رغم حملة الدعاية الضخمة والاحتفال شبه الأسطوري في حفل افتتاح تفريعة قناة السويس التي أطلق عليها إعلام الانقلاب زورًا وتدليسًا "قناة السويس الثانية" وسط التصريحات التي دغدغت عواطف المصريين ورسمت آمال عريضة حول ارتفاع إيرادات القناة بعد التفريعة إلى 100 مليار دولار أو 13.2 مليارًا على أقل تقدير إلا أن الأرقام تؤكد تراجع إيرادات القناة بعد افتتاح التفريعة الجديدة أغسطس 2015م. وتمثل عائدات قناة السويس، المورد الخامس للإيرادات الدولارية المصرية، بعد القروض والصادرات السلعية وتحويلات المصريين بالخارج والاستثمار الأجنبي المباشر، إلا أن إيراداتها تتسم بالاستقرار النسبي، نظرا لكونها ممر ملاحي دولي يمر عبر مصر، تحكم المرور به معاهدة القسطنطينية منذ عام 1888.
ارتفاع الإيرادات بعد الثورة
ويتضح الاستقرار النسبي لإيرادات القناة بالفترة التالية لثورة يناير 2011، والتي أعقبها تراجع كبير في معدلات السياحة والاستثمار الأجنبي بنوعية المباشر والحافظة وتأثر الصادرات.
بينما لم تشهد إيرادات القناة تراجعا بل زادت إيراداتها عام 2011 إلى 5.2 مليار دولار مقابل 4.8 مليار بعام 2010، لحرص الدول الكبرى على عدم تعطل الملاحة بها، وهكذا ظلت إيرادات القناة تزيد عن الخمس مليارات من الدولارات بالأعوام الأربعة التالية.
3 أسباب وراء تراجع الإيرادات
ورغم ارتفاع الإيرادات بعد الثورة، إلا أن إيرادات القناة قد تراجعت بشكل محدود بالعامين الماضيين عما كانت عليه عام 2014، بسبب تراجع التجارة الدولية أولا والتي تقتنص منها حوالي 8% من التجارة البحرية العالمية، وتباطؤ الاقتصاد الصيني ثانيا، وتراجع أسعار النفط بما يشجع سفنا عملاقة فارغة على سلوك طرق بديلة لتوفير دفع رسوم العبور بالقناة كسبب ثالث للتراجع.
تحفيز بالتخفيضات
ولأن مشروع التفريعة جاء مواكبا لتراجع التجارة الدولية، فقد تراجعت إيرادات القناة منذ فبراير 2015، ولهذا لجأت السلطات لإجراء عدد من التخفيضات على رسوم العبور لبعض نوعيات السفن، كي تشجعها على المرور بالقناة بدلا من طريق رأس الرجاء الصالح.
وبحسب الخبير الاقتصادي ممدوح الولي، فقد قامت حكومة الانقلاب في أغسطس 2015 بإعفاء حمولات الطوابق الخمسة الأولى بسفن الحاويات المتجهة من الساحل الشرقي الأمريكي إلى جنوب شرق آسيا من الرسوم.
وفي مارس من العام الماضي قامت ثانيا بخفض الرسوم بنسبة 30 %، لسفن الحاويات القادمة من ميناء نيويورك والموانئ الواقعة جنوبه، المتجهة إلى موانئ جنوب شرق آسيا.
لكن انخفاض أسعار البترول جعل شركات الملاحة تطالب بألا يقل الخصم عن 50 %، حتى يكون المرور عبر القناة مجديا في ضوء ارتفاع تكلفته، ولهذا لم تسفر مبادرة التخفيض بنسبة 30 % عن أية استجابة من شركات الملاحة.
ولأن بمبادرة التخفيض تلك كانت مدتها ثلاثة أشهر قابلة للتجديد، فقد رفعت هيئة قناة السويس نسبة التخفيض لسفن الحاويات بتلك الرحلات الطويلة، من 30 % إلى 65 % كإجراء ثالث استجابة لطلب الشركات في يونيو من العام الماضي، خاصة مع اقتراب افتتاح توسعات قناة بنما بأواخر الشهر.
وفي يونيو أيضا تم منح ناقلات البترول العملاقة التي تزيد حمولتها عن 250 ألف طن، خفضا بنسبة 31 % من الرسوم مما يمكن معه خفض الرسوم من 400 ألف دولار إلى 230 ألف دولار كتخفيض وتحفيز رابع.
وفي يوليو من العام الماضي قررت هيئة القناة خامسا، زيادة خفض رسوم عبور الناقلات العملاقة الفارغة، المتجهة من أمريكا إلى الخليج العربي والمقررة بنسبة 20 % منذ فبراير 2005 إلى 45 %، لمدة ستة أشهر بشرط تقدم الشركة بطلب للحصول على التخفيض وعدم التوقف بأحد الموانئ خلال الرحلة.
إخفاق في زيادة الإيرادات
إلا أن مصادر بالهيئة بحسب الولي، قالت إن عائد تلك التخفيضات المتكررة لم يسفر سوى عن 147 مليون دولار، بالشهور التسعة الممتدة من يونيو من العام الماضي وحتى نهاية فبراير من العام الحالي، مما دفع الهيئة بشهر مارس الحالي لخفض الرسم المقرر على طول السفن المارة كتحفيز سادس بالتخفيض، التي يزيد طولها عن 453 مترًا من 8 % من إجمالي الرسوم إلى 4 %، خاصة مع استمرار تراجع الإيرادات بشهري يناير وفبراير من العام الحالي.
وكانت هيئة القناة قد عرضت على شركات الملاحة في أكتوبر الماضي مبادرة للسداد المقدم للرسوم عن ثلاث سنوات، مقابل الحصول على نسبة خصم 3 %، استهدافا لتحصيل 4 مليار دولار لتخفيف حدة العجز الدولاري.
لكن المفاوضات لم تسفر عن اتفاق بسبب سوء توقيت طرح المبادرة ، الذي واكبه وجود كساد غير عادى وخسائر بشركات وخطوط الملاحة الدولية مما دفع بعضها للاندماج، وإفلاس خط هايجن الكوري الجنوبي، ووجود نسب فوائد تزيد عن نسبة الخصم المقررة ببعض الأسواق، وعدم قبول السلطات المصرية زيادة نسبة الخصم المقترحة مقابل الدفع المقدم.
وهكذا تراجعت إيرادات قناة السويس بعام 2015 إلى 5.2 مليار دولار مقابل 5.5 مليار دولار بالعام السابق، واستمر الانخفاض بالعام الماضي لتصل الإيرادات لأقل من 5 مليار دولار بحسب الولي.
وجاء ذلك بسبب انخفاض عدد السفن المارة بنحو 650 سفينة بنسبة تراجع 3.7 % ومنها سفن الحاويات بتراجع 9 % وناقلات البترول بنسبة 1%.