منذ أسبوع تقريبًا وأهل محافظة الأنبار فى العراق يعتصمون فى تظاهرات حاشدة ضد الحكومة العراقية برئاسة نورى المالكى، مطالبين بوقف الاضطهاد والإقصاء والإفراج عن السجناء العراقيين من الأنبار، خاصة النساء، بعد أن وصل الظلم إلى ما وصل إليه من القمع والملاحقة وتهميش المحافظة على صعيد الخدمات العامة، وكأن الحكومة العراقية تريد أن تعاقب أهل الأنبار على قيادتهم للمعارك ضد القوات الأمريكية التى احتلت العراق عام 2003 وانسحبت منها عسكريًّا فى 2011. لكن صوت الأنبار فى العراق لم يعد وحيدًا بعد أن خرجت العديد من المدن فى المحافظات الأخرى مثل نينوى وصلاح الدين، فشكلت تظاهرات جمعة العزة رسالة قوية للحكومة بأن الربيع العربى جاهز لكى يبدأ فى العراق، أجواؤه مهيأة ومطالبه مشروعة ومحقة، هذه الصيحات وصلت سريعًا للحكومة العراقية التى سارعت بالدعوة إلى إجراء حوار مع المتظاهرين فى محاولة لعدم توسيع رقعة التظاهرات، فى ظل الأوضاع العربية الحرجة التى تعيشها المنطقة وعلى رأسها سوريا المجاورة للعراق. المُتابع للمشهد العربى يوقن بأن الأوضاع فى سوريا سيكون لها انعكاسات كبيرة على الساحة العراقية وتغيير خارطة التحالفات باتجاهات تشكل عوائق فى وجه المالكى قد تصل إلى الإطاحة بنظام حكمه، لذلك وجدنا سرعة التحول فى الموقف تجاه سوريا من العداء- بعد أن هدد بتقديم شكوى ضد النظام السورى فى الأممالمتحدة- إلى المساندة، لم يكن ذلك مفاجأة بقدر ما كان تيقنًا بحجم الخطر الذى يحدق بنظامه إذا انهار النظام المجاور؛ لأن التأثير سيصل كذلك إلى الحليف الإيرانى. على الرغم من المحاولات العديدة التى نحاول الابتعاد فيها عن التقسيم الطائفى فى المنطقة العربية، نتيجة أن هذه التسمية أو الفزاعة هى من صناعة الولاياتالمتحدةالأمريكية، إلا أن ما يجرى فى العراق هو محاولة للتقسيم على المذهب، وما تتعرض له محافظة الأنبار لهو خير دليل على اتجاه الحكومة العراقية نحو هذا التقسيم، مدعومة من المستشارين الأمريكيين الذين ما زالوا فى قلب الحكومة يخططون للبلاد رغم الخروج العسكرى، فحجم الاستهداف الذى يطال الأنبار كبير جدًّا ومسلسل الإقصاء واضح، وتجربة نائب الرئيس العراقى طارق الهاشمى مع المالكى غير بعيدة، فبعد اعتقال عدد من المرافقين لنائب الرئيس وصل الأمر للهاشمى نفسه وصدر بحقه قرار إعدام، وهو ما اضطره إلى الهروب خارج البلاد والتهمة "الإرهاب"، مع أن الهاشمى هو من أسّس مجموعات الصحوات السنية التى حاربت تنظيم القاعدة داخل العراق بعد التجاوزات التى ارتكبها بحق العراقيين، ولكن منهج الإقصاء هو الهدف فلا حصانة لأحد أمام المالكى، فقد سبق ذلك اعتقال نواب فى البرلمان العراقى واليوم يستهدف مرافقين لوزير المالية، كلها تحت مسمى الخلية الإرهابية. باعتقادى أن الفرصة الآن مواتية للعراق بأن تلحق بالثورات العربية فى ظل الأوضاع الراهنة التى تشهد تراجعًا للدور الأمريكى والإيرانى فى المنطقة العربية، فبعد سقوط النظام المصرى حليف الأمريكيين وتقهقر النظام السورى حليف الإيرانيين فهذا يعطى العراقيين مؤشرًا على الدخول فى غمار ثورة داخلية رغم حجم التعقيدات، فالأمريكيون سيكونون ضدها بما تلحقه من ضرر بمصالحهم فى العراق ومع بعض الدول التى تعلن جهارًا نهارًا بأنها ضد سياسية إيران فى المنطقة، ولكنها تخشى أن تصلها رياح الثورات. ولكن رغم التعقيدات والمخاطر أعتقد أن الأنبار التى خرجت فى التسعينيات ضد صدام حسين وعلى أعتاب الفلوجة ذلت الأمريكيين وكانت سببًا فى خروجهم من العراق هى قادرة الآن على قيادة الثورة العراقية من جديد نحو مستقبل العراق، والكرة الآن فى ملعب الحكومة العراقية. ------------------- حمزة إسماعيل أبو شنب كاتب فلسطينى