بعض المؤسسات والتنظيمات والجماعات والهيئات لديها قناعة بأن كل رأس مرتفع عن رءوس قياداتها هو خطر محدق، وعدو قد يغير، وهدف يستحق التصويب عليه. عند البعض الرءوس المرفوعة هى ثمار تستحق القطف مبكرا قبل أن تنضج على أشجارها فيعجب بها الناس ويميلون إليها ويتركون غيرها. الثقافة التى تركتها النظم المستبدة خلفها لا تزال تعمل عملها فى صفوف هذه الأحزاب والجماعات، لذا فإنك ترى هذه الكيانات هشة وضعيفة، وتخشى أن تخرج من بين أضلاعها ومن رحمها قيادات شابة قوية، تفكر وتبدع، تتقدم وتتطور فتكشف عورة المتشبثين بالكراسى. هذه القيادات العتيقة هى السبب فى تأخر مصر؛ لأنها تفكر بالطريقة نفسها التى كانت تفكر بها فى عصر الاستبداد، وهى غير قادرة على التفكير السوى السليم فى عصر الحرية. لدى هذه القيادات دائما عذر، بل ألف عذر لكى تبقى وتفكر وحدها، ولا تشرك غيرها، والنتيجة جمود سياسى لا مثيل له، وشلل فكرى قل نظيره. انظر حولك، وفتش فى حزبك، أو منظمتك! أمعن النظر مرة ثانية، وقل لى بربك كم نسبة التغيير التى حدثت على مستوى القيادة؟ وستعرف وتدرك حقيقة ما أقول! لا جديد فى المستوى التنظيمى؛ لأن كل من رفع رأسه تم خفضها عنوة، وكل من علا صوته تم إسكاته، وكل من رشح نفسه تم إسقاطه، وكل من خالف الرأى تم عقابه. هذا الجمود التنظيمى هو ما يحتاج إلى ثورة حقيقية، ثورة تستفيد من خبرات السنين فتبنى عليها مستقبلا يواكب تغيرات الوقت الراهن، ثورة تخلص الجميع من فكرة أنه "وحده" كل شىء، فإن كان فى السلطة فهو الدولة، وإن كان فى الحزب فهو الرئيس، وإن كان فى الجماعة فهو الأمير. أحلى ما فى ثورة يناير أنها ثورة الأفراد وإن انتموا لأحزاب، ولم تكن ثورة مؤسسات. تخلص الأفراد من كل شىء؛ من الخوف، والطمع، والحرص على الحياة، وتحولوا إلى وقود الثورة. لو كانت الثورة ثورة أحزاب وتنظيمات، ما كتبت هذا المقال، لأننى ساعتها كنت سأدرك أن شيئا ما قد تغير جذريا فى هذه الكيانات، ولكن -للأسف- هذا لم يحدث. [email protected]