هى حرب نفسية، القوة الضاربة الرئيسة فيها هى وسائل الإعلام (صحف وفضائيات مصر والخليج والولايات المتحدة، وقريبا أوروبا). فقد بدأت منذ أيام عملية الإسناد والدعم من اتجاهين: الإمارات والكويت شرقا، واللوبى اليهودى الأمريكى غربا، عن طريق كبريات الصحف المعبرة عنه، وعلى رأسها "الواشنطن بوست" و"النيويورك تايمز". هذه الحرب تختلف أهدافها باختلاف أطرافها: مصريا وخليجيا، الهدف هو إسقاط الإخوان ومشروع الحكم الإسلامى مرة وإلى الأبد. غير أن هذا الهدف بالنسبة لإسرائيل والغرب يحتل مرتبة متأخرة، لأن الهدف الأسمى لهم هو وأد الديمقراطية المصرية فى مهدها. إن استقرار ديمقراطية مصر، بما يسمح لها بالنضج والرسوخ، قضية أمن قومى بالنسبة لإسرائيل وحلفائها.. خطورتها تنبع من مكانة وثقل مصر، وتأثيرها الحتمى على محيطها العربى.. ففى أى اتجاه تسير مصر، يسير العرب دائما وراءها. وإذا تمكنت مصر من ديمقراطيتها واستتب الأمر لها، فلن يمر وقت طويل حتى تجبر الشعوب العربية حكامها على التحرر واحدا تلو الآخر من التبعية للغرب. وهذا بالنسبة لهم كابوس لا يحتمل. عندما حاربوا الديمقراطية فى فلسطين، وعاقبوا الفلسطينيين بقسوة على إجراء انتخابات نزيهة عام 2006.. وعندما يحاربون الديمقراطية الآن فى تونس، ويطلقون رفاقهم العلمانيين وفلول بن على، على النظام الشرعى فى تونس، فإنهم لا يفعلون ذلك إلا خوفا ورعبا من انعكاسات ما يجرى فى فلسطينوتونس على مصر. وقد وقع ما كان يخيفهم عندما أدت شرارة تونس منذ عامين إلى انتفاضة وثورة فى مصر. ومنذ خلع مبارك، كنزهم الإستراتيجى، وهم يستميتون من أجل وأد الديمقراطية فى تونس حتى يتشجع أعوانهم وحلفاؤهم من قيادات العلمانية المصرية على تكرار هذه الجريمة فى مصر. إن دعوات إسقاط الرئيس والدستور التى يطلقها غوغاء الجبهة، ويهددون بها يوم 25 يناير، لا تصدر أو تعبر فقط عن شباب منفعل ومهووس.. إنما هى تعبير عما تضمره قيادات الجبهة الجبناء، فى عملية توزيع أدوار مكشوفة ضمن مخطط شيطانى يستهدف استمرار القلاقل والاضطرابات؛ حتى لا يستقر الحكم للرئيس المنتخب، وصولا إلى سقوطه أو إسقاطه كما جرى مع البرلمان المنتخب. هذه الحرب النفسية تعتمد أولا على استغلال أخطاء الرئيس والجماعة وتضخيمها وتكرار السخرية منها، كما جرى مع تصريح د. عصام العريان الأخير غير الموفق، وكما جرى مع الوعود التى يفرط الرئيس فى إطلاقها دون تفكير فى كيفية أو إمكانية تحقيقها.. وثانيا على إلصاق كل مصيبة تقع فى مصر ب"حكم الإخوان".. وثالثا على غسل عقول الناس بأن "حكم الإخوان" هو السبب فى كل ما تعانى منه مصر، ويعانون هم منه. والهدف هو أن يحدث هذا التراكم بالتكرار أثره فى ضرب المعنويات، فيفشل الرئيس فى ضبط البلد وحكمه، ويسقط، ومعه جماعته والمشروع الإسلامى. إن ما يجرى مع مرسى وتكرار اتهامه بالفشل والعجز، فضلا عن دعوات إسقاطه، هو نفسه النهج الذى يسير عليه أحمد الزند وأتباعه فى استهدافهم للنائب العام: حرب نفسية لتدميره معنويا. وفى الحالتين "الإعلام" موجود دائما للتخديم على هذه الحرب، وتوفير المساحات وأوقات البث لتكثيف القصف، لكى يحدث أثره التراكمى بتعجيز كل منهما عن التركيز فى العمل حتى ينهار ويرفع الراية البيضاء، أو حتى تتم تعبئة وشحن الشعب إلى حد الانفجار، فيتدخل الجيش لإسقاط النظام. بالنسبة لإسرائيل وحلفائها فى الغرب، القضية تتجاوز مرسى والإخوان إلى ماهية الديمقراطية المطلوبة للمصريين والعرب. هم يريدون لنا الديمقراطية العنصرية التى يطالب بها الأسوانى والبرادعى وزمرة العلمانيين المستكبرين على الشعب.. الديمقراطية العنصرية التى تأتى بمن يريدون هم، وإلا فلا هدوء ولا استقرار ولا سياحة ولا استثمار. الوضع إذن لا يحتمل المزيد من الأخطاء، ولا يحتمل المزيد من السذاجة فى التعامل مع الفخاخ التى تنصب لنا، مثل التلويح باقتحام قصر الرئاسة لاستدراجنا إلى مقتلة، ومثل الاحتفال بالذكرى الثانية للثورة فى ميدان التحرير. إنهم يخططون منذ الآن ليوم 25 يناير لاستدراج الإخوان والإسلاميين إلى مقتلة كبيرة فى ميدان التحرير. سيبدأ الأمر بفاصل من السباب