كان الشعر الثوري على موعد مع نجم جديد في شاعريته وأسلوبه الشعري الذي يمكن وصفه بأنه "مدفع رشاش سريع الطلقات"، وبشهادة النشطاء ومحبيه على مواقع التواصل الاجتماعي فقد أصابت طلقاته رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي فيما يبدو في مكان "حساس"، مما جعله يطلق خلفه ضباع الأمن لملاحقته. ورغم ذلك، تسبب الشاعر المصري الشاب، غازي سامي محمود، المعروف باسم "غازي حبيبة"، في تدفق دماء حيوية في جسد شعر الثورة، رغم أثقال المرارة والآلام التي تلاحق المصريين، التي أنهكتها معاول الانقلاب اقتصاديا وسياسيا وحقوقيا، ولم يعد في سماء مصر أصوات شعرية تشحذ الهمم وتطلق للروح أشواقها في البحث عن ثورة يناير العظيمة، وتشبع توقها لإسقاط الانقلاب. المفارقة أن «غازي» حسب صفحته الشخصية وكتاباته، كان من المؤيدين لرئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي، في انقلابه على الرئيس المنتخب محمد مرسي، قبل 3 سنوات، إلا أنه نظرًا للواقع المرير الذي يعيشه المصريون، عاد وهاجم "السيسي"، قبل شهور، في قصيدة انتقد فيها الحالة التي وصلت إليها مصر، وكانت القصيدة بعنوان «مساء الطين». شعراء ضد العسكر ولا يكاد يخلو ديوان لشاعر من تناول هموم وطنه وأمته، لكن الشعر السياسي توارى مع انقلاب 30 يونيو 2013، ولم يتجسد هما كاملا وإبداعا فنيا كما تجسد في تجربة الشاعر "غازي حبيبة"، أو الشاعر عبدالله الشريف، أو الشاعر خالد الشافعي صاحب قصيدة "يا خسارة يا حزب النور"، أو الشاعر خالد الطبلاوي، صاحب "هنا القاهرة". ولن ينسى المصريون الشاعر الراحل "نجيب سرور" الذي واجه جرائم زعيم النكسة جمال عبدالناصر وعصابته، وقال: "حياتنا قصيرة قصيرة وواحد وكم تكون حلوة لو أنها تعاش، لكننا نموت مرتين لأننا نعيش أشقياء". وتميزت حياة "سرور" في ظل حكم العسكر بالشقاء والمعاناة الشديدة منذ نشأته في مركز أجا بمحافظة الدقهلية، حيث فتح عينيه الواسعتين وقلبه الحار على غطرسة عصابة العسكر وظلمهم حتى رصد ذلك من خلال قصيدته "الحذاء" التي عبر فيها عن مشهد ضرب عمدة قريته "لوالده" ، ومن هنا بدأ سرور ينحاز للفقراء والمهمشين ويعرف سر الكلمة التي أصبحت سلاحه الذي يواجه به قمع العسكر وظلمهم. ويقول الناقد الدكتور صلاح فضل، إن "نجيب سرور كان مبدعا شجاعا وغير عادي، موهبته كانت حارقة تؤذي صاحبها بأكثر مما تؤذي قارئها، وخارقة تدل على قوة عارمة الشعور ووحدة بالغة الإحساس وقدرة فذة على التعبير". سلم نفسك وسلَّم الشاعر "غازي حبيبة"، نفسه إلى سلطات الانقلاب بمحافظة المنوفية، من أجل إنقاذ نفسه وأسرته من الملاحقة الأمنية، التي أعقبت صدور قرار إداري مجهول بضبطه وإحضاره، على خلفية إلقائه قصائد شعر شعبي جرحت مشاعر وأحاسيس رئيس الانقلاب السيسي، تحت عنوان: "إلى السيسي: مساء الطين"، ونشرها عبر موقع "يوتيوب". وجاء قرار غازي، المعروف بكونه شاعر