تشهد العلاقات المصرية السودانية توترًا كبيرًا خلال السنوات الماضية، يتعلق بعدد من الملفات الخطيرة، أهمها الصراع الحدودي حول مثلث حلايب، ثم الموقف من سد النهضة، واتهامات الإعلام الموالي لعسكر مصر الخرطوم بالانحياز إلى إثيوبيا، والاتهامات من جانب إعلام السودان للعسكر بدعم وتمويل حركات التمرد في دارفور وغيرها من الأقاليم السودانية التي تشهد توترا. وجاءت تصريحات وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور، في حوار مع صحيفة "الشرق الأوسط" أمس الجمعة 15 ديسمبر 2017م، لتؤكد هذه التوترات المتصاعدة، حيث وصف مدينة "حلايب" المتنازع عليها حدوديا مع مصر بالأرض السودانية المحتلة من جانب مصر، وطرح الوزير سيناريوهين لحل هذا الخلاف هما: "الحوار" كما فعلت مصر مع السعودية بشأن تيران وصنافير، أو "الاحتكام إلى محكمة العدل الدولية" كما فعلت مع إسرائيل حول طابا، مشددا على أن السودان سيواصل المطالبة بحلايب "حتى تعود إلى حضن السودان"، على حد تصريحاته. من جانبها، التزمت وزارة الخارجية بحكومة الانقلاب الصمت حيال هذه التصريحات، ورغم مرور يوم كامل عليها إلا أنه حتى كتابة هذه السطور لم يصدر أي رد رسمي من جانب صحف العسكر، كما التزمت معظم المواقع والصحف بتجاهل هذه التصريحات، بينما نشرتها مواقع قليلة دون التعليق عليها؛ وهو ما يعزز وجود توجيهات من الرقابة العسكرية على وسائل الإعلام بعدم التصعيد تجاه السودان أو الرد على هذه التصريحات إعلاميا كما كان يحدث من قبل. واعتبر غندور- في حديث مع صحيفة "الشرق الأوسط" بالعاصمة البريطانية لندن نشر الجمعة- التوتر مع مصر حول النيل "صناعة إعلامية"، متابعا "يحاول الإعلام المصري أن يشير إلى السودان وكأنه ليس طرفا في هذه المعادلة التي تضم إثيوبيا والسودان ومصر". وأضاف الوزير السوداني: "نحن نكرر على الدوام أن السودان ليس وسيطا ولا منحازا، بل هو طرف أصيل في هذه المعادلة الثلاثية. النيل الأزرق والنيل الأبيض اللذان يلتقيان في الخرطوم لتكوين نهر النيل العظيم يجريان في الأراضي السودانية، أكثر منه في الأراضي الإثيوبية والمصرية مجتمعة. وبالنسبة لنا، فإن أهم مبدأ هو أن نحافظ على مصالحنا، دون أن نمس بمصالح أشقائنا الآخرين". من دلائل الغضب السوداني وبحسب خبراء ومحللين فقد انعكست الأزمة الرسمية بين البلدين على المستوى الشعبي، فبرزت من الجانب المصري خطابات عنصرية أجَّجها الإعلام الشعبوي، كان هدفها الحط من قيمة الشعب السوداني والتقليل من أهمية السودان لمصر. ومن دلائل الغضب السوداني، تفضيل الرئيس السوداني «عمر البشير»، زيارة إثيوبيا للمشاركة في احتفالاتها بأحد أعيادها القومية، على تلبية دعوة رئيس الانقلاب «عبد الفتاح السيسي»، لحضور منتدى الاستثمار والأعمال «إفريقيا 2017» الذي انعقد في ذات الوقت منذ أسبوعين بشرم الشيخ، والذي شارك فيه 4 رؤساء أفارقة وعدد من الوزراء وكبار المسئولين الأفارقة. واصطحب البشير في زيارته إلى إثيوبيا عددًا من كبار المسئولين، بينهم وزير رئاسة الجمهورية، ووزير الخارجية، ومدير جهاز الأمن والمخابرات، في حين اكتفى بإيفاد نائب رئيس الوزراء لحضور منتدى شرم الشيخ. قبل هذه الواقعة بأشهر قليلة، صرح الرئيس السوداني، خلال لقائه رئيس الوزراء الإثيوبي، بأنه «ليس هناك أي حدود للعلاقة بين البلدين سياسية أو اقتصادية أو تجارية أو ثقافية أو اجتماعية أو أمنية»، وأن «الأمن الإثيوبي جزء لا يتجزأ من الأمن القومي السوداني، ولذلك سنعمل على تطوير هذه العلاقة والوصول بها للمستوى الذي يتمناه كل سوداني وكل إثيوبي». لا تعد هذه الوقائع والتصريحات مجرد رسائل تهديدية من السودان إلى حكام مصر من العسكر، فالخرطوم لا ترى في سد النهضة مشكلة لها وتراه يصب في مصالحها. وقد أعلنت حكومة الانقلاب، منتصف نوفمبر الماضي، عن تعثر مفاوضات السد؛ بسبب رفض إثيوبيا والسودان لنتائج التقرير الاستهلالي الخاص بالدراسات المتعلقة بآثار السد على دولتي المصب. وتشارك السودان في حماية «سد النهضة» بشكل مباشر، حيث قامت في يوليو الماضي، بتوقيف مجموعة مسلحة قالت إنها «تحركت من إريتريا لاستهداف سد النهضة الإثيوبي»، وقالت الخرطوم إنها «معنية بالمحافظة على السد لحفظ مصالحها». وقوف السودان (دولة مصب) بجانب إثيوبيا (دولة منبع) وليس بجانب مصر (دولة المصب الأخرى)، يضعف موقف القاهرة بشدة، ويجعل مطالبها بوقف بناء السد حتى استكمال الدراسات حول آثاره السلبية غير ذات جدوى كبيرة، كما يحد من إمكانية أي تحرك عسكري مصري مستقبلي ضد السد. من أجل هذا تحتاج القاهرة إلى أن تكون علاقتها بالخرطوم جيدة كي لا تقف وحيدة أمام «سد النهضة». وحكومة العسكر من جانبها، أعلنت من طرف واحد إقامة سد شلاتين لاحتجاز مياه الأمطار هناك، وهو ما أغضب الجانب السوداني الذي رأى في الخطوة المصرية استفزازا وتكريسًا لما تراه احتلالًا لأراضيها في حلايب. وأمام هذا المشهد المعقد تتصاعد الأزمة حينا وتخبو حينا آخر، ولكنها في كل الأحوال تنذر بانفجار مرتقب لا يزال مكتوما حتى اليوم في العلاقات بين البلدين الشقيقين.