إن كان الله عز وجل هو غايتنا، ورضاه هو مقصدنا ومطلبنا، فإن هذا معناه أن نسارع للقيام بكل ما أمرنا به من فرائض ونوافل.. تأمل معى هذا الحديث القدسى: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله قال: من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلىَّ عبدى بشىء أحب إلى مما افترضته عليه، وما يزال عبدى يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به، وبصره الذى يبصر به، ويده التى يبطش بها، ورجله التى يمشى بها، وإن سألنى لأعطينه، ولئن استعاذنى لأعيذنه" [صحيح البخارى]. إذًا فالله عز وجل يحب منا أن نؤدى الفرائض، وأن نكثر من النوافل لندخل فى دائرة من يحبهم ويحميهم ويدافع عنهم: }وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{(الأنعام:127). وفى المقابل فعندما لا نؤدى الفرائض بالشكل الذى يرضى الله عز وجل، وعندما نهجر النوافل فنحن بذلك نعرض أنفسنا للخروج من دائرة المعية والكفاية الإلهية، ونصبح عُرضة للخذلان والهوان فى أعين الناس. ومن صور هجر الطاعات وعدم القيام بها بالشكل المطلوب الذى يريده الله عز وجل ما يلى: هجر المساجد والتأخر عن أداء الصلاة فى أول وقتها: فالمساجد هى بيوتنا الحقيقية.. هكذا ينبغى أن تكون بالنسبة لنا، وكلما ابتعدنا عن المسجد، ابتعدنا عن رحمات كثيرة نحن فى أشد الحاجة إليها. أخى الداعية.. ألست تبتغى رضا مولاك؟! فاعلم إذًا أن ما يرضيه أن تصلى الصلاة فى أول وقتها بالمسجد: }رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْتِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِالزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ{(النور:37). ومن صور هجر الطاعات هجر صلاة الفجر فى المسجد: إنها صورة لا تليق بك أبدا أخى الداعية.. نعم، قد تفوتك الصلاة مرة كل فترة طويلة لعذر خارج عن إرادتك، أما أن يكون ذلك هو الأصل فلا، ثُمَّ لا.. أبلغك قوله صلى الله عليه وسلم: "من صلى الصبح فى جماعة فهو فى ذمة الله، فمن أخفر ذمة الله كبه الله فى النار لوجهه"! [حسن رواه ابن ماجه والطبرانى، وأخفر أى: نقض]. فيا حسرة من ترك صلاة الفجر تفوته، ويا خوفه على يومه، وعلى دعوته، وعلى الأعمال التى يقوم بها، والتى قد تفتقر إلى التأييد والتوفيق الإلهى. أخي: هل يوجد ما يبرر عدم صلاة الفجر بالمسجد؟ فإن قلت: إنه السهر، فلا تسهر.. نم مبكرا واترك متابعة الفضائيات ونشرات الأخبار.. فصلاة الفجر أهم من ذلك كله. ومن هجر الطاعات: هجر قيام الليل: وقيام الليل هو وقود الدعوة، فمن خلاله يتزود الأخ بزاد الإخلاص، ويجدد عهده مع الله وانتسابه إليه، ويستمد منه القوة والطاقة التى تعينه على القيام بأعباء مهمته العظيمة.. وهو أعظم دليل على حب العبد لربه وأنسه به، وفرحه بمناجاته، فإذا ما هجرناه سقطت كل دعاوى الحب التى ندعيها، وفاتنا زاد ضخم، لا يمكن تعويضه ومن ثَّم ابتعدنا أكثر وأكثر عن تحقيق حلم الأمة جمعاء بعودة مجدها من جديد. أخى الداعية: لا يوجد لأى منا عذر فى عدم قيام الليل، فمهما كانت الأعباء والمشاغل فلن ترقى بحال من الأحوال إلى مشاغل رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى كان رئيس الدولة وقائد جيوشها.. يحل المشاكل، وينظر فى القضايا، وينصح الناس ويعظهم، ومع ذلك لم يترك قيام الليل ليلة واحدة، ولم يستثنه ربه من قيام الليل بل قال له: }فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (الشرح:7). أى: إذا فرغت من الدعوة، فانصب للعبادة، وكذلك كان أصحابه صلى الله عليه وسلم ومن أخطر صور هجر الطاعات: هجر القرآن: هجر فهمه والتأثر به.. هجر معجزته الحقيقية التى تتمثل فى بث الروح وتوليد الطاقة والدافع الذاتى للفرد: }وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَاإِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا{(الشورى:52). فالقرآن هو أهم مولِّد للإيمان }وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا{(الأنفال:2). والقرآن يزيد الإيمان عندما يتم التأثر بآياته.. فإياك أن تهجر التأثر بالقرآن فتحرم نفسك من معين عظيم للإيمان، ومصدر فذ لتوليد الطاقة الروحية، ووسيلة أكيدة تجعلك دائما فى حالة من الانتباه واليقظة. والملاحظ أن الإمام البنا قد أوصانا بالوسائل التى تعيننا على تحقيق الانتفاع الحقيقى بالقرآن.. يقول رحمه الله: واجتهد أن تقرأ القرآن فى الصلاة أو غيرها على مُكث وتمهل وخشوع وتذلل، وأن تقف على رءوس الآيات، وتعطى التلاوة حقها فى التجويد والنغمات، من غير تكلف ولا تطريب، أو اشتغال بالألفاظ عن المعانى، مع رفع الصوت المعتدل فى التلاوة العادية أو الصلاة الجهرية، فإن ذلك يُعين على الفهم، ويثير ما غاص من شآبيب الدمع، وما نفع القلب شىء أفضل من تلاوة فى تدبر وخشوع. [حسن البنا ومنهجه فى التفسير]. ومن هجر الطاعات: هجر النوافل والسنن؛ كهجر أذكار الصباح والمساء، والاستغفار، والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم. وكهجر التبكير لصلاة الجمعة واستخدام السواك، وكهجر صوم التطوع وصلاة التوبة وسجود الشكر. أخى الداعية: ألم يقل الله عز وجل ((.. وما يزال عبدى يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه...))؟! معنى ذلك: أن النوافل لها دور عظيم فى القرب من الله واستجلاب محبته ومن ثمَّ ولايته وكفايته ونصرته.. هذا هو ما نريده لأنفسنا ودعوتنا، فأى خسارة تلك التى نخسرها عندما نهجر النوافل. قد يقول قائل: إن الحركة والدعوة بين الناس لهما دور كبير فى زيادة الإيمان ومن ثمَّ أن يستغنى بهما الداعية عن قيام الليل، والتأثر بالقرآن، وأداء النوافل وغير ذلك من الطاعات. إن كان الأمر كذلك فلماذا حرصه صلى الله عليه وسلم على قيام الليل حتى فى السفر والمرض؟ وكذلك كان أصحاب الدعوات الصادقة.. لم يستغنوا بحركتهم وجهدهم عن أورادهم. لا بديل عن أن نكون رهبانا بالليل حتى نُحسن القيام بأعباء الدعوة بالنهار، كما وصى الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك: }إن نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِى أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا* إن لَكَ فِى اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا{(المزمل:6، 7).