عندما نقول إن الشعب مصدر السلطات فلا نقصد أنه مصدر لسلطة دون أخرى أو أنه قادر على تشكيل وتغيير وتأسيس سلطة دون غيرها، ولكن سلطاته تسمح له بأن يكون مصدر كافة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. الشعب يستطيع أن يعزل السلطة التنفيذية إذا انتزعت حقا من حقوق الشعب، وإذا اعتدت على حقه فى اختيار ممثليه واختيار رأس سلطته التنفيذية ومكونات سلطته التشريعية. يستطيع الشعب أن يمتنع عن تجديد الانتخاب للسلطة التنفيذية، ويمكنه أن يغير مكوناتها ويختار من يريد لقيادته فى كل مرحلة وفقا لقواعد قانونية وثوابت ديمقراطية يقرها ويرتضيها لنفسه. الشعب هو الذى يختار سلطته التشريعية وينتخب أفرادها ويختار تياراتها السياسية وتوجهاتها الفكرية، وهو الذى يملك أن يعزلهم فى أقرب انتخابات برلمانية ويختار بديلا عنهم إذا شاء. الشعب هو الذى يخول للسلطتين التنفيذية والتشريعية تسهيل مهمة السلطة القضائية وتوفير كافة الضمانات التى تساعدها على أداء رسالتها والقيام بدورها والحفاظ على استقلالها. وبالتالى فلا توجد سلطة بعيدة عن إرادة الشعب أو معزولة عن مزاجه العام ولا معاندة لمطالبه ولا توجهاته العامة، فالجميع على قدم المساواة يقدم لهذا الشعب خدماته ويسعى لتحقيق إرادته الحرة. لا توجد سلطة يمكن أن تعلن أنها فوق إرادة الشعب أو أنها تعيش بعيدا عن سيطرته وسطوته، فالرئيس يقدم كشف حساب دائما ومستمرا للشعب لأنه يستمد منه سلطته ويجدد من خلاله شرعيته، ومجلس الشعب المنتخب يفقد شرعيته إذا جاء فى ظل انتخابات مزورة ويتوجب عند ثبوت الجريمة أن يتم حله وإعادة انتخابه. أما السلطة القضائية فلها حق الاستقلال الكامل، ولكنها فى نهاية المطاف جزء من سلطات الدولة التى تحكم بالقوانين التى ارتضاها الشعب، وتحتكم إلى القواعد التى وضعها الشعب. فإذا ثار الشعب على نظام غلب عليه الفساد والاستبداد وجب على كافة السلطات المملوكة للشعب أن تستجيب للإرادة الشعبية، وتتعرف على مطالب الثورة، وتلتزم برغبات الناس ومزاجهم العام. فالسلطة فى يد أى صاحب سلطة ليست مطلقة، ولكنها مقيدة بما يريده الشعب وما يختاره، وعلى الجميع أن يدرك هذه الحقيقة التى لا تقبل نقاشا ولا تحتمل تبديلا.