قال تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِى اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ? (المائدة: 54). فالآيات تتحدث عن الجيل والطائفة التى يحبها الله عز وجل ويرضى عنها ويكتب لها الغلبة على أعدائها. فإن قلت: ولكن المسلمين جميعًا يحبون الله عز وجل، فما الداعى لوجود هذه الصفة؟! نعم، هناك حب لله فى القلوب، ولكن الحب الذى يريده -سبحانه- من الجيل الموعود حبٌّ يهيمن على القلب، ويتمكن منه حتى يصير الله أحبّ إليه من كل شىء ?وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ? (البقرة: 165). هذا الحب الصادق له علامات يُعرف بها، منها: طاعة المحبوب والعمل على مرضاته: فالعبد المحب لله يسارع ويبادر إلى نيل رضاه، انظر إلى موسى عليه السلام وهو يترك بنى إسرائيل وراءه ذاهبًا للقاء ربه قائلًا: ?وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى? (طه: 84). ولا يزال المحب الصادق يحرص على إرضاء ربه، وإن بذل فى سبيل ذلك كل ما يملك: ?وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ? (البقرة: 207). سرعة الإنابة: ومن علامات الحب الصادق مسارعة العبد بالتوبة والاستغفار، والاعتذار، وسكب العبرات، واسترضاء مولاه إذا ما وقع فى ذنب، أو قصَّر فى أداء واجب لخوفه الدائم من غضب ربه عليه، انظر إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو يناجى ربه ويسترضيه بعد ما حدث له فى الطائف من تكذيب وإعراض، وخوفه من أن يكون سبب ذلك منه، يقول -صلى الله عليه وسلم-: (.. إن لم يكن بك غضب على فلا أبالى غير أن عافيتك هى أوسع لى.. أعوذ بنور وجهك الذى أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحلّ علىَّ غضبك، أو أن ينزل بى سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك..). الشكر على عطاياه: فالمحب الصادق فى حبه يتلقى هدايا وعطايا ربه بفرح وسعادة وامتنان، وينسب إليه كل فضل وخير يأتيه، ونراه دائمًا ذاكرًا لأنعمه، حامدًا شاكرًا له عليها. الصبر على البلايا والرضا بالقضاء: فالمحب الصادق لله يتحمل ابتلاء ربه له ويرضى بقضائه، فهو يعلم أنه لا يريد به إلا الخير وأنه ما ابتلاه إلا ليطهره، ويقربه إليه: ?وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ? (الرعد: 22). كثرة المناجاة: من أهم علامات الحب الصادق لله حب الخلوة به، وكثرة مناجاته والثناء عليه، والانطراح بين يديه، ولما كانت المناجاة تخص المحبوب وحده، فإن المحب دائمًا ينتظر حتى تهدأ الأصوات، وتنام العيون، ويخلو المكان، حتى يهرع إلى ربه، ويأنس به، وما أجمل لحظات الأنس فى رحاب الصلاة، وبالأخص فى السجود، لذلك كانت أفضل صلاة بعد المكتوبة قيام الليل؛ حيث يتهيأ الجو للاتصال. فى هذا الوقت ينزل ربنا إلى السماء الدنيا نزولًا يليق بجلاله وكماله، فكيف بمن يدعى حب الله أن يعرض عن لقاء حبيبه، أو يتركه وينام؟!! أخذ الفضيل بن عياض بيد الحسين بن زياد وقال: يا حسين، ينزل الله تعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا، فيقول الرب: ((كذب من ادعى محبتى، فإذا جَنَّه الليل نام عنى، أليس كل حبيب يحب خلوة حبيبه؟ ها أنا ذا مطلع على أحبائى إذا جَنَّهُم الليل، مثلتُ نفسى بين أعينهم فخاطبونى على المشاهدة، وكلمونى على الحضور، غدًا أقرُّ عين أحبائى فى جنتى)). حب الرسول -صلى الله عليه وسلم- فى الله: ومن علامات الحب الصادق: حب ما يحبه سبحانه، وأحب ما يحبه الله عز وجل، رسول الله -صلى الله عليه وسلم. والترجمة العملية لحب الله والرسول -صلى الله عليه وسلم-: طاعته صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من ربه: ?قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ? (آل عمران: 31). ولقد اشتد حب الله فى قلوب الصحابة فذهب بعضهم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليخبروه بذلك ويقولوا له: يا رسول الله، والله إنا لنحب ربنا، فأنزل الله عز وجل قوله ?قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ?. قال الحسن: زعم قوم أنهم يحبون الله، فابتلاهم الله بهذه الآية. [تفسير ابن كثير 1 /314]. ومن علامات الحب الصادق: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما: فكل حب آخر؛ من حب للزوجة أو الأولاد أو الآباء أو الأمهات، ينبغى أن يكون تابعًا لهذا الحب، لا يزاحمه، ولا يعارضه، ويظهر هذا جليًّا عند تعارض حب الله ورسوله ومقتضياتهما مع حب شىء آخر كما قال تعالى: ?قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِى سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِى اللَّهُ بِأَمْرِهِ? (التوبة: 24). ومن علامات الحب الصادق: الحب فى الله والبغض فى الله: فالمحب الصادق فى دعواه يحب ما يحبه مولاه، ويبغض ما يبغضه، قال -صلى الله عليه وسلم-: (أوثق عرى الإيمان الموالاة فى الله، والمعاداة فى الله، والحب فى الله والبغض فى الله) [حديث صحيح]. فيُحب أى إنسان على قدر ما يحبه الله فيه من صفات. قال -صلى الله عليه وسلم-: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا فى الله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يُقذف فى النار) [متفق عليه]. وللحديث بقية إن شاء الله.