د. محمود غزلان عضو مكتب الإرشاد والمتحدث الإعلامى باسم الإخوان المسلمين يتصور بعض الناس أن دعوة الإخوان المسلمين باعتبارها دعوة إسلامية تتنكر لمبادئ الوطنية والقومية، وهذا تصور غير صحيح، فالإسلام نفسه يحض المسلمين على حب أوطانهم وأقوامهم وأن يدافعوا عنها وأن يبذلوا قصارى جهدهم من أجل رفعتها وسيادتها، وليس معنى أنه يمدُّ مظلة دعوته وخيره للعالم أجمع أنه يسحبها عن الوطن الإسلامى أو أهل العروبة، فهؤلاء أولى بالمعروف وهم حاملو الرسالة، ومن لم يهتم بأهله ووطنه وقومه فهو بغيرهم عديم الاهتمام. وكيف لمسلم– خصوصًا إن كان من الإخوان المسلمين– ولد وعاش وترعرع فى بلده وعلى أرضه وغذى بخيراته وتنفس هواءه وشرب ماءه أن ينكر فضل هذا الوطن أو يفرط فى حبات رماله؟ إن الحكم الشرعى الذى يفرضه الإسلام على أهل الوطن إذا ما قصده الأعداء غزاة أن يهبوا جميعًا لدفعهم والجهاد فى حقهم جميعًا رجالًا ونساءً صغارًا وكبارًا يصبح فرض عين. ولهذا قال أمير الشعراء شوقى رحمه الله: وللأوطان فى دم كل حر *** يدٌ سلفت ودينٌ مُستحق وتاريخ الإخوان المسلمين يقطع بأنهم يضحون بحياتهم من أجل أوطانهم، فمظاهراتهم ضد الاحتلال البريطانى لم تنقطع، وحينما لم تفلح الوسائل السلمية لجئوا إلى السلاح والجهاد، وتسارع شبابهم إلى القناة ينسفون مخازن الذخيرة والسلاح وقطارات الجنود، ويقتحمون المعسكرات ويشكلون فرق المقاومة الشعبية ضد المحتلين، كل هذا من أجل تحرير وطنهم، لأن هذا فرض عين، الأمر الذى حدا بالإنجليز إلى الإسراع بالرحيل. وفى السنوات الأخيرة وقفوا فى وجه الظلم والفساد والاستبداد، وقدموا آلاف المعتقلين وعشرات الشهداء رغبةً فى تحرير بلادهم تمهيدًا لنهضتها وتقدمها واستعادة مكانتها على المستوى القومى والإقليمى والدولى. ولو اطلع أولئك الذين يزعمون أن الإخوان المسلمين يتنكرون لدعوة الوطنية على ما كتبه الإمام البنا رحمه الله فى هذا الموضوع لكفوا أنفسهم مؤنة الوقوع فى هذا الخطأ، يقول رحمه الله فى رسالة دعوتنا: «فها أنت قد رأيت أننا مع دعاة الوطنية، بل مع غلاتهم فى كل معانيها الصالحة التى تعود بالخير على العباد والبلاد، وقد رأيت مع هذا أن تلك الدعوة الوطنية الطويلة العريضة لم تخرج عن أنها جزء من تعاليم الإسلام». أما بالنسبة للقومية فالإخوان المسلمون كما أنهم إسلاميون فهم أيضًا وطنيون وعربيون، بل إن المسلمين جميعًا ليدينون بالفضل بتاريخ أجدادنا ويعتبرونه المثال الذى يتطلعون إليه، ويشعرون بالأُخوة العربية، وهم يؤمنون بالوحدة العربية، وإن كانت الوحدة الاندماجية صعبة المنال الآن، فلا أقل من لون من ألوان، ولتكن فى مجال التعليم والطب ثم الاقتصاد وغيرها من المجالات.. ونعلم أن ذلك سوف يستغرق زمنًا طويلًا بَيْد أننا لا بُد أن نبدأ خصوصًا، وأن كل مقومات الوحدة موجودة، فذلك طريق العزة والقوة والكرامة والمجد، ولا بُد أن يتم ذلك عن رضا كامل وإرادة حرة، فليس معقولًا أن يتحد الأوروبيون على ما بينهم من خلاف كبير، وتبقى الأمة العربية متفرقة يستغلها الغرب. ونعتقد أن موقف الإخوان المسلمين من قضية فلسطين منذ بدأت مرورًا بحرب سنة 1948 أشهر وأبلغ من أن نُذَكِّر بها تأييدًا لموقفنا من القومية العربية وكذلك مشاركة رجالنا فى بناء نهضة عديد من الدول العربية وأيضًا موقفنا الآن من قضية الشعب السورى البطل. ولقد استقبل الإخوان المسلمون فى مركزهم العام بالقاهرة عددًا من سفراء ومبعوثى بعض القادة العرب ورحبوا بهم ودحضوا شبهات المغرضين الذين لا يريدون بنا غير الفتنة والوقيعة؛ لأن سياسة الجماعة قامت وما زالت على الحرص على استقرار الدول العربية، وأنهم لا يسعون إلا إلى الخير، مأمورين من رب العزة أن يتعاونوا مع كل المسلمين بل مع كل الشرفاء والوطنيين حتى من غير المسلمين لخير البلاد والعباد، وأن الإخوان المسلمين لن يكونوا أبدًا إلا عوامل بناء وخير لأوطانهم ولن يكونوا عليها فى وقت من الأوقات. وإننا لنرجو من الجميع ألا يعطوا آذانهم لمروجى الفتن، وأن يستمعوا إلينا إن أرادوا أن يعرفوا مبادئنا ومواقفنا، وليس بالضرورة أن يأتوا إلينا، فنحن على استعداد للذهاب إليهم فى آخر الدنيا إن أرادوا لنبين الحقيقة ونبدد الشبهات ونزيل المخاوف التى يزرعها المغرضون ونختم حديثنا باقتباسات من فكر الإمام البنا رحمه الله عن القومية يقول: «فهو مقصد حسن جميل نشجعه ونأخذ به، وهل عدتنا فى إيقاظ همة الحاضرين إلا أن نحدوهم بأمجاد الماضين؟ ولعل الإشارة إلى هذا فى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الناس معادن، وخيارهم فى الجاهلية خيارهم فى الإسلام إذا فقهوا" فها أنت ترى أن الإسلام لا يمنع من القومية بهذا المعنى الفاضل الجميع». ويقول: "ومن ذا الذى لا يرى أولى الناس بجهوده قومه الذين نشأ فيهم ونما بينهم؟!". ويقول الإمام البنا: «ونحب كذلك أن يعلم قومنا أنهم أحب إلينا من أنفسنا، وأنه حبيب إلي هذه النفوس أن تذهب فداء لعزتهم إن كان فيها الفداء، وأن تزهق ثمنًا لمجدهم وكرامتهم ودينهم وآمالهم إن كان فيها الغناء، وما أوقفنا هذا الموقف منهم إلا هذه العاطفة التى استبدت بقلوبنا، وملكت علينا مشاعرنا، فأقضت مضاجعنا، وأسالت مدامعنا، وإنه لعزيز علينا جد عزيز أن نرى ما يحيط بقومنا ثم نستسلم للذل أو نرضىبالهوان أو نستكين لليأس، فنحن نعمل للناس في سبيل الله أكثر مما نعمل لأنفسنا، فنحن لكم لا لغيركم أيها الأحباب، ولن نكون عليكم يومًا من الأيام". وفى النهاية نُذّكر أنفسنا وغيرنا بقوله تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴿8﴾} [المائدة] وقوله عز من قائل: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا} [الأنعام: 152].