حمزة إسماعيل أبو شنب كاتب فلسطيني شهد قطاع غزة خلال الأسبوع الماضي العديد من عمليات الاغتيال لنشطاء المقاومة مما استوجب الرد من قبل الأجنحة العسكرية على الخروقات الإسرائيلية، ليبدأ الإعلام الصهيونى والعديد من القيادات السياسية والعسكرية بالترويج لعدوان جديد على قطاع غزة، فى الوقت الذى تشهد فيه دولة الاحتلال انتخابات برلمانية مبكرة. كان الدم الفلسطينى فى السابق هو الرصيد الانتخابى للأحزاب الإسرائيلية مما يولد هواجس لدى البعض بأن هذه أجواء تصعيد وعدوان جديد على غزة. الناظر للوضع الإسرائيلى الداخلى والمحيط العربى فى الفترة الحالية يعى أن كل ما يتحدث به الاحتلال عن هجوم على غزة يأتى فقط فى إطار رفع معنويات جنوده من خلال التدربيات والاستعدادات الدائمة داخل جيش الاحتلال ورسائل حرب نفسية لمن يحكم فى قطاع غزة ليذكره بقوة الردع ويذكره بحرب الفرقان (الرصاص المصبوب عام 2009) وبث الرهبة لدى المواطنين ولكن الواقع مختلف تماما فالاحتلال لا يفكر الآن فى تنفيذ أى هجوم على قطاع غزة فى ظل المعطيات الداخلية والخارجية. فعلى الصعيد الداخلى ينشغل رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو بالانتخابات القادمة التى ستعقد فى شهر يناير من العام المقبل متسلحة بشرعنة الاستيطان فى الضفة الغربية، واستطلاعات الرأى التى تمنحه أغلبية مريحة يستطيع أن يشكل بها حكومة يمينية متطرفة، كما أن نتنياهو يتفاخر بعدم خوضه حروبا أثناء توليه رئاسة الوزراء خلال فترة الحكم الحالية أو السابقة عام 1996، لذلك فهو لا يفكر فى التصعيد ضد أى من الجبهات المحيطة. الاحتجاجات الاجتماعية المتواصلة فى المجتمع الإسرائيلى والمدعومة من القوى اليسارية فى حال نشوب تصعيد جديد سيكون جزء كبير منها تحت مرمى صواريخ المقاومة الفلسطينية مما يؤججها على الحكومة، ويستغلها ضده اليسار فى المعركة الانتخابية القادمة، ويرفعها شعارا انتخابيا له، حيث يعانى اليسار من تراجع ملحوظ وتشتت فى الساحة السياسية الإسرائيلية، وفرصته الانتخابية ضئيلة بتشكيل معارضة قوية فى وجه اليمين المتطرف المتصاعد. أما المقاومة فى قطاع غزة فهى غير معنية بتصعيد عملياتها ضد الاحتلال فهى تعتمد سياسة الردود على الخروقات كما أنها تبنى نفسها وتطور قدراتها القتالية والتسليحية، وفى الوقت نفسه يتجنب الاحتلال استهداف عناصر فاعلة فى حماس والجهاد الإسلامى، لذلك لن نشهد ردودا قوية أو عمليات نوعية من قبل المقاومة تجبر الاحتلال على الرد بشراسة ضد غزة، كما تشهد الضفة الغربية تذمرا كبيرا نتيجة لفشل مسار التسوية السياسية ونجاح الاحتلال بفرض السلام الاقتصادى، وكذلك تشهد احتجاجات ضد السلطة الفلسطينية التى تقف عاجزة أمام الاحتلال، ولا يحبذ نتنياهو أن تنفجر الضفة الغربية فى وجه الاحتلال لحين الانتهاء من الانتخابات. رغم أهمية العوامل الداخلية إلا أن الأوضاع الخارجية لا تقل أهمية، أيضا فالولايات المتحدة على موعد مع انتخابات رئاسية تشهد منافسة كبيرة، وكان نتنياهو طرفا فيها من خلال دعمه للمرشح الجمهورى رومنى، فهو ينتظر إلى أين ستفضى نتائجها كما أن الملف الإيرانى ما زال يشكل الهاجس الأكبر للاحتلال بعد فشل تحديد القدرات القتالية بعد نجاح حزب الله وإيران فى إرسال طائرة دون طيار، وفشل الاحتلال فى اكتشافها إلا بعد فترة من الوقت. حالة الضبابية فى العلاقة مع مصر الجديدة والتقارب المصرى التركى الحليف السابق لإسرائيل يجعلانه يفكر كثيرا فى رد الفعل المشترك على أى عدوان جديد على غزة، وهو يعيش حالة من الترقب، لذلك لن يُقدم الاحتلال على أية عملية عسكرية واسعة فى قطاع غزة فى المنظور القريب وسيكتفى بالملاحقات الميدانية المحدودة.