تشهد إسبانيا حاليا حراكا سياسيا واسعا قد يطيح برئيس الحكومة ماريانو راخوى، عقب فضائح الفساد التى تورط فيها الحزب الحاكم، وتصاعد المظاهرات المناهضة لتجاوزات الحكومة وتدنى الأوضاع الاقتصادية فى البلاد. وعلى مدى الأسبوع الماضى، كشفت وسائل الإعلام الإسبانية وثائق فساد بميزانية الحزب الشعبى الحاكم، تتعلق باختلاسات ورشاوى وصفتها بأنها "تصل إلى رئيس الحكومة وعدد من الوزراء وقادة الحزب بعمولات بطريقة سرية لم يعلنوا عنها لمصلحة المالية والضرائب". وأثارت الفضيحة ردود فعل قوية وسط المجتمع الإسبانى، الذى خرج فى تظاهرات غاضبة ضد الحكومة وضد الفساد. وتأتى تلك الفضائح المالية فى وقت تمر فيه البلاد بأخطر أزمة اقتصادية. ورفع متظاهرون تجمعوا أمام مقر الحزب الشعبى الحاكم بالعاصمة الإسبانية مدريد الأربعاء الماضى لافتات، مكتوبا عليها "استقالة" و"كفى" و"عار على إسبانيا". وطالب حزب اليسار الموحد باستقالة رئيس الحكومة والدعوة إلى انتخابات مبكرة، إذا تبين بالفعل أن الأمر يتعلق بتورط راخوى. أما زعيم الحزب الاشتراكى الذى يقود للمعارضة "ألفريدو روبالكابا"، فطالب من رئيس الحكومة الإسراع فى تقديم توضيحات للرأى العام، وهل كان يتوصل بمرتب سرى لا يكشف عنه للضرائب. على صعيد آخر، تظاهر حوالى 7 آلاف قاضٍ، والتحق بهم محامون وموظفون فى قطاع العدالة؛ حيث تجمعوا حول محاكم مدريد، وذلك دفاعا منهم عن استقلال القضاء الوحيد القادر على كبح جماح التجاوزات، على حد شعاراتهم. وتزيد احتجاجات القضاة حدة الضغوط على الحكومة التى تحاول بصعوبة التوفيق بين التقشف والخروج من الركود الاقتصادى. فى سياق متصل، تظاهر آلاف الأشخاص فى جميع أنحاء إسبانيا، احتجاجا على موجة عمليات الإخلاء والحجز على الممتلكات والمنازل؛ بسبب أزمة الرهن العقارى جراء الأزمة الاقتصادية. وتواجه الحكومة الإسبانية ضغوطا متصاعدة لوقف دعاوى إخلاء مرفوعة من المصارف على أصحاب عقارات متعثرين، وذلك عقب ارتفاع حالات الانتحار؛ مما دفع بالتكلفة الاجتماعية لأزمة السكن فى البلاد إلى قلب نقاش حول إصلاح القطاع المصرفى. وأقر البرلمان الإسبانى مبادرة تشريعية شعبية تستهدف تغيير قانون التمويل العقارى. وكان حزب الشعب المحافظ الحاكم برئاسة رئيس الوزراء ماريانو راخوى، يعتزم رفض التغييرات، لكنه تعرض لضغوط متزايدة لكى يصوت لمصلحة المبادرة التى حصلت على توقيعات نحو 1.4 مليون مواطن. ورغم نجاح حكومة راخوى فى تقليص نسبة عجز الميزانية بفضل سياسة تقشفية قاسية، إلا أن الأزمة فى إسبانيا تتفاقم؛ حيث بلغ معدل البطالة العام الماضى 26%، بينما يصل فى أوساط الشباب إلى 56%، مما يفجر الاحتجاجات اليومية فى الشارع الإسبانى. ويعد العديد من الإسبان أن الكيل طفح مع أزمة تقشف غير مسبوقة ونسبة بطالة قياسية مع توالى الفضائح التى يكشفها القضاء والصحافة وتمس الحزب الحاكم. من جانبه، أكد رئيس الوزراء الإسبانى أمام البرلمان أنه سيفرض ضرائب جديدة لإدارة النشاطات المالية للأحزاب السياسية ومحاربة الفساد، مضيفا أنه سيقوم بإصلاح قانون الجرائم لزيادة العقوبات على الفساد فى صفوف المسئولين السياسيين. من جهة ثانية، وعد راخوى بتخفيض العجز الاقتصادى، لكنه بدا قلقا من عدم وصول العجز هذا العام إلى الهدف الأوروبى المرسوم قائلا: "بلادنا تمر بظروف اقتصادية واجتماعية صعبة، لذلك ينبغى أن نتحرك، لكن الطريق للوصول إلى أهدافنا فى خلق وظائف ما زال طويلا". وتشير التوقعات إلى احتمال استمرار العجز الاقتصادى الإسبانى، فى الوقت الذى أعلن راخوى عن محفزات جديدة لتوظيف الشباب، كما وعد بتخفيض الضرائب على الشركات الصغيرة والمتوسطة، لكن راخوى أكد أنه سيستمر فى السير فى خطة تقشفية لتخفيض العجز.