فى خطوة مهمة للتصدى للثورة المضادة ومموليها تسعى السلطات الليبية إلى إنهاء التحقيقات مع كبار مسئولى نظام معمر القذافى المقبوض عليهم حاليا داخل سجون ليبيا، الذين قاموا بدور تآمرى على الثورة الليبية وأبنائها، بالإضافة إلى سجل ملىء بأعمال العنف والفساد الإدارى والمالى ونهب ثروات الشعب الليبى حتى جعلوه يقع تحت شعار "أغنى بلد وأفقر شعب". ويقبع فى سجون الثوار عدد من كبار أتباع القذافى، بعضهم تم القبض عليه خلال الثورة وأبرزهم سيف الإسلام القذافى، وبعضهم تم ترحيله من بلاد أخرى غير ليبيا وأبرزهم: عبد الله السنوسى رئيس جهاز مخابرات القذافى وصندوقه الأسود وزوج أخته، الذى سلمته السلطات الموريتانية إلى ليبيا فى سبتمبر من العام الماضى، بالإضافة إلى رئيس الوزراء فى العهد السابق البغدادى المحمودى، الذى تم تسليمه من تونس، والذى مثل بالفعل أمام المحكمة، والذى أجلت محاكمته عدة مرات. ونظرا لتأخير محاكمة هؤلاء الأتباع أو رؤيتهم جميعا خلف القضبان، خرجت عدة تظاهرات تطالب بتعجيل محاكمتهم وتوقيع أقصى العقوبة عليهم معتبرين ذلك استكمالا لمسيرة الثورة ومكتسباتها، فى حين أعلن مكتب النائب العام أن التحقيقات جارية وفور انتهائها ستبدأ المحاكمات. السنوسى.. خلف القضبان قريبا ويعد عبد الله السنوسى أخطر هذه الشخصيات نظرا لكونه الذراع اليمنى للقذافى وكاتم أسراره وهو ما يجعل التحقيق معه ذا حساسية كبيرة وربما يأخذ وقتا طويلا، لكن مكتب النائب العام الليبى عبد العزيز الحصادى أكد أن التحقيقات مع السنوسى انتهت بالفعل وأن مثوله أمام القضاء سيكون خلال أسبوعين. وأكد طه بعرة المتحدث باسم مكتب النائب العام الليبى أن لدى النيابة أكثر من 2000 صفحة من الأدلة ضد السنوسى، موضحا أن التهم الموجهة له ستعلن خلال أسبوع، وأنه سيمثل أمام المحكمة لأول مرة خلال أسبوعين، مشيرا إلى أن هناك مناقشات جرت فى مكتب النائب العام بخصوص إمكانية محاكمة السنوسى وسيف الإسلام القذافى معا، مؤكدا أنه لم يتخذ أى قرار بهذا الشأن بعد. فى حين أكد المتحدث العسكرى باسم رئاسة الأركان الليبية العقيد على الشيخى أنه من بين الجرائم التى يتهم فيها السنوسى مذبحة سجن بوسليم، التى حدثت عام 1996، حيث أعدم أكثر من 1200 سجين سياسى رميا بالرصاص فى أقل من ثلاث ساعات. سيف القذافى.. جلسة واحدة حتى الآن على الرغم من أن القبض عليه وقع فى 19 نوفمبر 2011 فى منطقة وأبارى جنوب ليبيا، إلا أن سيف القذافى -النجل الأكبر للقذافى– لم يمثل أمام القضاء إلا مرة واحدة الأسبوع الماضى 21 يناير الجارى عقب تحقيقات بدأت بعد فترة كبيرة من القبض عليه، وهو ما أثار حفيظة الثوار وتخوفوا من هروبه من منطقة الزنتان التى تم سجنه فيها، خاصة أنه تحت سيطرة الثوار وليس الدولة، وهو ما يجعل هروبه سهلا. من جانبه، أكد وزير العدل الليبى الجديد صلاح المرغنى أن محاكمة سيف القذافى ستكون خلال شهر فور انتهاء التحقيق معه الذى أشار إلى أنه مستمر معه، مشيرا إلى أن هذه المحاكمات التى ستبدأ قريبا -حسب كلامه- ستشمل نجل القذافى، وعبد الله السنوسى والبغدادى المحمودى. ويقول حسين المسلاتى -كاتب ومحلل سياسى ليبى- ل"الحرية والعدالة": "أرى ضرورة ربط محاكمة عبد الله السنوسى مع بقية محاكمة رموز النظام السابق وعلى رأسهم المتهم سيف القذافى لأن التهم المنسوبة لكل منهما ذات صلة ببعضها"، مضيفا: "أما بخصوص تأمين المحاكمات فلا أرى أية عوائق يمكن أن تعترضها إذا أقيمت فى الزنتان أو فى طرابلس، أما بخصوص عدالتها فأرى أن تشرف منظمات حقوقية ودولية على المحاكمة بصفة مراقب للتأكد من سلامة سيرها.. مع ثقتى بأن ضمانات تحقيق العدالة متوفرة لسبب واحد أن التهم المنسوبة إلى هؤلاء الأتباع تملك الكثير من القوة والقطعية". أما الناشطة الإعلامية من طرابلس مرام أبوعيشة، فتقول ل"الحرية والعدالة": "إنه لا مانع من محاكمة السنوسى أمام القضاء الليبى ولا داعى للمبالغة فى التخوف من الوضع الأمنى وتأثيره على المحاكمة"، مؤكدة أن المؤسسات الأمنية خاصة وزارة الداخلية قادرة على تأمين المحاكمة لكن التخوف من أتباع هؤلاء "المجرمين" من محاولات إفشال المحاكمة بارتكابهم بعض أعمال الفوضى والعنف. وتشكل محاكمة أتباع القذافى حجر عثرة أمام المؤسسات المنتخبة الجديدة -المؤتمر والحكومة- لما يشكله هذا الملف من تعقيد وتشابك، خاصة أن أبرز هؤلاء الأتباع صدر بحقهم مذكرة توقيف من قبل المحكمة الجنائية الدولية وهو ما سبب نزاعا مؤخرا بين ليبيا والمحكمة، فى حين يرى الثوار أن التعجيل بمحاكمتهم من شأنه وأد الثورة المضادة التى يقودها مؤيدو هؤلاء "الفلول"، التى ظهرت مؤخرا باقتحام مؤسسات الدولة واغتيال القيادات الأمنية إظهار ليبيا فى صورة "الدولة الفاشلة".