الجاليات المصرية بالخارج، بتسليم نفسه بعد أن لاحقته قطعان الأمن، واستهدفت منازل أفراد عائلته، وروعت أفراد أسرته، وقبضت على شقيقه، مما اضطره إلى تسليم نفسه، مساء الأحد، وسط مخاوف على حياته، من قِبل حقوقيين وناشطين. وكتب غازي على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، مساء الأحد، تدوينه قال فيها: "أنا مطلوب القبض عليا.. ليه مش عارف.. مش متخيل أني في يوم وليلة أصبح مطاردا ومطلوب أمنيا عشان فيديو، ولا قصيدة". وأضاف: "راحوا لأختي بيتها، وقبضوا على أخويا.. ما فيش قدامي غير أني أسلم نفسي عشان أخويا ما لوش ذنب، ولا أنا كمان أذنبت في شيء، إلا إذا أعتبرنا أن رأيي ذنب". وتابع غازي، المعروف باسم "شاعر المغتربين": "خلال نص ساعة هسلم نفسي لشرطة مدينة السادات، وأضاف: "كان نفسي أحضن بنتي اللي لسّه ما شافتش شكل الدنيا إيه.. كان نفسي أعملها سبوع (احتفال شعبي).. كان نفسي أوي". ووجه الشاب حديثه لمتابعيه قائلا: "قولوا لأمي: متخافش ومتبكيش.. قولوا لمراتي: معلش مكنتش أقصد أبهدلكم معي.. سلموا لي أوى على بنتي اللي لسه ما فتحتش عنيها.. كان نفسي أفرح بيها.. الحمد لله.. السلام عليكم". مساء الطين وكان غازي أطلق قصيدة أخيرة وجهها إلى رئيس الانقلاب بعنوان "إلى السيسي مساء الطين"، هي القصيدة الأخيرة له، وتوقع نشطاء أن تكون هي سبب مطاردته من قبل سلطات الانقلاب. واستبق حبيبة هذه القصيدة بقصيدة أخرى عن حُكم السيسي، بعنوان: "جناب الزعيم الغبي المستبد". "خلية" شرشوب! و"غازي حبيبة" معروف بين المصريين في الخارج باسم "شاعر الغربجية"، وكثيرا ما كتب قصائد تتناول أوضاع المغتربين المصريين في الخارج، منتقدا بشدة نظام "الكفيل" المعمول به في دول الخليج. ويبلغ غازي من العمر 24 عاما، وتلاقي مقاطع الفيديو التي يقدمها استحسان المغتربين المصريين. ومن جهتهم، حاول العديد من النشطاء والحقوقيين، التواصل مع غازي، عقب التدوينة التي قال فيها إنه سيسلم نفسه على إثرها، لكن دون جدوى. وسبق أن اعتقلت سلطات الانقلاب فلاحا مصريا بسيطا "اسمه شرشوب" اعتاد توجيه النقد اللاذع إلى السيسي من مقر إقامته بمركز بني سليم بمحافظة أسيوط، عبر مقاطع فيديو ينشرها عبر موقع "يوتيوب"، ونسبت إليه تهمة تشكيل "خلية" للسخرية من السيسي. من جهته قال الكاتب السياسي سليم عزوز: "السيسي يختبئ وراء ستار الفتنة الطائفية للانتقام من شرشوب! شرشوب هاجم زكريا بطرس الذي سب الملة والدين.. فهل يعبر زكريا بطرس عن المسيحيين حتى يعتبر من هاجمه أنه يهدد الوحدة الوطنية؟ إن شنودة قال إن زكريا بطرس لا يعبر عن المسيحيين. وتابع "عزوز": "الانتقام من شرشوب لأنه قال للسيسي انت فاشل.. وإنه لو عنده حتة أرض مش رايح يجيب السيسي غفير عليها.. لأنه ما ينفعش! سيبك من الفتنة الطائفية وواجه شرشوب رجلا لرجل وقل له إنك تصلح أن تكون غفيرا وبالدليل.. يا فاشل.. يا فاشل".