1- مدخل: لا حدود للحزن صعب أن يمسك أحد بالقلم ليودع رجلا فى حجم جابر قميحة بحساب ما قدمه للثقافة الإسلامية المعاصرة وللآداب المنتمية المعاصرة وللحركة الإسلامية بوجه عام. ثم هو صعب جدا أن يكتب الابن عن أب بحجم جابر قميحة، لا سيما إذا كانت أبوة جابر قميحة أبوة تعليم واكتشاف وتدريب وفتح آفاق. ثم هو محزن جدا أن يرحل رجل طالما وهب من وهج عقله ودم مهجته ما غذى به شجرة الفكرة الإسلامية المعاصرة فى ميدان طالما شغب عليه الخصوم وأطالوا لسانهم باتهام الحركة الإسلامية من خلاله، وهو ميدان الإبداع الأدبى شعرا ومسرحا بوجه خاص. 2- أبوة عقل تعود علاقتى بالراحل الكريم جابر قميحة إلى نحو من ربع قرن أو يزيد عندما التقيته فى قسم اللغة العربية بكلية الألسن بجامعة عين شمس فى نهاية الثمانينيات، ودام اتصالى به والتردد عليه فى بيته الذى كان كعبة أعلام كبار من رجال الثقافة والفكر والآداب. وقد كانوا قديما يقررون أن أبوة العقل كأبوة الرحم وربما رجحتها فى الميزان، وأنا أشهد الله عز وجل أن أبوة الراحل طالما منحت كثيرا من أبناء الحركة الإسلامية من الشعراء والنقاد زادا ضخما تعريفا بمنجزهم ودعما لمسيرتهم وتبشيرا بطاقاتهم الإبداعية فى المجالات المختلفة. فى هذا السياق فإن الحق باعث على أن أعترف بأن قدرا من فضل الله علىّ فى خدمة الثقافة الإسلامية المعاصرة راجع إلى ما قدمه الرجل لى من رعاية تجاوزت حدود المؤازرة إلى أجواء الدعم والتعريف بى وخلق مساحات لنشر ما أكتب فى داخل مصر وخارجها. لقد كان جابر قميحة أنموذجا فريدا ومثالا فذا للإخلاص فرحا بظهور الأقلام الخادمة للفكرة الإسلامية المعاصرة فى ميدان اللغة والآداب والفكر والإبداع. 3- طاقات الإبداع فى حجم اتساع النهر وليست المنزلة السامقة التى تبوأها جابر قميحة راجعة إلى أبوته القادرة ولا إلى أستاذيته الفريدة أكاديميا فقط ولكن تستمد وجودها من طاقاته الإبداعية واسعة المجال، فقد كان الرجل واحدا من أكبر الرواد فى ميدان الأدب الرسالى، أى الخادم للفكرة الإسلامية على امتداد الميادين التالية: أ- الإبداع الشعرى إنشاء وترجمة. ب- الإبداع المسرحى. ج- الإبداع النقدى. د- الدراسات الأدبية النقدية. ه- الدراسات الأكاديمية فى ميدان اللغة العربية والثقافة الإسلامية. وهذا الاتساع فى ميادين الثقافة جعلته رائدا وأستاذا حقيقيا لعدد من أجيال الأدباء والنقاد الإسلاميين واتسم عطاؤه فى هذه الميادين بالخصائص التالية: أولا- التنوع الأجناسى وذلك أن الرجل أبدع فى عدد من الأجناس الأدبية المختلفة شعرا ونثرا ومسرحية وسيرة. ثانيا- الاتساع الكمى والكيفى للمنجز إن قراءة منجز جابر قميحة دال على وفر كمية وغنى كيفى يعطى الدليل على عكوف عجيب على خدمة الأدب والفكر والثقافة المعاصرة من منظور إسلامى. ثالثا- الرقى الفنى والجمالى ومع ذلك المنجز الكمى فقد كان الرجل أديبا رفيع المستوى بالنظر إلى القيم الفنية والجمالية. لقد كتب الرجل فكشف عن شاعرية حقيقية حائزة لمقامات فنية وجمالية تجاوزت إلى ابتكار على مستوى معمار الأعمال الأدبية. إن رحيل جابر قميحة خسارة فادحة إنسانيا وإسلاميا وثقافيا وحركيا. إن صوت البلبل الذى طالما أمتع ونافح عن الإسلام -يصمت الآن- وإنى لأرجو أن يبعث صوته القديم فى أوساط الحركة الإسلامية نشرا لما كتبه واحتفاء بما خلفه. رحم الله ذلك الصوت رحمة واسعة.