسكو تجاه الربيع العربى والسعى لمغازلة التيار الإسلامى، وفى القلب منه جماعة الإخوان المسلمين، وأن مراهنتهم الخاطئة على فشل الإسلاميين جعلتهم يعترفون بأن القطار فاتهم وعليهم اللحاق به. ولهذا عندما قلت لخبير روسى شاركنى حلقة برنامج (بانوراما) على قناة (روسيا اليوم) إنهم أخطئوا وتحركوا بمنطق (الدب الروسى) ثقيل الحركة فى التعامل مع الربيع العربى، بينما تحرك الغرب وأمريكا بمنطق (الصقر) بسرعة، اعترف بصحة هذا التحليل، ولكنه قال إن الدب بطبيعته يعوض حركته البطيئة فى البداية بقفزات سريعة لاحقا، وهذا ما يتوقعه من موسكو تجاه الإسلاميين!. روسيا أخطأت لأنها تعاملت مع الربيع العربى من منطق الفكر الشيوعى القديم بأنها ليست ثورات لعدم وجود بعد اقتصادى لها، ونسوا أنها ثورات من أجل الحرية والكرامة لا من أجل الخبز.. وأخطأت فى النظر للصحوة العربية بنفس منطق كراهيتها للتيارات الإسلامية المنتشرة فى الجمهوريات الإسلامية الروسية وأسيا الوسطى، واعتبار مراكز الأبحاث الروسية أن كل الإسلاميين شيشانيون جهاديون، وكررت أخطاءها فى ليبيا وسوريا مع مصر، ولهذا بدأت تتقرب من الإخوان باعتبارهم الحصان الفائز فى انتخابات الصحوات العربية، وأعلن وزير خارجيتها أنهم ينوون تخفيف القيود على الإخوان المسلمين قريبا لتحسين العلاقات مع مصر وإعادة بناء النفوذ الذى خسروه خلال ثورات الربيع العربى. سألنى المذيع (آرتيوم كابشوك): ما الذى ينبغى على السلطات الروسية أن تفعله مستقبلا للتعاون مع النخب العربية الجديدة والإخوان المسلمين؟ فقلت له إنه ليس من المنطقى أن يطالب الروس بالحوار مع الإخوان فى العالم العربى وهم يعتبرون الإخوان جماعة إرهابية منذ 10 سنوات (بموجب حكم المحكمة العليا الروسية عام 2003 باعتبار أكثر من اثنى عشرة منظمة إسلامية -بما فى ذلك الإخوان- منظمات إرهابية وإدراجها فى قائمتها السوداء)؟!. وقلت إنه ليس من المنطقى أن تستمر الاستخبارات الروسية ومراكز الأبحاث الإستراتيجية الروسية فى الترويج لمقولات عقيمة عن تحالف بين الإخوان والمخابرات الأمريكية لتشويه الجماعة والربيع العربى، واستمرارهم فى نشر مزاعم عن "أنشطة منظمات أقامها الجناح الدولى المتطرف للإخوان المسلمين فى 49 منطقة فى روسيا ورابطة الدول المستقلة"، واعتبار حتى الجمعيات الخيرية جماعات إرهابية، ومزاعم اتهامهم الإخوان المسلمين بدعم متمردين يريدون إقامة دولة إسلامية فى منطقة شمال القوقاز الروسية ذات الأغلبية المسلمة!!. وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف قال إن موسكو مستعدة للتعاون مع الحزب الحاكم لجماعة الإخوان المسلمين من مصر، على الرغم من أن موسكو تعتبر هذه المنظمة رسميا بأنها منظمة إرهابية، وموسكو تحاول الآن تعزيز علاقاتها مع مصر لأسباب من بينها تعويض بعض النفوذ الذى فقدته فى العالم العربى فى العامين الأخيرين وخصوصا فى دول مثل ليبيا وسوريا اللتين كانتا تتلقيان أسلحة روسية. وسيأتى تخفيف القيود على الإخوان المسلمين فى روسيا والعالم العربى، عقب خطوة مماثلة من جانب الولاياتالمتحدة التى خففت فى أوائل 2012 حظرها للاتصالات الرسمية مع الجماعة، لأنهم يدركون أن هذه خطوة ضرورية قبل زيارة مرتقبة للرئيس محمد مرسى لروسيا، وهو ما أكده "اليكسى جريشين" -رئيس مركز بحوث الدين والمجتمع، ومستشار الرئيس بوتين لشئون الإسلام. صحيفة إزفيستيا الصادرة فى موسكو كشفت هذا الأسبوع عن تزايد أعداد المسلمين فى روسيا، كما هو الحال فى الغرب، ونقلت عن دوائر أمنية روسية أن أكثر من 300 ألف روسى اعتنقوا الإسلام مؤخرا لينضموا إلى نحو 20 مليون مسلم روسى منهم أكثر من مليون مسلم فى العاصمة موسكو، وهو ما دفع الدكتور محمد عمارة للقول -فى مؤتمر بالأزهر عن نهضة الأمة الأسبوع الماضى- إن الإحصاءات السكانية فى روسيا الاتحادية تؤكد أن المسلمين سيحكمونها عام 2050 كما حكمها التتار من قبل".