والشتائم الموجهة للإخوان والرئيس من جانب غوغاء الجبهة، لتحقيق أكبر قدر ممكن من الاستفزاز. ثم يأتى دور البلطجية للتحرش وجرّ الشكل حتى تبدأ الاشتباكات، لأن الإسلاميين لن يستطيعوا -بعد الصبر على السباب والإهانات- أن يسكتوا عن الاحتكاكات والاعتداءات. وعندما يختلط الحابل بالنابل، سيأتى دور القتلة والقناصة من عملاء إسرائيل لإسقاط أكبر عدد ممكن من شباب الإخوان والسلفيين. وفى تقديرى الشخصى، فإنه لا يمكن توصيف قتلة الشهداء إلا بكونهم عملاء صهاينة. ودعونا لا نغفل أيضا أن هناك فى جهاز (أمن الدولة) المنحل من لم ينسَ ثأره مع الإخوان. هؤلاء وجدوا فرصتهم للانتقام من (الإخوان) فى جمعة الغضب، وكانوا يتمنون نزول (الإخوان) يوم 19 نوفمبر 2011 (اشتباكات محمد محمود قبيل الانتخابات) لقتل أكبر عدد منهم، لولا أن الإخوان تنبهوا ولم يستدرجوا إلى الميدان. توفرت لهم فرصة أخرى للثأر من (الإخوان) عن طريق (الحافى الخيبان بتاع الإمارات)، ليس فقط للغدر بعدد من المصريين الأبرياء هناك، ولكن أيضا من أجل أن تكون هذه الاعتقالات مقدمة لحشد باقى دول الخليج ضد الرئيس ونظام حكمه. ثم جاءت الفرصة الرابعة أمام قصر الرئاسة فلم يترددوا فى انتهازها. وهم يتعطشون لفرصة خامسة لإيقاع أكبر كارثة تحل بالثورة فى عيدها الثانى. ولذلك لا يوجد خيار أمام كل وطنى إلا إجهاض هذا المخطط الشيطانى، وذلك بإعلان جميع الأحزاب والقوى الإسلامية أنهم لن ينزلوا الميدان يوم 25، ولا أى يوم آخر يوجد فيه تحالف الغوغاء والبلطجية والقتلة. دعوا الشعب يراهم على حقيقتهم، حتى لو أن هناك احتمال 1% أن يراق دم مصرى واحد فى هذا اليوم، فالأمر لا يستحق. لا جدال فى أن الكثيرين سيتساءلون: أليس هذا استسلاما للغوغائية والبلطجة؟ وكيف إذن نحتفل بالثورة؟ والرد هو أنه ليس استسلاما، وإنما فطنة وكياسة ألا تستدرج إلى معركة يفرض عدوك عليك مكانها وزمانها. عليك أنت أن تحدد وقت ومكان المعركة، وبشرط أن تكون قد التزمت مسبقا بالأمر الإلهى (وَأَعِدّوا لَهَم...). لقد ترك مبارك خرابا هائلا فى كل مكان، والأمر يتطلب صبرا لا حدود له لإزالة أنقاض هذا الخراب وإعادة البناء. فى وزارة الداخلية وفى وسائل الإعلام والقضاء، وغيرها من مؤسسات، الخراب شامل باستثناءات لا نكاد نشعر بها. جميع وزراء الداخلية الذين مروا على مصر منذ خلع مبارك فشلوا فى الإنجاز، ببساطة لأن المرارة كبيرة والإرادة ضعيفة، إن لم تكن معدومة، لخدمة الثورة. أين هم ضباط الشرطة الموالون للثورة ولممثلى الشعب؟ إن نسبة غير قليلة من الضباط الذين نشأوا على كراهية (الإخوان) واعتبارهم أعداء وشياطين، تصر على إفشال حكم الرئيس مرسى. والوضع فى القضاء أكثر صعوبة، ويتطلب وقتا طويلا لتطهيره من أتباع مبارك. أما الإعلام فهو حكاية أخرى كتبت، وسأستمر فى الكتابة عنها. كيف إذن نحتفل بالثورة؟ الأمر بسيط ويتطلب وعيا من قيادات الجماعة والحزب بأهمية وضرورة تجاوز المرارات الشخصية تجاه حزب (الوسط). خلال معركة الدستور، أثبت الثلاثى ماضى - سلطان - محسوب أنهم رجال دولة من الطراز الأول، ونالوا إعجاب واحترام وتقدير الجميع، مع قيادات إخوانية مثل د. البلتاجى ود. دراج، بمواقفهم الوطنية التى وضعت مصلحة مصر وشعبها على قمة الأولويات. لقد قفزت أسهم حزب (الوسط) إلى السماء على خلفية هذه المعركة، فى الوقت الذى تضررت فيه شعبية (الإخوان) بسبب شيطنة الإعلام لهم وتحريضه عليهم، باستغلال أخطاء لا لزوم لها. إن القضية الآن تتجاوز الجميع. نحن بصدد حرب قذرة على ديمقراطية مصر، يتعاون فيها للأسف فصيل علمانى كان محسوبا على الثورة، قبل أن ينقلب عليها ويخون الديمقراطية بكل خسة ونذالة. هذه الحرب على ديمقراطيتنا تستهدف المنطقة العربية بأسرها. ولذلك أقول للإخوان: مدوا أيديكم إلى إخوانكم فى (الوسط) وأنقذوا مصر من شرور ومفاسد الجبهة العلمانية، وليكن يوم 25 يناير موعدا لإعلان قيام (التحالف الإسلامى الوسطى) بقيادة (الحرية والعدالة) و(الوسط). هكذا يكون الاحتفال بذكرى الثورة. لقد جمعتكم معركة الدستور، فلا تعودوا من بعدها أعداء، وإلا فلن يغفرها لكم التاريخ.